أرقام صادرات للتباهي على حساب المنتج والمستهلك والاقتصاد الوطني!
زيادة الصادرات، وإيجاد آليات جديدة لدعم التصدير، وزيادة المنافذ التصديرية، وحل المشاكل التي تواجه هذه العملية، عناوين عريضة لا يخلو منها أي اجتماع للحكومة!
فما الإجراءات التي يقوم بها الذراع التصديري الرسمي المتمثل بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ولصالح من تصب الإجراءات والقرارات الخاصة بالعمليات التصديرية، وأين المواطن السوري من كل هذا؟
وهل التصريحات الحكومية دقيقة بأرقامها ومعطياتها، أم كلُّ يغني على ليلاه، والارتجالية الاعتباطية هي الصفة الطاغية على التصريحات، بما في ذلك المعطيات الرقمية؟
تناقضات فجة فمن نصدق؟!
صرح مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات في وزارة الاقتصاد- ثائر فياض- لصحيفة الوطن الأسبوع الماضي بقوله: إن موضوع التصدير لا يتعلق بوزارة الاقتصاد فقط وإنما يرتبط بسياسة حكومية شاملة، ويتطلب تكامل عمل بين وزارتي الصناعة والزراعة والاتحادات كلها، وجميع الجهات المعنية سواء بالقطاع العام أو الخاص، كاشفاً عن تزايد الصادرات بنسبة 30٪ مقارنة بالعام الماضي.
بالمقابل، فقد كان لوزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل رأي آخر، حيث صرح يوم الثلاثاء بتاريخ 4/6/2024 أنّ: «قيمة التصدير للعام 2023 مرتفعة بنسبة 61% عن العام الذي سبقه، كما لوحظ في مقارنة الثلث الأول من العام الحالي عن العام السابق أنه تم تسجيل 348 مليون يورو، مقابل 200 مليون يورو، بنسبة زيادة 74%!
قبل تساؤلنا عن نوعية وطبيعة السلع المصدرة، وعن تأثير عمليات التصدير على أسعار السلع في الأسواق وعلى المواطن بالمحصلة، استوقفتنا نسبة زيادة الصادرات المصرح عنها رسمياً بين عامي 2022-2023!
فهل هي 30٪ حسب حديث مدير هيئة الصادرات، أم 61% بحسب حديث وزير الاقتصاد؟!
فالتباين في النسب المصرح عنها أعلاه كبير، مع العلم أنها جميعاً معطيات رقمية رسمية صادرة عن الوزارة المعنية، وجهة متخصصة بعمليات التصدير تابعة لها!
فهل المشكلة بنقص المعلومات لدى الجهة المصرحة، أم باعتباطية التصريحات الرسمية؟!
كلام وحشو إعلامي يخدم السياسات الحكومية الشاملة!
هذه ليست المرة الأولى التي تتناقض فيها التصريحات الرسمية، مما يدفعنا للتشكيك بكل التصريحات والأرقام الرسمية المعلنة!
فقد أوضح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل في حديث للقناة الفضائية السورية: إن التصدير هو الحامي للعملة الوطنية ومحفز للعملية الإنتاجية والنمو الاقتصادي في مختلف القطاعات، وأن سورية تصدر الآن لنحو 100 دولة!
في حين أوضح مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات في وزارة الاقتصاد ثائر فياض لصحيفة «الوطن» أن: «المنتجات السورية تصل إلى نحو 107 دول، ولكن بنسب متفاوتة».
يبدو أن 7 دول كمنافذ تصدير، زيادة أو نقصان، رقماً ليس ذا أهمية بالنسبة للجهات الرسمية، ولعل مفردة «نحو» تغطي عدم دقة ووثوقية الأرقام وتباينها في التصريحات أعلاه!
لنصل للأهم، هل كانت عمليات التصدير المنفذة محفزة للعملية الإنتاجية وللنمو وحامية للعملة الوطنية بحسب حديث وزير الاقتصاد؟!
بلغة الاقتصاد، إن الحديث عن حماية العملة الوطنية بالاعتماد على مبالغ وقيم الصادرات منفردة بعيداً عن مبالغ وقيم المستوردات، وبعيداً عن حجم الإنتاج الحقيقي، هو لغو وحشو كلامي وإعلامي لا يُعول عليه!
فواقع القيمة الشرائية الفعلية للعملة الوطنية في السوق، وبالمقارنة مع معادلاتها من بقية العملات الأجنبية، يشير إلى أن العملة الوطنية تتراجع بقيمتها، وأثر مبالغ وقيم عمليات التصدير عليها يكاد يكون غير ملحوظ على مستوى دعم هذه القيمة!
وكذلك فإن واقع الإنتاج الحقيقي (زراعي وصناعي) والعملية الإنتاجية، من سيئ إلى أسوأ!
فالقطاعات الإنتاجية، الصناعية والزراعية- عام وخاص، تعاني نتيجة السياسات الحكومية المجحفة المقوضة للإنتاج والعملية الإنتاجية، بدءاً من سياسات تخفيض الدعم وصولاً لإنهائه، مروراً بصعوبات تأمين مستلزماتها وارتفاع تكاليفها، وصولاً لتحرير أسعار حوامل الطاقة (كهرباء ومشتقات نفطية)، مع كل الانعكاسات السلبية لذلك، والتي تبدأ بتراجع الإنتاج وخسارة أسواق التصدير، ولا تنتهي بتسجيل المزيد من ضعف العملة الوطنية وتراجع قيمتها، وهو ما جرى ويجري!
فعن أي نمو يتم الحديث، وهل الحكومة غافلة عن ذلك؟!
لا شك أن الحكومة ليست غافلة، بل هي على دراية تامة، ولعل تصريح مدير هيئة الصادرات أعلاه فيه الكثير من الوضوح بهذا الشأن من خلال العبارة التي لخص فيها ذلك، بأنها «سياسة حكومية شاملة»!
المنتج الوطني ما بين التصدير والفقدان!
المبالغ المعلن عنها كأرقام صادرات بحسب التصريحات أعلاه، وبظل عدم وجود صادرات نفطية، تشير إلى أنها بغالبيتها صادرات زراعية، وتشكل الصادرات الصناعية جزءاً بسيطاً ومحدوداً منها!
فواقع القطاع الصناعي المتراجع يؤكد تراجع الإنتاج وانحسار أسواق التصدير لعدم التمكن من المنافسة بسبب ارتفاع التكاليف، وهو واقع مؤسف وصلت إليه قطاعات الإنتاج الصناعي، وهو ما عبر عنه، وطالب به، الصناعيون مراراً وتكراراً، دون جدوى!
وواقع الإنتاج الزراعي ليس أفضل حالاً، ولعل تراجع إنتاج المحاصيل الاستراتيجية (قمح- قطن- شوندر) خير دليل على ذلك!
على ذلك، فإن غالبية مبالغ التصدير أعلاه ناجمة عن عمليات تصدير لمنتجات زراعية بشقها النباتي، المتمثل غالباً بتصدير الخضراوات والفواكه، وبشقها الحيواني المتمثل غالباً بتصدير جزء من ثروتنا الحيوانية، وخاصة أغنام العواس!
وواقع الحال يقول: إن عمليات التصدير لا تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الاستهلاك المحلي، بقدر ما هي تمرير لمصالح القلة من حيتان التصدير، وربما هذا يفسر جنونية أسعار المواد الغذائية في الأسواق المحلية، سواء للخضار والفواكه أو للحوم ولمشتقات الحليب، على حساب ومن جيوب المستهلكين المحليين!
وهناك الكثير من الأمثلة الفجة التي تثبت اللامبالاة باحتياجات الاستهلاك المحلي، كالثوم والبصل والبقوليات والبطاطا وغيرها، وصولاً لتبرير عمليات استيراد هذه المواد لتغطية نقص الاحتياجات المحلية منها، وأيضاً لتمرير مصالح القلة من حيتان الاستيراد، كذلك على حساب ومن جيوب المستهلكين المحليين!
الأكثر من ذلك، أن مشجعات التصدير، كمبالغ مخصصة لهذه الغاية من خلال هيئة تنمية الصادرات، موجهة للمصدرين، وليس للمنتجين!
على ذلك، فإن المصدرين يستفيدون من عوامل الاستغلال السعري الممارسة من قبلهم تجاه المزارعين للحصول على النخب الأول والثاني من المنتجات الزراعية بأدنى الأسعار، كي يصدروها ويستفيدوا من عائداها الدولارية، وفوقها يستفيدون من مبالغ الدعم المخصصة لعميات التصدير!
مقابل ذلك، يسجل المزارعون المزيد من الخسارات، وتبقى منتجات النخب الثالث والرابع للمستهلكين المحليين، طبعاً بأسعار مرتفعة متحكم بها من قبل حيتان أسواق الهال!
فالحديث الرسمي المكرر عن دعم الإنتاج والعملة الوطنية، وعن النمو وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، هو حديث للتسويق الإعلامي ليس إلا، بينما تستمر السياسات الحكومية الظالمة بنتائجها غير آبهة بمصالح المواطنين (منتجين ومستهلكين)!
فالسياسات الحكومية الشاملة، سواء على مستوى عمليات التصدير والاستيراد وآلياتها، أو على مستوى بقية سياسات الإفقار والتجويع المتبعة، لا تصب إلا بخانة مصالح القلة من حيتان الأرباح على حساب الغالبية من المفقرين في البلاد، وعلى حساب الاقتصاد الوطني بمجمله!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1179