سياسات وتكاليف وأعباء نابذة لاستكمال التعليم!
انطلق العام الدراسي الجديد بتاريخ 3/9/2023، وافتتحت المدارس أبوابها وعاد الطلاب لاستكمال مسيرتهم التعليمية.
لكن أيلول السنة ليس ككل سنة في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية العاصفة بالبلاد، ومع استمرار السياسات الحكومية الضاغطة والمستنزفة للعباد، حيث بات شديد الوطأة على السوريين!
فكيف تنعكس زيادة التكاليف والأعباء المدرسية، بالتوازي مع السياسات الاقتصادية والمعيشية الضاغطة، على الأسر المفقرة وعلى التسرب المدرسي؟!
وسطي نسبة الزيادة السعرية بين عامين تجاوزت 250%!
شهدت الأسواق السورية هذا العام زيادة على أسعار المستلزمات المدرسية، وبنسبة كبيرة مقارنة بالعام الماضي، إذ بلغ سعر الصدرية بين 65 ألف ليرة سورية إلى 100 ألف ليرة، بينما القميص المدرسي الأزرق والزهر تراوح بين 60 ألف لما يقارب 90 ألف ليرة، والبنطال المدرسي بين 70 ألف ليرة ليصل إلى 150 ألف ليرة.
وعن أسعار الأحذية، فتبدأ من 75 ألف ليرة سورية لتتجاوز 200 ألف ليرة حسب النوع والجودة، في حين تبدأ أسعار الحقائب من 70 ألف إلى 160 ألف ليرة حسب الحجم والجودة.
وبمقارنة بسيطة لأسعار المستلزمات المدرسية بين عامي 2022 و2023، بالاعتماد على الحد الأدنى من التكلفة، نلاحظ أن الأسعار زادت بنسبة وسطية تجاوزت 250%، كما هو موضح في الجدول أدناه:
مع العلم أن السوق فيه أسعار أعلى من ذلك بكثير للمستلزمات المدرسية، ارتباطاً بالنوع والجودة والمصدر، لكنها للنخبة ولا تدخل ضمن تصنيف الاستهلاك الشعبي للغالبية المفقرة من الأسر!
صغيرٌ بتكلفة كبيرة.. تكلفة الطالب في المرحلة الابتدائية!
غدت تكلفة تجهيز الطالب الواحد في المرحلة الابتدائية تصل لـ359,000 ليرة سورية، وهو ما يعادل ضعف الحد الأدنى لراتب الموظف تقريباً، وبتفصيل يوضحه الجدول التالي:
يبين الجدول أعلاه أن إرسال طفلين لمدرسة ابتدائية عامة يكلف الأسرة السورية 718 ألف ليرة، في حين أن دخل معيل هذه الأسرة لا يتعدى 200 ألف ليرة، مما زاد أعباء المواطن المفقر وأثقل كاهل الأسرة المعدمة، لدرجة عدم قدرتها على تأمين حق أبنائها في التعليم على أكمل وجه!
مع العلم أن هذا الحق من المفترض أنه مجاني ويكفله الدستور السوري في المادة 29 منه التي تقول: «التعليم حق تكلفه الدولة، وهو مجاني في جميع مراحله»!
كلما كبر الولد زاد همّه.. تكلفة طالب الإعدادي والثانوي!
مع نمو الطالب وتقدمه بالسلم التعليمي تزيد الأعباء الواجب على الأسرة تغطيتها، إذ غدا الطالب بحاجة إلى بدلة مؤلفة من ثلاث قطع وليس صدرية مدرسية وحسب، إضافة إلى قرطاسية من نوع أخر وبكمية أكبر، وحقيبة أكبر!
فوفقاً لأسعار المستلزمات الأساسية والضرورية فقط وبتكلفتها الأدنى نجد أن الطالب الواحد في المرحلة الإعدادية يحتاج 493 ألف ليرة سورية، لتزيد بما يقارب 50 ألف في المرحلة الثانوية، وهو ثمن نسخة الكتب المدرسية، فتصبح 543 ألف ليرة، والجدول التفصيلي التالي يوضح ذلك:
فبحال وجود طالبين في الأسرة بحاجة إلى الالتحاق بمدرسة إعدادية وثانوية عامة فإن تكلفة تجهيزهم تتجاوز المليون ليرة سورية، وهي تتخطى الحد الأدنى لراتب العامل السوري بأضعاف مضاعفة!
الدفع لزيادة التسرب المدرسي!
يتزايد التسرب المدرسي من مرحلة التعليم الأساسي والثانوي عاماً بعد آخر بسبب الواقع الاقتصادي المعيشي الضاغط، الذي لا تعيره الحكومة أي اهتمام، بل تزيد من هذه الضغوط تحت عناوين مختلفة تبدأ بسياسات تخفيض الدعم المستمرة، ولا تنتهي بسياسات تخفيض الإنفاق العام، الذي يطال التعليم بشكل مباشر وغير مباشر!
فتكاليف الحد الأدنى أعلاه (مليون ليرة لطالبين في الأسرة فقط) هي ما يجب على الأسرة أن تتحمله وتسدده مطلع شهر أيلول، يضاف إليها الكثير من التكاليف الأخرى طبعاً، وخاصة تكاليف الدروس الخصوصية خلال العام الدراسي (التي أصبحت ضرورة حتى لتلاميذ مرحلة التعليم الأساسي بسبب تردي وسوء العملية التعليمية بنتيجة السياسات التعليمية)، في ظل واقع حال معدم وجدت الأسرة السورية نفسها فيه بمواجهة السياسات الحكومية المفقرة وغير المسؤولة التي مسّت معيشتها، وواقع أسعار استغلالية ومنفلتة ومستمرة بالارتفاع، وبحيث باتت بالنتيجة عاجزة أمام تكاليف المعيشة وأعبائها، وصولاً إلى العجز عن تعليم أطفالها!
فكيف لرب أسرة لا يتجاوز أجره 200 ألف ليرة أن يتمكن من تغطية متطلبات الاحتياجات الأسرية الضرورية مع متطلبات تعليم أبنائه؟
فحتى لو كان رب الاسرة يعمل عملاً إضافياً بأجر 200 ألف ليرة، وزوجته تعمل أيضاً بأجر 200 ألف ليرة، فهذا يعني أن الأسرة المستنزفة بالعمل بالكاد يصل متوسط دخلها إلى 600 ألف ليرة شهرياً، وهو لا يغطي إلا جزءاً من ضرورات الحياة فقط!
فالخيارات أمام الأسر المفقرة محدودة وتتمثل إما بالاقتراض والاستدانة، وهو الخيار السائد والمستنفذ سلفاً، أو الاضطرار لأن تدفع أبناءها للانقطاع عن المدرسة وعن التعلم بحثاً عن فرصة عمل تساعد في تغطية جزء إضافي من أعباء وتكاليف المعيشة الضرورية!
وليسقط أمام هذا الواقع كل الحديث الرسمي عن مساعي تقليص نسب التسرب والانقطاع المدرسي، الذي توضع له البرامج والخطط السنوية لترميمه، مع الاعتمادات المالية المخصصة في الموازنات السنوية، بالإضافة إلى المساعدات من المنظمات الدولية لهذه الغاية، وليسقط معه الحديث عن التعليم المجاني المصان دستوراً كما يفترض!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1138