دمج المؤسسات...أول خطوات التنمية الإدارية أم مؤامرة لتصفية القطاع العام ولصالح من؟؟
انطلاقاً من توجيهات الحكومة نحو سياسة دمج المؤسسات ذات الاختصاص المتقارب، الذي أكده رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس خلال الجلسة الأسبوعية، حيث شدد على ضرورة الإسراع بإعداد صكوك تشريعية لهذه العملية، بهدف تطوير هذه الجهات، وتعزيز دورها الخدمي والتنموي والاقتصادي، لكن البداية لم تكن هنا.
ولدت الفكرة بظهور مصطلح (اقتصاد السوق الاجتماعي) منذ ذلك الحين، وبدأت عملية إعدام القطاع العام بخطوات خجلة، كتشجيع القطاع الخاص، والادعاء بأن مؤسسات القطاع العام خاسرة، وصولاً لبدء مرحلة اللاخجل، وبخطى متسارعة، فأولاً: كانت شركة الكرنك، ثم الشركة العامة للكبريت والخشب المضغوط وأقلام الرصاص لتنال نفس المصير.
تبعها إعلان رئيس الوزراء رسمياً عن نية الحكومة في عدم التوسع أفقياً في شركات القطاع العام، والبدء بطرح شركاتها للاستثمار، كشركة حديد حماه، وشركة الأحذية (ولديها ثلاثة معامل في السويداء، النبك، مصياف)، ومعمل الدباغة في دمشق، ومعمل الكبريت وأقلام الرصاص في دمشق، والمؤسسة العامة للصناعات الهندسية، والشركة السورية للبطاريات والغازات السائلة في حلب، وشركة الكونسروة في درعا.
كذلك قامت الحكومة بإغلاق وإيقاف بعض المعامل والشركات نهائياً كمعمل سكر الغاب.
كل هذا تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي آنذاك.
وإلى الآن، وتحت المسمى ذاته ظهر مفهوم الدمج.
فهل هذا فعلاً خطة تنموية وترشيق اقتصادي، أم شعار آخر براق لتحطيم ما تبقى للمواطن المفقر من مؤسسات يرتكز عليها؟
معنى كلمة دمج وما يتوقف عليها من تداعيات
الدمج، أكثر المصطلحات الفضفاضة التي شابها الغموض، علمياً، فإن للدمج ثلاثة مفاهيم أساسية، تتمثل بإعادة الهيكلة، الدمج والاستحواذ.
وتعرف عملية الدمج بين المؤسسات والشركات على أنها عملية قانونية تتوحد بموجبها شركتان أو أكثر، لهما هدف مشترك يعبر عنه من قبل مجالس إدارة الشركتين، وبموجب عملية الدمج تنتقل أصول كلتا الشركتين إلى الشركة الجديدة.
أما عن معايير عملية الدمج، فهي التماثل، التشابه، والتكامل. بتلخيص بسيط، فالتماثل بأن تقوم شركتان تنتجان نفس المنتج بالتحول إلى شركة واحدة، مثل: بسكويت غراوي وكاميليا.
أما التشابه، فيتضمن وجود نوع من الاختلاف في منتجات الشركتين، كشركة السجاد، وشركة خطوط النايلون التي تستخدم في صناعة السجاد.
والتكامل هو وجود عدد من المراحل الإنتاجية بحيث يكمّل كل منها الآخر.
حسب آراء الباحثين، غالباً مايكون الهدف من دمج وتوحيد المؤسسات هو تخفيض تكاليف الإنتاج، وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق، مع تحسين جودة السلع والخدمات المقدّمة.
والسؤال هنا: هل تحقق شيء من هذه الأهداف في واقعنا الحالي؟؟ سواء بالنسبة للوزارات أو مؤسسات!
عند ملاحظة عدد حالات الدمج مجهولة الأهداف، كالمؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في دمشق مع المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في ريف دمشق، وكذلك الدمج الذي حصل بين الشركة السورية لتخزين الغاز مع الشركة السورية لتوزيع وتخزين المواد البترولية، ودمج وزارة الشؤون الاجتماعية مع وزارة العمل لتتحولا إلى وزارة واحدة هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
نلاحظ عدم جدوى الدمج وعدم تحقيقه لأي هدف أو غاية لذلك
من الملح، أن نعيد تقييم عمليات الدمج والفصل قبل البدء بها، للتأكد من جدوى المعادلة التسويقية التي ستضمن تأمين السلعة الأكثر جودة بالسعر الأقل والتكاليف الأخفض.
كمثال آخر لاعتباطية القرارات، نجد مشروع دمج المؤسسة العامة لنقل الكهرباء مع مؤسسة توزيع الكهرباء، بحيث تصبح مؤسسة واحدة تحت اسم المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، تجدر الإشارة إلى أن المؤسستين كانتا مندمجتين سابقاً، وتم فصلهما ليعاد دمجهما.
نلاحظ التخبط واضحا بين الدمج تارة، والفصل تارة، وهذا إن دل على شيء، فهو عدم وجود بحث علمي وجدوى اقتصادية ترتكز عليها القرارات الحكومية، إضافة لبنية المؤسسات غير المؤهلة والفقر القانوني بما يخص بروتوكولات الدمج.
إعادة هيكلة المصارف العامة
تحت مسمى إعادة هيكلة المصارف العامة، تم تشكيل لجنة لدمج مصرفي التسليف الشعبي والتوفير، ومن المتوقع أن الخطة المقبلة في الدمج ستكون من نصيب المصرف العقاري والصناعي.
فما هي مبررات الدمج؟ خاصة أن الكثير من التجارب التي شهدتها المؤسسات الحكومية لم تكن موفقة؟!
الحجة هنا، هي اختلاف مدخلات الدمج في القطاع المصرفي عن المؤسسات، إذ أن مؤشرات المصارف جيدة ومتطورة، وحكماً ستؤدي لظهور كيان ناجح، أو منظمة مصرفية ناجحة حسب الأقاويل.
أما بالنسبة للمراقبين والخبراء، فاتخاذ قرار الدمج المصرفي ليس بالسهل، لما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة وصعوبات جمة، كون العملية يلزمها خبرات مصرفية عالية المستوى في التشغيل وإدارة أموال المودعين، إضافة أن الدمج بالوضع الحالي دون إحداث إعادة هيكلة جديدة تحدّد فيه المسؤوليات والصلاحيات، سيكون دمجاً شكلياً دون مضمون، وسيولد مشكلة أكبر وأكثر تعقيداً، في ظل الوضع الاقتصادي والمالي المنهك. الخطوة غير معروفة النتائج والتبعات وتأثيراتها شديدة الخطورة، فهل المعنين على دراية بهذه المخاطر؟؟ أم أنه قرار اعتباطي آخر؟
فالدمج غير المدروس هنا سيؤدي لا محالة إلى منع محاسبة من تسبّب بالضرر نتيجة سوء الإدارة المصرفية، كما أن عملية الدمج هنا ستفضي لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتقليص حجمه- بهدف تقليص التكاليف- في حين أن المصارف الخاصة تمتد وتتوسع أكثر فأكثر.
فهل هناك أزمات تعاني منها مصارف القطاع العام تستدعي دمجها؟ أم الغاية إفساح المجال للقطاع الخاص للنمو على حساب القطاع العام؟
من جهة أخرى، بالنسبة للعمال، فالقلق سيد الموقف، كيف سيكون حالهم بعد الدمج؟ وهل ستتغير وظائفهم؟ وهل سيسهم ذلك في تسرب الكفاءات التي يعاني منها القطاع المصرفي الحكومي أصلا؟
نحن لسنا ضد الدمج بوصفه جزءاً من التنمية الإدارية، التي تحتاجها كل دولة للنمو والاستمرار، ولكن نحن نتساءل عن صدق الجهات المعنية وقدرتها الفعلية بعد كل تلك التجارب الفاشلة.
شعار إيجابي بآليات تنفيذ كارثية
مما لا شك فيه، أن جميع خطوات الدمج التي قامت بها الحكومة، وعلى مدار العشرين عام الأخيرة، كانت فاشلة وعاجزة عن تحقيق أي هدف يذكر، سواء للمؤسسات المدمجة أو للمواطن السوري، ولم تتعدَّ كونها بأية حال من الأحوال هروب للحكومة من المسؤوليات الملقاة على عاتقها، ومحاولات لتجميع المشاكل وتجيرها للإدارات الجديدة، بحجة التطوير وتخفيض التكاليف، إلا أن العبء الإداري يبقى ذاته، إضافة لكونها إحدى وصفات صندوق النقد الدولي في تقليص القطاع العام أمام الخاص، وتخفيض الاعتمادات الحكومية لدعم هذا القطاع.
في حين أن تحسين دور المؤسسات ومركزها المالي يتحقق بدعم هذه المؤسسات والشركات لتجديد إنتاجها، بما يتوافق مع حاجة المستهلكين، وتكليف إدارات كفوءة لهذه المؤسسات، تتم محاسبتها بدقة على النتائج، فالقطاع العام يجب أن يبقى منافساً قوياً للقطاع الخاص، ويتحكم بآلية العرض والطلب في السوق، وعدم ترك القطاع الخاص سيد الموقف، يحتكر السلع والخدمات ويبيعها بأرباح خيالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1148