الكهرباء... استكمال مسيرة الخصخصة وإنهاء الدعم!

الكهرباء... استكمال مسيرة الخصخصة وإنهاء الدعم!

ناقش مجلس الشعب بتاريخ 25/3/2024 أداء وزارة الكهرباء والقضايا المتصلة بعملها بصورة تقليدية، والتي لم تعد تلفت نظر عموم المواطنين الذين فقدوا ثقتهم بالجهات الحكومية!

لكن غير التقليدي بالعرض الذي قدمه وزير الكهرباء غسان الزامل، هو الإفصاح الواضح عن نية الوزارة باستكمال ما بدأته من خصخصة من جهة، وتخفيض الدعم على المواطنين من الجهة الأخرى عن طريق تخفيض التوليد بحجة عدم توفر المشتقات النفطية، مع العلم أن هذه المشتقات بالمقابل متوفرة وبالكميات الكافية في السوق السوداء وللفعاليات الاقتصادية ولتجار الأمبيرات!

بعض التفاصيل!

تمثلت التوجّهات العامة لوزارة الكهرباء خلال العام الحالي، بحسب العرض الذي قدمه وزير الكهرباء أمام مجلس الشعب، بالتالي:
متابعة تنفيذ وإنجاز عقود الصيانة وتأهيل مجموعات التوليد المتعاقد عليها والمباشر بها.
طرح بعض محطات التوليد التي تحتاج إلى إعادة تأهيل للاستثمار على أساس التشاركية.
دعوة المستثمرين إلى تنفيذ مشروعات طاقات متجددة مستقلة.
تطوير أنظمه قراءة العدادات بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة للحد من الفاقد الكهربائي.

خصخصة رسمية واضحة المعالم!

من الواضح بداية، استناداً إلى التوجهات العامة المعلنة أعلاه، عزم وزارة الكهرباء للسعي قدماً بموضوع استكمال خصخصة هذا القطاع الاقتصادي والخدمي الحيوي، والذي بدأ فعلياً بمحطة دير علي تحت مسمى عقود تشاركية (لم يتم الإفصاح إلى الآن عن تفاصيلها وماهيتها وحيثياتها)، من خلال إدخال محطات جديدة للخصخصة تحت المسميات نفسها (التشاركية والاستثمار)!
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بذريعة التشاركية وتحسين واقع الكهرباء، وتحت عناوين تشجيع الاستثمار بالطاقات المتجددة، إلى الآن ورغم مضيِّ وقت طويل على خوض هذه التجارب لم يشهد المواطن أي تحسن يذكر في الكهرباء، بل ازداد الوضع سوءاً!
فالهدف من عناوين التشاركية في قطاع الطاقة الكهربائية يتمحور حول منح بعض الشركاء المحظيين فرصة نهب وتكسب تدر عليهم أرباحاً سهلة وسريعة تحت مظلة الاستثمار التشاركي وبذريعة تحسين الخدمة، على حساب الاقتصاد الوطني، وعلى حساب المواطنين ومن جيوبهم، ولا تحسن بالمقابل!
ولِمَ لا؟ فجُلّ السياسات الحكومية تعمل لمصلحة البعض المحظيين من كبار أصحاب الأرباح، على حساب القطاعات الهامة والمصلحة العامة، والإنتاج والعملية الإنتاجية، والاقتصاد الوطني، وهو ينعكس سلباً على عموم الوضع الاقتصادي والمعيشي في سورية!
فرغم أهمية الحديث عن دعم المنظومة الكهربائية إلّا أنه لا مسوغ لشرعنة الخصخصة لهذا القطاع المهم تحت أي عنوان، ومهما كانت الأسباب والمسوغات والذرائع!

استطاعة التوليد وذريعة نقص المشتقات!

تحدث وزير الكهرباء عن الاستطاعة الإجمالية لمحطات توليد الكهرباء التابعة للوزارة، المتاحة حالياً، والتي تبلغ نحو 5500 ميغا واط، وتحتاج من الوقود الأحفوري إلى نحو 23 مليون متر مكعب من الغاز، و12 ألف طن من الفيول يومياً، والمتوافر منها حالياً تقريباً هو 6,6 ملايين متر مكعب من الغاز، و5500 طن من فيول.
اعترافات الوزير أعلاه حول إمكانات التوليد المتاحة بالمحطات ليست جديدة، وكذلك التذرع بنقص المشتقات النفطية اللازمة لتشغليها!
فإمكانات التوليد المتاحة في المحطات العاملة بحسب التصريح أعلاه تكفي لمضاعفة كميات التزود بالطاقة الكهربائية لمختلف القطاعات الاقتصادية، وكذلك للاستهلاك المنزلي بما يخفف من الضغط على المواطنين، والأهم بما يعزز دوران عجلة الاقتصاد، وخاصة في القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية)!
وربما لا داعي لإعادة التساؤل حول مدى الجدية الرسمية في إبرام عقود التوريد للمشتقات النفطية مع الدول الصديقة التي لا تطبق العقوبات الغربية المفروضة على سورية، وبما يكفي لتشغيل المحطات العاملة بطاقتها المتاحة!
فالجواب بات واضحاً ومعروفاً، ويعكس إلى أي مدى وصلت اللا مبالاة وقصر النظر بمنطق العمل الرسمي!
فسياسات تخفيض الإنفاق العام والدعم تراكبت مع مصالح كبار أصحاب الأرباح والناهبين، وبما يمنع بالنتيجة العملية الكهرباء عن السوريين، ولتكريس تحويل اقتصاد البلاد إلى النموذج المشوّه الذي يعتمد على الاستيراد فقط!

1168-10

تحت مسمى دعم الطاقة المتجددة!

وحول الطاقات المتجددة بيّن الوزير أن عدد مشروعات الطاقة الكهروضوئية المنفذة وقيد الاستثمار حالياً هي 146 مشروعاً، استطاعتها بحدود 100 ميغا واط، بينما عدد المشروعات الكهربائية المرخصة وقيد التنفيذ 197 مشروعاً باستطاعة 270 ميغا واط، وعدد المشروعات الريحية المنفذة هي 1 باستطاعة 5 ميغا واط، والمرخصة 3 مشروعات، في حين بلغت استطاعة المشروعات المستقلة عن الشبكة والمنفذة من قبل بعض المواطنين حتى نهاية العام 2023 قُرابةَ 1400 ميغا واط.
الأرقام أعلاه توضح تمام التوضيح أن التعويل على الاستثمار بمشاريع الطاقات المتجددة، على الرغم من الزخم الإعلامي المرافق لمشاريعها، وبالرغم من الإعفاءات الممنوحة لها، لا تلبي إلّا تغطية جزء بسيط من الحاجات الفعلية للطاقة الكهربائية!
فالفجوة بين المتاح للتوليد البالغ 5500 ميغا وبين 9500 ميغا منتجة قبل الأزمة هي فجوة كبيرة، أما الفجوة الأكبر فهي بين حجم التوليد الفعلي المقارب لـ2000 ميغا مع الحاجات الفعلية!
فماذا تفعل 300 ميغا مولدة عبر مشاريع الطاقات المتجددة؟
وماذا عن تكلفتها المرتفعة، وعن المساحات الكبيرة من الأراضي التي تتطلبها خلاياها الكهروضوئية؟!
أما عن الـ1400 ميغا المنفذة من قبل المواطنين فلها حديث آخر ذو شجون، فبالإضافة إلى ما تم إنفاقه من المواطنين على البدائل الكهربائية، فهناك مولدات الأمبير سيئة الصيت!

صندوق دعم الطاقة!

أشار الوزير الزامل إلى أن عدد المتقدمين للحصول على دعم من صندوق دعم الطاقات المتجددة وصل حتى تاريخه إلى 40 ألف مواطن، بينما بلغ عدد المشروعات التي تم استكمال إجراءاتها الورقية للحصول على قرض 16648 مشروعاً، والمشروعات المنفذة بدعم من الصندوق 5600 مشروع خلال العام 2023، بينما وصل حجم الدعم المالي المقدم من قبل الصندوق للمشروعات المنفذة على هيئة قروض أو دعم فوائد القروض إلى 69 مليار ليرة سورية، كما تم إطلاق منصة إلكترونية للتسجيل على قرض من الصندوق للحد من احتمالية حصول فساد أو تلاعب بأدوار المسجلين.
هنا تجدر الإشارة إلى المفارقة العجيبة التي تصوغها الحكومة بسياساتها!
ففي حين ترفع الدعم تدريجياً عن قطاع الكهرباء، وتخفض التوليد الكهربائي عمداً بحجة النقص في المشتقات النفطية، تدعم في المنحى الآخر مشاريع الطاقات المتجددة عن طريق القروض التي يتحمل فوائدها الصندوق!
مع العلم أن صندوق دعم الطاقة يمر من خلال مسارب المتربّحين من بعض الشركات الخاصة التي منحت الحصرية في تنفيذ المشروعات المنزلية والخدمية المدعومة من الصندوق، وبأسعار تفوق أسعار السوق، ولكنها الملاذ الوحيد لمحدودي الدخل المفقرين كي ينعموا بكهرباء محدودة في ظل واقع أليم!
ومع ذلك تُظهر الأرقام أعلاه التفاوت الكبير بين أعداد المتقدمين للحصول على القرض، وبين المنفذ الفعلي ممن حصل عليه واستفاد من ميزة الطاقات المتجددة المعفاة من الفوائد!

الفاقد الكهربائي فرصة تكسب أيضاً!

من جملة ما طرح كاستراتيجية لوزارة الكهرباء العمل على تطوير أنظمه قراءة العدادات بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة للحد من الفاقد الكهربائي!
وكأن الفاقد الكهربائي مقتصر على قراءة العدادات، والحل استناداً إلى ذلك سيكون من خلال استيراد عدادات إلكترونية جديدة بتكلفتها الباهظة، والتي ربما سيتم فرض تسديد قيمتها من قبل المواطنين!
مع العلم أن الفاقد الكهربائي بشقيه الفني والتجاري يعتبر كبيراً جداً، فقد تحدثت بعض الأرقام المتداولة عن فاقد يتراوح بين 25-30%، وهي نسبة كبيرة جداً لا يغطيها الحديث عن الخلل في قراءة العدادات من كل بد، بل تتجاوزها إلى عوامل النهب والفساد!
لكن ربما هناك مستورد محظي، يتم التمهيد لتبرير صفقة توريد عدادات إلكترونية «ذكية» من قبله، بذريعة الفاقد الكهربائي المتأتية من قراءة العدادات!

حسبة تقريبية بسيطة!

لو تساءلنا عن حجم المبالغ المصروفة من قِبل المواطنين على البدائل الكهربائية، بسبب سوء وتردي الكهرباء، لصدمتنا أرقامها!
فكل منزل يحتاج سنوياً ما يعادل 3 ملايين ليرة وسطياً وبالحد الأدنى بين قيمة بطاريات وشواحن وإنفرترات وليدات وكابلات ولوازم أخرى، ولا يختلف هذا الرقم بحال كان اعتماد الأسرة على مولدات الأمبير لتغطية جزء بسيط من احتياجاتها الكهربائية!
وبحال اقتصرنا الحساب على 5 ملايين أسرة فقط، فإن هذا المبلغ السنوي المصروف على البدائل الكهربائية يقارب 15 تريليون ليرة، أي ما يعادل مليار دولار فقط لا غير، تصرف سنوياً على مستهلكات غير مجدية على المدى الطويل، وتحتاج إلى التجديد بين الحين والآخر!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخسارة لا تقتصر على ما يتكبده المواطن من تكاليف سنوية باهظة، بل تشمل الدولارات المستنزفة من الداخل إلى الخارج لتغطية عمليات الاستيراد لهذه البدائل أو تهريبها!
أما النقطة الأهم فهي هوامش الربح المرتفعة التي يتم اقتطاعها لمصلحة كبار أصحاب الأرباح من صفقات البدائل، والتي تعادل 50% من مبالغها بالحد الأدنى!
فعلى مدى الأعوام الثمانية الماضية، التي شهدت فيها الكهرباء التردي المتزايد واضطر المواطنون إلى الاستعانة بالبدائل، فإن المبلغ المصروف على البدائل تجاوز 8 مليارات دولار، مع ضمان مبلغ 4 مليارات دولار أرباحاً سهلة في جيوب كبار أصحاب الأرباح بالحد الأدنى!
والسؤال الذي يفرض نفسه هل من مصلحة هؤلاء الحيتان الكبار أن يستعيد قطاع الطاقة الكهربائية إمكاناته وطاقاته الإنتاجية، أم من مصلحتهم وأد هذا القطاع؟!
فهذا المبلغ المرقوم كفيل بحل جزء هام وكبير من مشكلة التوليد الكهربائي، بل ولإنشاء محطات توليد جديدة مع توريداتها من المشتقات النفطية الكافية لتشغيلها بطاقتها الإنتاجية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1168
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:30