التعليم الأساسي وشهادته منعطف مفروض يدفع ضريبته طلابنا!
فرحة النجاح الظافرة التي انتظرها آلاف طلاب شهادة التعليم الأساسي وذووهم، بالكثير من الترقب والتوجس، تم الإعلان عنها صباح يوم الإثنين 22/7/2024، حاملةً معها الكثير من الفرح للبعض والحزن للبعض الآخر!
فبعد أن تقدم 309,258 طالباً وطالبة لامتحانات شهادة التعليم الأساسي بتاريخ 27/5/2024 كانت المفاجأة بنسبة النجاح التي تم الإعلان عنها، والبالغة 66,07% فقط، أي إن هناك 198,003 من الطلاب المتقدمين للامتحانات قد نجحوا، وهذا دفعنا نحو تساؤلات كثيرة، منها:
ما سبب تدني نسبة النجاح لما يقارب النصف تقريباً؟
وماذا عن كل الإنجازات والقرارات التي تبجحت بها الجهات المعنية، لتحسين العملية التعليمة ولإعداد طالب قادر على بناء المجتمع والوطن؟
وهل فعلاً كانت العملية الامتحانية سلسة بالطريقة المثلى التي صورتها بها وزارة التربية؟
وماذا عن كل تلك الإشكاليات حول الأسئلة الامتحانية؟
تعددت الأسباب والمستقبل المظلم واحد!
نتساءل ما السبب وراء تراجع نسبة النجاح، وهنا ندخل في دوامة من العوامل والمؤثرات، ولكن نستطيع الجزم أن العامل الأثقل هو السياسات الحكومية الجائرة المتمثلة بتخفيض الإنفاق العام، والتي أثرت بشكل كبير على القطاع التعليمي، أضف إلى ذلك خطوات إلغاء الدعم المتسارعة، والتي كذلك نهشت بقطاعنا التعليمي، كتأثير مباشر لانخفاض مستويات معيشة المدرسين على العملية التعليمية، وكذلك انحدار المستوى المعيشي لعموم السوريين!
فلم تعد العديد من المدارس قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب، إضافة إلى افتقار العديد منها للحد الأدنى من شروط العملية التعليمية، من لوازم ووسائل وأدوات، كذلك بسبب اكتظاظ الطلاب داخل الفصول، ونقص الأثاث المدرسي، وندرة توفر المواد اللازمة للتدفئة والإنارة الجيدة، بالإضافة إلى تلف الحمامات ومرافق الصرف الصحي!
أما في الجهة المقابلة فنجد الغلاء الوحشي والأسعار الفلكية للوازم المدرسية، من ملابس وحقائب وقرطاسية، والتي حكماً لا تتناسب مع الأجور الهزيلة، ولا تتوافق مع حال العديد من الأسر السورية المفقرة والمعدمة، والتي دفعت العديد من الطلاب بالنتيجة نحو سوق العمل في سن مبكرة بهدف مساعدة ذويهم، ولتسقط معها الزامية التعليم!
كل ما سبق مهم، ومهم جداً، لكنه ليس الأهم وراء تدني مستويات النجاح من وجهة نظر العديد من ذوي الطلاب، الذين أكدوا أن الامتحانات هذا العام لم تكن ككل عام!
فبداية ودون أي إنذار قامت وزارة التربية بتقديم موعد الامتحانات، مما دفع العديد من المعلمين إلى الإسراع في إنجاز المقرر الدراسي المطلوب مما انعكس سلباً على الطالب وفهمه، إضافة إلى عجز العديد من المعلمين عن إتمام المنهاج!
وبناء عليه فقد تزايدت الحاجة للدروس الخصوصية، وللجلسات الامتحانية قبل المواعيد الامتحانية لكل مادة، مع تكاليفها المرتفعة التي تكبدها ذوو الطلاب، عسى يتم ترميم ما يمكن ترميمه من نقص في المعلومة والشرح لدى أبنائهم!
ليأتي الامتحان وتبدأ الصدمات المتلاحقة، بداية كانت اللغة الفرنسية والجدل الكثير الذي أثير حولها، لذلك فضلنا التواصل مع العديد من المدرسين الاختصاصين، الذين أكدوا بدورهم أن الأسئلة لم تكن كالمعتاد، بداية من النص الذي جاء على شكل نص مدمج للعديد من نصوص الكتاب، وهو الذي لم يعتده طلابنا ولا حتى أساتذتنا، مروراً بأسئلة القواعد التي كانت متوسطة، وليس انتهاءً بسؤال الترتيب الذي عجز معظم طلابنا أمامه!
حال مادة الرياضيات لم يكن بأفضل، فقد أجمع العديد من الطلاب أن الأسئلة كانت طويلة تحتاج إلى المزيد من الوقت، ولم تراعِ الشمولية والتدرج بالمستويات، بحسب بعض المدرسين!
شهادة من ذوي الطلاب!
وهنا نجد من الهام عرض تجربة إحدى الأمهات مع ابنها المتقدم لامتحانات التعليم الأساسي، والتي نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي بقولها: «اتأخرت الأوراق بسبب عطل بسيارة الأسئلة فقد استلموها في الساعة ٨ وعشرين دقيقه ولم يتم تعويضهم... فوضى وإدخال دفاتر محلولة لبعض الطلاب.. والأسوأ من هاد لما بيدخل شخص وبصير يوزع إجابات الصح والخطأ... ولك وبتطلع خاطئة... ما فكروا بأنو الطالب عاش الشتاء معتم لا كهرباء ولا إضاءة.. ما فكروا انو أهل الطالب ما معون حق دروس خصوصي... ما في أي تخطيط من قبل الوزارة والمديريات.. وما في احترام وما في مرونة بالتعامل مع حالات الطوارئ... ولك معقولة لكن أسئلة طويلة ما عرفتو أنو الدفتر الامتحاني لا يتسع للإجابات وما عطيتوهن دفاتر إضافية.. ما بعرف شو احكي.. بس على ما يبدو صار ميؤوس جداً من هالبلد.»
فقد عرضت هذه السيدة واقع العملية الامتحانية بأبسط التعابير، وربما أصدقها، هذه العملية التي لم تكن سلسة ولا مثالية، كما زعمت الجهات المعنية وعملت على إظهارها، وعلى ما يبدو القادم أظلم وأحلك وأشد قسوةً!
قرارات جديدة اعتباطية وغير مدروسة!
اتضح للقاصي والداني مدى اعتباطية قرارات وتوجهات وزارة التربية هذا العام!
ففي بداية العام الحالي، أي منتصف العام الدراسي تقريباً، انتشر خبر مفاده إلغاء شهادة التعليم الأساسي، ليوضح معاون وزير التربية رامي الضللي بحديث مع إذاعة ميلودي لاحقاً أن: «هناك دراسة لتطوير عملية امتحانات الصف التاسع ضمن عدة مقترحات واعتبارها انتقالية ولكن ستبقى تحت مسمى شهادة التعليم الأساسي، على أن تطبق خلال العام القادم». وأضاف: «إن الغاية من الدراسة هي مواكبة التطورات العالمية وطرق منح الشهادات، بالإضافة إلى تخفيف الأعباء التقنية والمادية والفنية».
لكن بين الخبر الذي انتشر وبين الإيضاح كان هناك مدة زمنية ليست بالقصيرة، ولنا أن نتخيل حجم الضياع والتشتت والتوتر الذي مر به الطلاب والمدرسون على السواء!
والآن وبعد انتهاء الامتحانات أقرت الجهات المعنية العديد من التعديلات بخصوص امتحانات شهادة التعليم الأساسي، والتي ستطبق ابتداءً من العام الدراسي القادم دورة 2025، والتي ترتبط بلا مركزية الامتحانات، بمعنى أبسط، ستكون امتحانات الصف التاسع مع امتحانات الصفوف الانتقالية بشكل محلي على مستوى كل محافظة، وليست على مستوى القطر، مع احتمالية بقاء مقرر أو اثنين بشكل مركزي فقط!
بناءً على ذلك لن تكون هنالك المدة المعتادة للمدرس والطالب للانتهاء من المنهاج والتحضير للامتحان، كذلك من المحتمل أن تتم إزاحة موعد الامتحانات لتصبح أقرب وأقصر مدةً من الأعوام السابقة!
والسؤال هنا بعد هذا التعديل المزمع، الذي من الطبيعي أن يترافق بتغيير في الخطة الدرسية المتبعة عن الأعوام السابقة من حيث توزيع المنهاج على أيام الفصلين، فهل سيحدث ذلك؟
وماذا عن الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ هذا العام، وما مصيرهم؟
هل سنعود إلى نظام تاسع قديم وجديد كما سبق؟
بالإضافة إلى ذلك ما رشح من أحاديث عن مسارات تعليمية جديدة في مرحلة التعليم الثانوي، والتي سيتم إقرارها قريباً على ما يبدو، حيث لن يكون هناك فرعي العلمي والأدبي كما درجت عليه العادة خلال العقود الماضية، بل سيكون هناك مسارات أخرى (طبية وهندسية وأدبية ولغوية و...) ولا ندري ما تتفتق عنه العقلية التي تدير دفة العملية التعليمية في البلاد من إبداعات إضافية!
فشهادة التعليم الأساسي، التي تشكل منعطفاً في حياة الطالب وخياراته ومستقبله، لن تعود كما كانت عليه في امتحاناتها، وكذلك فإن الخيارات المفروضة بعدها لاستكمال العملية التعليمية في مرحلة التعليم الثانوي لن تعود كما كانت عليه أيضاً، وطبعاً سيرتبط بذلك بالخيارات الانعطافية في مرحلة التعليم الجامعي بالنتيجة، ولا ندري كيف سيكون عليه حال الطالب في هذه المنعطفات المصيرية على أيدي مبدعي الوزارة بعد ذلك؟!
فالاستفهامات المطروحة عن سياسات الوزارة التعليمية باتت كثيرة وتستلزم الكثير من التوضيح والإجابات الشافية والشفافة والمسؤولة، لكن لا حياة لمن تنادي!
فالجهات المعنية تصر على صم آذانها، فهمها الأكبر بات تخفيض النفقات وضغطها، حتى ولو كان الثمن مستقبل أبنائنا!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1185