بدائل الطاقة الاضطرارية والإنتاج المحلي الذي يتم تقويضه!

بدائل الطاقة الاضطرارية والإنتاج المحلي الذي يتم تقويضه!

مع تجاوز ساعات انقطاع التيار الكهربائي 16 ساعة يومياً، وزيف الوعود الحكومية بتحسين الواقع الخدمي والمعاشي، وجد المواطن السوري نفسه مجبراً على البحث عن بدائل، حيث باتت البطاريات والشواحن المستوردة من السلع الأساسية التي فرضت على الأسرة السورية، بالإضافة إلى خيارات الطاقات المتجددة!

فخيار الطاقات المتجددة بات محصوراً بميسوري الحال باعتبارها مكلفة جداً، بينما بقي اللجوء للبطاريات والشواحن والليدات هو الخيار المتاح أمام المفقرين، براتبهم المحدود وأعبائهم المتعاظمة وواقعهم المعيشي السيئ!
فماذا عن الإنتاج المحلي من هذه البدائل، ولمصلحة من يتم خلق الصعوبات أمامه؟!

تجارة مزدهرة من جيوب العباد!

ازدهرت تجارة البدائل الكهربائية على أكتاف حاجة المواطن السوري دون رقيب أو حسيب خلال السنوات الماضية، فبتنا نجد العديد من الأنواع المستوردة للبطاريات (من فيتنام، وكوريا، والهند، والصين) هذه الأنواع عالية الجودة والتكلفة أيضاً، إذ تصل لما يقارب الألف دولار أميركي، حيث يرتبط سعرها بتقلبات سعر صرف، ويقتصر اقتناؤها على شريحة محددة من ميسوري الحال!
في حين يتوجه أغلب السوريين للبطاريات محلية الصنع ذات الجودة الأقل، والتي تتراوح أسعارها بين 450 ألف والمليون ليرة سورية للبطارية (100 أمبير)، أما البطارية (150 أمبيرًا) فتتراوح بين 750 ألف ومليون ونصف ليرة سورية.
ونلاحظ أن أقل سعر للبطارية يعادل نحو أربعة أضعاف راتب الموظف، رغم حاجته الشديدة لاقتناء البطارية في ظل الواقع الكهربائي المأساوي، وبدء العام الدراسي وبداية فصل الشتاء!
فمع عجز المواطن المفقر عن تأمين ثمن البطارية، لجأ لشراء البطاريات المستعملة، بنصف السعر تقريباً لكن بنصف العمر الافتراضي، كحل بديل لعدم قدرته على شراء الجديدة!

تهليل وبهرجة إعلامية فقط!

هناك بحسب بعض الرسميين عدة معامل جديدة لتصنيع البطاريات محلياً، كما هناك الكثير من القوانين والتشريعات والقرارات التي صدرت لتشجيع هذه الصناعات، مع الكثير من التهليل والبهرجة الإعلامية الرسمية بشأن البدائل الكهربائية، وتسهيلات الحصول عليها من قبل المواطنين، لكن كل ذلك لم ينعكس إيجاباً على السوق المحلي، وعلى مصلحة المواطنين!
فأسعار البطاريات ارتفعت وترتفع أكثر وأكثر في كل يوم، بل واكتسحت الأسواق المحلية بضاعة رديئة منها، حيث بات المواطن عرضة لمزيد من الغبن والاستغلال!
فأين هذه المشاريع والمعامل التي من المفترض أن تسد حاجة السوق المحلي من البدائل الكهربائية؟

صناعة محلية يتم تقويضها!

سمحت الحكومة بإنشاء معامل لإعادة تدوير البطاريات التالفة، وإنتاج بطاريات جديدة، ولكنها من جهة أخرى ضيقت على الصناعيين، وعلى المنشآت الصناعية!
فقد كان يجب أن يتم توفير المواد الأولية لهذه المنشآت، وتحديداً مادة الرصاص، من الشركة السورية للمعادن، لكنها لم تقم بواجبها بهذا الإطار على ما يبدو!
فقد أشار الصناعي محمد عبد الرحمن عبر جريدة الوطن إلى أن السورية للمعادن لم تزود منشأته بأي كميات من مادة الرصاص!
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن السورية للمعادن ليست الجهة الوحيدة التي تقوم بتجميع البطاريات التالفة من أجل الحصول منها على مادة الرصاص، لإعادة تزويد بعض المنشآت العاملة محلياً فيها، بل هي الجهة الأضعف في هذه العملية!
حيث تنتشر الورش المحلية ومجموعات العمال الجوالة في المدن، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتقوم بشراء البطاريات التالفة من المنازل، وتبيعها إلى تجار يقومون غالباً ببيعها إلى معامل وورشات غير مرخصة، أو خارج سورية بهوامش ربح مرتفعة، حيث وصل سعر طن الرصاص إلى ٢٣٠٠ دولار!
وزارة الصناعة ليست غائبة عما يجري، فقد ذكر مدير الاستثمار الصناعي في الوزارة في حديثه لجريدة الوطن عن اهتمام الوزارة بالقضية، حيث قال: «نحن على اطلاع بالمشاكل التي تواجهها المصانع، ليس فقط على صعيد البطاريات بل غيرها من المشاكل، وبناء عليه وبتوجيه من وزير الصناعة كانت هناك اجتماعات مع المصانع المتضررة للوقوف على المشكلة، وإيجاد الحلول لها حيث تم تشكيل لجنة بتاريخ 27/3/2023 مهمتها الكشف الحسي على المنشأة في مدينة حسياء الصناعية للتأكد من وجود الحد الأدنى من الآلات والتجهيزات حسب تعليمات الوزارة ومعايير الطاقة الإنتاجية، وتم اقتراح تزويد المنشأة بالمواد الأولية اللازمة (بطاريات تالفة) لزوم إجراء التجارب لتتمكن اللجنة من استكمال معايير الطاقة الإنتاجية وفق الواقع الفعلي».
الواقع يقول: إن اللجنة التي جرى الحديث عنها أصبح عمرها 7 أشهر، لكنها لم تسفر عن نتائج إيجابية حتى تاريخه، بدليل الحديث المستجد لأحد أصحاب المعامل أعلاه!
والنتيجة، أن هناك فعلاً العديد من المعامل لإعادة تدوير البطاريات التالفة ولإنتاج بطاريات جديدة، لكنها عاجزة عن الإقلاع بعملها كما يجب، بسبب عدم توفير مستلزمات إنتاجها لتعمل بطاقتها الإنتاجية، والتي من المفترض أن تكفي الاحتياج المحلي منها، بدلاً من عمليات الاستيراد وتكاليفها الدولارية وأرباح المستوردين!
الأكثر من ذلك، أن هناك المليارات التي تم توظيفها للاستثمار بهذه الصناعات، والكثير من العمالة المرتبطة بها، سواء من خلال الإنتاج المباشر، أو من خلال شبكات التسويق والتوزيع لإنتاجها، إلا أن هذه الاستثمارات ما زالت دون حدود الجدوى الاقتصادية منها، ما يعني خسارة لأصحاب منشآتها!

مصالح أصحاب الأرباح من المستوردين بالضد من الإنتاج!

أمام هكذا واقع، يُفرض على المواطن شراء بطاريات ووسائل الطاقة البديلة في ظل سوء التغذية الكهربائية وترديها المستمر، وأمام التضيق على الصناعيين في مجال تصنيع البطاريات محلياً، أو غيرها من منتجات الطاقات المتجددة، فإن المستفيد الوحيد من كل ذلك هم شريحة كبار المستوردين ومحتكري الاستيراد، الذين من مصلحتهم فرض المزيد من التضيق على الصناعيين والمنتجين المحليين، وذلك لتوسيع وزيادة هوامش أرباحهم من جيوب المفقرين من عامة الناس، وعلى حساب الصناعة المحلية أيّاً تكن!
فما ينطبق على منشآت تصنيع البطاريات وإعادة تدويرها يمكن تعميمه على غيرها من الصناعات التي فرضتها الأزمة، كألواح الطاقة الشمسية أيضاً!
فكثيراً ما سمعنا أن معامل الألواح المحلية ستنطلق في عملها وإنتاجها، وصولاً لتغطية احتياجات السوق المحلية منها، ولكننا لا نرى سوى المنتجات المستوردة في الأسواق عملياً، برداءة مواصفاتها وارتفاع أسعارها!
ويبدو أن الحال سيبقى على ما هو عليه من التضييق على الإنتاج المحلي، ومن استمرار الأزمات وتفاقمها وتعمقها، والتي تستفيد منها شريحة أصحاب الأرباح، من المستوردين والنافذين والناهبين والفاسدين، على حساب الإنتاج والمستهلك والاقتصاد الوطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1145