الواقع الحياتي الصعب للمسنين.. وخاصة المتقاعدين!

الواقع الحياتي الصعب للمسنين.. وخاصة المتقاعدين!

تتطلب حياة المسنين رعاية خاصة، حيث يعاني معظمهم من مشكلات صحية تتطلب أدوية مكلفة ودورية، كأدوية أمراض القلب وضغط الدم والسكري وهشاشة العظام وغيرها، وتنتج هذه الأمراض بمعظمها عن ظروف العمل غير الصحية التي مروا بها، كساعات العمل الطويل والجلوس الطويل خلف المكاتب، أو العمل في المعامل خلف الآلات، بالإضافة إلى الضغوط النفسية القديم والمستجد منها، والناشئة من الأزمة السورية باستمرار تداعياتها الكارثية على تفاصيل الحياة اليومية، بالإضافة إلى حاجة المسنين للمكملات الغذائية والفيتامينات، التي لا يستطيعون الحصول عليها من الطعام اليومي، وخاصة شرائح محدودي الدخل والمفقرين!

أمام مثل تلك المتطلبات والاحتياجات الضرورية، بالإضافة طبعاً إلى ضرورة وجود منزل مريح ودافئ ليؤوي المسن، ينقسم المسنون، كما عموم الشعب السوري، إلى شريحتين، إحداهما أقلية استطاعت أن تؤمن مستقبل تقاعدها بعيداً عن الحاجة للراتب التقاعدي، وأخرى مسحوقة كما معظم الشعب السوري، تحاول بشتى الوسائل والطرق المتاحة لأعمارها تأمين دخل شهري إلى جانب الراتب التقاعدي للوصول إلى الحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة، مع العجز بذلك!
فغالبية المسنين يعيشون على مساعدات أبنائهم المادية والمعنوية، مع العلم أن تلك المساعدات تشكل عبئاً مادياً على الأبناء، وعبئاً نفسياً إضافياً على المسنين أنفسهم، لكنها بنفس الوقت الحل الوحيد في ظل محدودية وضآلة الراتب التقاعدي، الذي أصبح بالكاد يكفي لتغطية تكاليف نوعين أو ثلاثة من الأدوية الضرورية، أو لتغطية تكاليف الغذاء ليومين أو ثلاث أيام بالشهر بأفضل الأحوال!

راتب تقاعدي منكمش يعجز عن تغطية الضرورات الغذائية!

تبلغ تكلفة الغذاء الشهري للمواطن السوري بحدود 714 ألف ليرة سورية، بالمقابل لا تتجاوز الشريحة الأكبر من الرواتب التقاعدية هامش 200 ألف ليرة سورية، أي إن الراتب التقاعدي وحده لا يكفي لتغطية تكاليف الغذاء للمتقاعد كفرد، مع عجز كبير بذلك، إضافة إلى ذلك تسحب بطاقات التأمين الصحي- التي تغطي جزءاً بسيطاً من حاجات الموظفين الطبية من أدوية وفحوصات- من هؤلاء عندما يحالون إلى التقاعد، وبالتالي يتركون أمام تكاليف صحية ضرورية لبقائهم على قيد الحياة كتكاليف إضافية عليهم تحملها بعيداً عن الضمان الصحي!
وبهذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون الضمان الصحي للمتقاعدين ما زال حبيس المكاتب الحكومية حتى تاريخه، على الرغم من كثرة الحديث عنه، والوعود الخلبية من أجل تبنيه وإقراره!

خدمات حكومية غير مساعدة!

يدخل المتقاعد متاهة من البيروقراطية الرسمية من اليوم الأول بعد انتهاء عمله، إذ إن تقديم الأوراق اللازمة لكي يحصل على راتبه التقاعدي يتطلب إسابيع من التحضير المسبق، إن لم نقل أشهر، حيث يُطلب من المتقاعد الحصول على وثائق تثبت سنوات خدمته وتسوية وضعه بالنسبة للمظلة التأمينية المسؤولة عن راتبه التقاعدي، سواء كانت مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو مؤسسة التأمين والمعاش، بالإضافة إلى أوراق أخرى تتعلق بأفراد أسرته مثل إخراجات القيد وبيانات الزواج والولادة وغيرها، بالإضافة إلى الحاجة لتجديد كل هذه الوثائق دورياً لكي يثبت المتقاعد أنه ما زال على قيد الحياة ويستحق راتبه التقاعدي، الذي هو حق من حقوقه!
والمشكلة الأهم في كل ذلك هي بطء العمل في أروقة فروع مؤسسة التأمينات والتأمين والمعاش، ونقص الموظفين وزيادة الورقيات، مع تزايد في نقص الخبرة والكفاءة في كثير من الأحيان، مما يسبب ازدحام المراجعين داخل المكاتب، وكثرة الصعوبات التي تواجه أصحاب العلاقة من المتقاعدين، فالمراجعون أساساً هم من كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة!
وبهذا الصدد تتبادر الكثير من الأسئلة المشروعة بما يخص كثرة الثبوتيات والورقيات المطلوبة من المتقاعد، والتي من المفترض توفرها من خلال قنوات الربط الشبكي الحكومي، حيث من الممكن أن يتم تفعيل الربط الشبكي بما يتعلق بالكثير منها ما يخفف من الأعباء والجهد على المتقاعدين، لكن ذلك ليس بوارد على ما يبدو!
والمفارقة بهذا الشأن أن شركة تكامل مثلاً، والتي تمتلك كل المعلومات عن كل الأسر السورية بأفرادها ومتغيرات وقائعها، تستطيع رفع الدعم عن المستحقين بمجرد زواج أحد أفراد العائلة أو سفره، وبمجرد امتلاك سيارة جديدة أو سجل تجاري، وغيرها من المستجدات الطارئة والمثبتة لدى إحدى الجهات الرسمية، دون الطلب من صاحب العلاقة ليقوم بتقديم أية وثيقة من قبله، فالربط الشبكي المفتوح قادر على إنجاز المطلوب بهذا الشأن مباشرة!
فكيف لا يفسح المجال أمام مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو التأمين والمعاش الولوج إلى الشبكة الحكومية بما يخص بالثبوتيات والورقيات والمعلومات المطلوبة من المتقاعدين، دون تحميلهم أعباء ذلك من خلال نافذة ذكية بكل فرع من الفروع؟!
والمشكلة بهذا الصدد تصبح أكثر صعوبة بالنسبة للمتقاعدين بحال الاضطرار للانتقال من محافظة إلى أخرى من أجل الحصول على بعض الثبوتيات والورقيات لاستكمال معاملة تقاعده!

الحكومة ووعودها الخلبية تجاه كبار السن!

المفارقة بعد كل ما سبق أعلاه أن مجلس الوزراء أقر خلال جلسته الأسبوعية بتاريخ 17/10/2023 «الإستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن وحمايتهم»، والتي تعكس، بحسب ما ورد على الصفحة الرسمية للحكومة، «إستراتيجية التزام الدولة ببناء بيئة داعمة لهم تحترم خصوصيتهم واحتياجاتهم وتؤكد الحرص على إبقائهم في محيطهم الطبيعي وتأمين الرعاية الاجتماعية الكاملة لهم. كما أقر المجلس البرامج التنفيذية للإستراتيجية التي تحدد دور ومهام كل وزارة في هذا الإطار، بهدف تحقيق الحماية الاجتماعية والأمن المالي والبيئة التمكينية للمسنين وتأصيل مكانتهم عند الأجيال الناشئة ومنحهم ميزات خاصة عن طريق الوزارات والنوادي والنقابات تمكنهم من القيام بنشاطات تساهم في تحسين حالتهم الصحية والنفسية، إضافة إلى توسيع نطاق التغطية الصحية ودعم وتأهيل المراكز الصحية في مختلف المناطق بما يخدم تنفيذ أهداف الإستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن».
طبعاً لم يتم نشر مفردات الإستراتيجية الوطنية التي تم إقرارها رسمياً، لا على موقع الحكومة ولا على موقع الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، والتي من المفترض أنها مسؤولة بهذا الصدد كجهة رسمية!
وجل ما ورد على الصفحة الرسمية للهيئة بتاريخ 1/10/2023، باعتباره اليوم العالمي لكبار السن، هو الإعلان بأن الهيئة تعمل إعداد مشروع الصك التشريعي لكبار السن بهدف تعزيز بيئة الحماية لهم!
فالحكومة وكالعادة، تكثر من الحديث التجميلي لواقع عملها، وتكتفي بالحديث والوعود الإعلامية فقط لا غير، فلا إستراتيجية لكبار السن ولا من يحزنون!
فأين هي الحكومة من التزامها تجاه احتياجات المسنين أو حمايتهم وأمنهم المالي في ظل هذا الواقع الكارثي الذي يعيشه هؤلاء يومياً؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1147