الفواكه الاستوائية في الساحل بديل أم رديف للزراعات الأخرى؟
منذ عشرات السنين استُقدمت بعض بذور أشجار الفواكه الاستوائية برفقة بعض المواطنين العائدين من المهجر، وخاصة من دول أمريكا اللاتينية، ونجحت هذه الأشجار وأعطت ثماراً وفيرة الإنتاج وحلوة المذاق، لكنها بقيت زراعات خاصة، ضمن الحدائق المنزلية غالباً، ولم تتوسع كزراعات تصنف ضمن المحاصيل الإنتاجية، مثل الحمضيات والمحميات والقمح والزيتون، كأهم محاصيل زراعية في الساحل، وخاصة طرطوس.
انتشرت هذه الزراعات في السنوات القليلة الماضية بسرعة هائلة، وأصبحت ظاهرة اقتلاع أشجار الزيتون، والحمضيات خاصة، ظاهرة تتوسع بسرعة، إلى درجة أقلقت الجهات المعنية، التي بدأت بالحديث عن الضوابط والعقوبات لمن يقتلع أشجاراً مثمرة ويزرع مكانها أشجاراً استوائية، من الزراعات السابقة (حمضيات، زيتون، قمح)، باستثناء أشجار الموز التي كان لها رعاية وتشجيع من قبل وزارة الزراعة.
البداية
بدأت مشاريع الزراعات الاستوائية كفكرة لدى بعض الشباب الطموحين المالكين لأراضٍ زراعية مخصصة لزراعة الأشجار المثمرة، وخاصة الحمضيات، وإلى حد بعيد الزيتون والمحميات، ومعظم هذه الأراضي ورثوها عن آبائهم مزروعة بتلك الأصناف، وكانت الفكرة البحث عن بديل عندما تدنّت أسعار الحمضيات إلى أدنى مستوياتها، إلى درجة أصبحت ظاهرة ترك المحصول «يتعفن» على الشجرة أوفر اقتصادياً من تكاليف (القطاف- العبوات- النقل- سمسرة سوق الهال)، وكذلك الزيتون في الأراضي التي أصيبت بمرض «عين الطاووس» وخرجت من الإنتاج نهائياً!
فبغياب الأفق الملموس لقيام الجهات المعنية بحل هذه المشكلة الإنتاجية، كان البحث عن البديل منطقياً ومشروعاً، وكانت هناك صعوبات في البداية، لكن نجاح البعض في زراعة الأشجار الاستوائية ساعد في انتشارها بسرعة غير متوقعة!
المقارنة كعامل محفز
تلعب المقارنة دوراً أساسياً في البنية الزراعية في الساحل، لصغر المساحات وتلاصقها مع بعضها البعض ضمن العلاقات الاجتماعية المتداخلة، فالعبارة الاجتماعية «جاري بالأرض» مألوفة أكثر من عبارة «جاري بالسكن» في المناطق الزراعية التي تسمى «الوطى»، الأراضي الزراعية ما بين المرتفعات والبحر، «والسهل» الأراضي المنبسطة البعيدة نسبياً عن المرتفعات الجبلية.
وأصبح المزارع أمام خيارين، بعد المقارنة مع نجاح تجربة الأشجار الاستوائية، إما الاستمرار بالمعاناة السابقة نفسها «مرة بتصيب، مرات ما بتصيب»، وإما الانتقال إلى هذه التجربة، وخاصة مع قلة الرعاية من الجهات المعنية للزراعات التقليدية لديه، وكانت عملية الانتقال متاحة وسهلة، من حيث وجود الأرض الصالحة لذلك، والكادر الذي امتلك خبرة زراعية على مستوى عالٍ!
وأصحاب هذه التجربة الناجحة يدافعون عنها، فقد صرح رئيس جمعية منتجي الفواكه الاستوائية لبعض وسائل الإعلام الإلكترونية وعبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بأن مستلزمات الإنتاج للزراعات الاستوائية أقل بكثير مما تحتاجه الزراعات السابقة، كالبندورة وغيرها من الزراعات المحمية، حيث كلفة الإنتاج في الزراعات المحمية تتكرر سنوياً وبأسعار تفوق مقدرة المزارع والقيمة الإنتاجية للمحصول، أما زراعة الأشجار الاستوائية، تخسر مرة واحدة أثناء زراعتها، حيث كل /١٠/ دونمات استوائية تحتاج إلى شخص واحد للاعتناء بها، أما /١٠/ دونمات حمضيات فبحاجة إلى أربعة أشخاص، وحاجة المواد الكيميائية للزراعات الأخرى كبيرة، أما الزراعات الاستوائية فأثناء زراعة الغراس فقط، ثم تعيش على الطبيعة لوحدها، عداك عن جمال الطبيعة الناتج عنها .
وكمثال على ذلك فإن شجرة الموز تُزرع مرة واحدة، وتعطي إضافة إلى العنقود «ثمارها» من /٤-٥/ شجيرات حولها، تُزرع من جديد في أماكن أخرى، أو تباع لمزارعين آخرين!
وكميزان اقتصادي فإن كيلو البرتقال «أبو صرة» كان يباع بأربعة آلاف ليرة، في حين كيلو «الأفوكاتو» بيع بعشرات الأضعاف (الآن أنخفض السعر أقل من السابق لزيادة إنتاجه محلياً)!
الليمون الحامض أيضاً يعطي الطن من /٢٠٠-٣٠٠/ ألف ليرة، أما «الدراغون» فيعطي قيمة الطن الواحد من ثماره نحو /٢٠/ مليون ليرة حالياً!
ودافعت الجمعية عن مشروعية وقوننة هذه الزراعات من قبل اتحاد الفلاحين، وأن الأراضي المزروعة بهذه الأشجار لا تتعدى خمسة آلاف دونم، ودخل هذه الزراعات يعادل /٢٠/ ضعف الزراعات الأخرى، ولا يطلبون الدعم من الدولة، ويقدمون العملة الصعبة للبلد عن طريق تصدير هذه الفواكه مقارنة مع كلفة استيرادها من الخارج، فما المانع أن تكون طرطوس طليعة المصدرين للفواكه الاستوائية بما منته عليها الطبيعة من مناخ يقارب المناخ الاستوائي، وأن تكون هذه الزراعات رديفاً للبندورة والحمضيات والزيتون والقمح والمحميات، خاصة أنها خالية من المواد الكيميائية!
طموح الشباب
تنوعت أصناف ثمار الأشجار الاستوائية التي تزرع في الساحل، ولكل صنف أنواع متعددة أيضاً، وأهم الأشجار (الفيجويا- القشطة بأنواعها- الأفوكاتو بأنواعه– البابايا-الجوافة - الدراكون بأنواعه...).
وعلى لسان رئيس جمعية منتجي الفواكه الاستوائية بأنه كانت في عام ٢٠١١ حالة واحدة من هذه الزراعات كمحصول إنتاجي، وأهم مشروع الآن ابتدأ عام ٢٠١٧، والآن يوجد لا يقل عن خمسة آلاف عائلة تعتمد على هذه الزراعات، ويوجد حالياً ما يقارب /٩٥/ صنفاً، والبعض من الشباب طور فكرة الزراعة هذه، وبدأ بفكرة إنشاء مقهى صغير لاستقدام الزوار للتمتع بجمال الطبيعة «الاستوائية»، وتوسعت إلى أن أصبحت مقصداً سياحياً صغيراً لكنه مشهور، حيث يتذوق الزائر هذه الفواكه عن الشجرة الأم ضمن وجبات تقدم له بأسعار منخفضة عن السوق، وفي الوقت نفسه يقوم صاحب المنشأة بزراعة البذور الناتجة ضمن مشاتل خاصة لتباع كشتول لمن يرغب، وبالتالي يكون قد حقق ثلاث مراحل من الإنتاج المادي. وقال أيضاً: إن من ضمن الزوار طلاب جامعات ممن يعملون حلقات بحث عن الفواكه الاستوائية.
نجحت زراعة الدراكون بأنواعه «الأبيض- الأحمر- الأصفر»، ليس في الأراضي الزراعية فقط، بل في كل زاوية مهملة من الأرض، كالأسيجة والزوايا المهملة، وما ميزه عن غيره نجاحه على أسطحة المنازل، حيث يزرع ضمن عبوات بلاستيكية أو معدنية، وأصبحت ظاهرة لافتة للنظر في معظم بيوت الساحل، ويؤدي وظيفتين الأولى، الاكتفاء الذاتي للأسرة، والثاني جمال الطبيعة حيث يغطي نسبياً التلوث البصري الحاصل على أسطحة المنازل، وأنه مفيد للبيئة.
موقف الجهات المعنية
اعتبرت وزارة الزراعة انتشار ظاهرة الزراعات الاستوائية، ونزع البيوت البلاستيكية، وقطع أشجار الزيتون والحمضيات، وأيضاً بعض الأراضي التي كانت تزرع بالقمح، ظاهرة غير محمودة النتائج، وحذرت من انتشار هذه الظاهرة كبدائل للزراعات السابقة، عدا الموز حيث سهلت عملية زراعته، وغضت الطرف عن الأراضي «البور» التي لم تزرع سابقاً بالزراعات السابقة، وصرحت بعض الجهات المعنية بأنها لن تقدم لهذه الزراعات ما تقدمه للزراعات السابقة مثل (القروض- السماد- المازوت الزراعي... إلخ).
وصرح اتحاد الفلاحين بأن «الشوكولا والدراجون والأفوكاتو ...» تهدد محاصيلنا الأصلية، ولن تكون بديلة عن الحمضيات، وستكون هناك مخالفات لمن يقتلع أشجار الحمضيات...
أين التخطيط الاستراتيجي؟
انتشرت زراعة الموز بسرعة دون التخطيط لها، حسب رأي المزارعين القدامى، وظهرت بعض الإصابات الفطرية المرضية في بعض مزارع الموز، والسبب بحسب بعض الرسميين بأن هذه الشتول قادمة من الخارج ودخلت البلاد دون موافقة وزارة الزراعة وخضوعها للحجر الزراعي الصحي!
وقال رئيس الجمعية بأن الموز الذي زُرع في سورية هذا العام، بمحافظتي اللاذقية وطرطوس، بعد عامين سيكفي ثلاث دول مثل سورية، وجميع دول الجوار تزرع الموز، وهذه المادة مستهلكة، ويجب الانتباه إذا لم يُحضر للتصدير سيتلف، لأن حياته بعد النضج من خمسة إلى ستة أيام، يجب أن تكون الاتفاقيات جاهزة مع الدول الأخرى كي تبدأ تصديره مباشرة من العنقود إلى السوق، وإذا لم ننتبه إلى ناحية ربط الزراعة بالتجارة والصناعة، سيكون مصير هذه الزراعات كمصير سابقتها من الحمضيات والمحميات...إلخ.
فهل سيكون مصير الزراعات الاستوائية كمصير الحمضيات في ظل استمرار التغافل الرسمي عن وضع استراتيجية قابلة للتنفيذ للاستفادة من المحاصيل بحيث تكون رديفة لبعضها البعض وليست بدائل، ولضرورة تحسينها وتطويرها، بما يضمن مصلحة المزارعين ويتوافق مع المصلحة الوطنية؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1204