قطع الأرزاق وهدر الكرامة معاً... ماذا بعد؟!
يبدو أن الجهات الرسمية مصرة على محاربة الفقراء بلقمة عيشهم، هذا أبسط ما يقال عن حملة محافظتي دمشق وحلب الشعواء لإزالة البسطات، وما تمت تسميته تعديات على الأرصفة وإشغال للأماكن العامة، تحت ذريعة تحسين الحركة المرورية والمحافظة على الوجه الجميل للمدينتين!
وكأنه لم يبقَ شيء يشوه صورة هذه المدن في عيون الجهات المعنية إلا البسطات التي تعيل آلاف الأسر السورية!
فلا القمامة المنثورة ولا الطرقات المحفرة ولا الأرصفة المرقعة ولا الخدمات المترهلة ولا التعديات والمخالفات المسكوت عنها، كمظاهر فاقعة عن التشوه والقبح المزمن في هذه المدن الكبيرة، كانت مثار اهتمام الجهات الرسمية وجهودها كما كانت عليه في محاربة مصدر رزق أصحاب آلاف البسطات في المدينتين، الباحثين عن لقمة عيشهم وكفافهم بالحد الأدنى، مع حفاظهم على كرامتهم التي تم هدرها بجرة قلم غير مسؤولة!
فعن أية مدينة جميلة يتم الحديث، إن كان غالبية سكانها مفقرين وجائعين، مع زج المزيد منهم في بؤرة الجوع بسبب محاربتهم بمصدر رزقهم الوحيد من قِبَل الرسميين؟!
سكين المحافظة التي شحذت على رقاب المفقرين!
بدأت محافظة دمشق بحملة إزالة البسطات منذ ما يقارب الشهرين، وتحديداً قبل عيد الأضحى المبارك بأيام، مستهدفةً الأسواق الشعبية كسوق كراج الست المخصص للخضار والفواكه، وكذلك سوق نهر عيشة الذي أتمت المحافظة تأهيله منذ فترة ليست ببعيدة، ومن الأسواق المنكوبة أيضاً سوق البرامكة حيث اعتاد طلاب الجامعة على التسوق منه لرخص أسعاره!
ورغم حملة المحافظة إلّا أنَّ معظم الباعة وأصحاب البسطات عادوا، فهي مصدر رزقهم الوحيد، لتعود المحافظة وتزيل بسطاتهم مجدداً، وهكذا الأمر، دوريات ومصادرات ورشاوى «وأنت وحظك»!
مما يدفعنا إلى التساؤل لماذا تكررت عمليات إزالة البسطات من دون وجود بديل جاهز، بالرغم من كثرة الحديث عنه والوعد به؟
وإلى متى سيتكرر سيناريو الإزالة والعودة والخسائر التي يدفع ضريبتها المفقرون من أصحاب البسطات والعاملين عليها؟
ومَن المسؤول عن كل تلك الإجراءات العشوائية وغير المدروسة؟
حال مدينة حلب لم يكن بأفضل، فقد شنت محافظة حلب حملة وصفت بالأضخم والأشرس لإزالة البسطات، شملت مركز المدينة وحيي الشعار والحلوانية وسوق سد اللوز شرق المدينة حيث سوق الخضار والفواكه، وكذلك حي السكري الشعبي والشارع العريض بحي الأنصاري الشرقي، وسوق الرازي وكل هذا تحت ذريعة تجميل المدينة!
والسؤال هنا ما حال كل هؤلاء المفقرين، وما حال أفراد أسرهم وأطفالهم؟
وكيف ومن أين سيؤمنون قوت يومهم؟
ومن المسؤول عن تشردهم وجوعهم؟!
فرب الأسرة الشقي صودرت بسطته، ومنع من العمل لتتقطع به السبل، وكأن الجهات الرسمية تقول لهؤلاء الأشقياء تسولوا أو موتوا جوعاً أنتم وأطفالكم!
وعود لا تغني ولا تسمن!
صدعت الجهات المعنية بمحافظة دمشق آذاننا بما أسمته ساحات تفاعلية، هذه الأماكن البديلة التي جرى الحديث عنها منذ عامين، وبدأ التحضير لها منذ أكثر من عام على أن تكون جاهزة بعد عيد الأضحى المبارك وفق آخر تصريح لعضو المكتب التنفيذي لقطاع الخدمات والمرافق في محافظة دمشق ملك حمشو!
ولكننا وحتى الآن لم نلمس شيئاً واقعياً بهذا الصدد!
فها هي المحافظة ماضية بحملتها ضد لقمة عيش المفقرين، وتحت وعود تخصيص أماكن بديلة في ساحاتها التفاعلية التي لم تجهز بعد!
فهل أصحاب القرار على دراية بحال المواطنين المعدمين من أصحاب البسطات والعاملين عليها؟!
فكل يوم يمر بلا عمل بالنسبة لهؤلاء يعد يوم جوع إضافي لهم ولأسرهم!
حال حلب ليس بأفضل فقد خصص مجلس مدينة حلب ساحة بديلة للبسطات في المنطقة الواقعة أمام القصر البلدي في حي المشارقة في مركز المدينة، والمفارقة أن المكان المنوّه عنه عبارة عن ساحة مخصصة لمشروع دار أوبرا حلب!
فهل هذا المكان المقصود بالتخصيص من قبل المحافظة، أم أجزاء منه؟
وهل هذا المكان سيكفي جميع المتضررين من حملة مكافحة البسطات؟
وما هو مصير الساحة التفاعلية ببسطاتها وعامليها بحال تم البدء بتنفيذ مشروع أوبرا حلب؟!
الاعتمادات المخصصة ذريعة لتعميم محاربة البسطات!
حملات إزالة البسطات لم ولن تقتصر على محافظتي دمشق وحلب فقط، فهو أمر مرتبط بتوجه رسمي معمم على المحافظات كافة على ما يبدو!
فبتصريح لمدير الأملاك العامة في محافظة دمشق بشار الأشقر لصحيفة «الوطن» قال: «وزارة الإدارة المحلية قدمت إعانة مالية بقيمة 3 مليارات ليرة دعماً للوحدات الإدارية في المحافظة «دفعة أولى» لإقامة 575 وحدة بيع مؤقتة ضمن الساحات التفاعلية المخصصة لهذا الأمر».
وما تم تخصيصه لمحافظة دمشق من أجل هذه الغاية جرى تعميمه على غالبية المحافظات، حيث تم تخصيص بعضها باعتمادات مالية من قبل وزارة الإدارة المحلية كإعانة لإقامة وحدات بيع في الساحات التفاعلية في كل منها.
ولعله أمر إيجابي أن يتم العمل مركزياً، ولو على مستوى التمويل الجزئي، بغاية تنظيم وضبط عمل البسطات تحت إشراف الوحدات المحلية في كل محافظة، وتخصيص أماكن كافية لاستيعابها عبر وحدات البيع التي ستقيمها، مع الحفاظ على خدماتها بما يحقق مصلحة المواطنين بالنتيجة.
لكن ما جرى ويجري عملياً هو تكريس محاربة البسطات وأصحابها عبر إزالتها ومصادرتها دون تأمين البدائل حتى الآن!
ماذا بعد...؟!
في حديث لمديرة دوائر الخدمات في محافظة دمشق ريمه جورية لصحيفة «تشرين» بتاريخ 3/7/2024 أوضحت عزم المحافظة على الاستمرار بحملة مكافحة البسطات دون توقف، مع إعطاء مهلة لأصحاب الأكشاك حتى نهاية الشهر الجاري!
هذا الكلام يدفعنا إلى التساؤل هل حسمت الجهات المعنية قرارها أخيراً بما يخص الساحات التفاعلية، وتخصيص أصحاب البسطات المتضررين من حملتها فيها؟
الواضح لا، فها قد بدأنا بشهر جديد ولم نلمس أي تطورات، لا فيما يخص الساحات التفاعلية المزعومة، ولا كتعويض لكل تلك الأسر التي فقدت عنوةً مصدر دخلها الوحيد!
وليتم التأكيد على ذلك ننقل تصريح مدير شؤون الأملاك في محافظة دمشق الذي قال: «تأخر توزيع الساحات التفاعلية بسبب إعادة دراسة التوزيع وحصرها بذوي الشهداء والجرحى، ومن المتوقع أن يتم توزيعها قبل نهاية العام الجاري».
توزيع ماذا؟ وكيف؟ وأي دراسة جديدة؟ وماذا سيؤول إليه حال كل تلك الأسر الجائعة، التي باتت عاجزة عن دفع أجرة المنزل الذي يأويها؟
وبحال الإصرار على حصر التوزيع المزمع بالساحات التفاعلية بذوي الشهداء والجرحى فقط، فما هو مصير من لا يشملهم هذا التصنيف من أصحاب البسطات المطرودين من نعم المحافظة والرسميين بعد ذلك؟!
تخبط وعشوائية وارتجال وخطط غائبة، عناوين مختصرة لحال ومآل حملات الإزالة للبسطات المستمرة، وخاصة في دمشق، والتي تتوج بالكثير من اللا مسؤولية تجاه مصدر رزق آلاف الأسر، بحياتهم ومستقبلهم وكرامتهم!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186