مستودعات ومعامل الأدوية مجدداً.. نحو التحرير الدوائي سر!
آخر ما حُرر بالشأن الدوائي أن بعض مستودعات الأدوية عدلت أنماط تعاملها مع الصيدليات بشأن طلبياتها من الأدوية، حيث بدأت التعامل معها بقائمتين للبيع والتوزيع!
أحدهما بالأسعار النظامية الرسمية، وهي محدودة الأصناف وتتضمن أسلوب التحميل، كسلال مفروضة محددة ومقننة الأنواع والكميات!
والأخرى بأسعار محررة، وهي شاملة ومفتوحة «كماً ونوعاً» لكل ما هو متوفر في هذه المستودعات، من الإنتاج المحلي أو من المستوردات!
وما على الصيدلاني إلا اختيار التعامل مع هذه المستودعات بإحدى هاتين القائمتين!
ممارسة شاذة وليست الأولى!
وللتذكير فقد سبق أن فرضت بعض المستودعات نمطاً مستجداً وشاذاً آخر بالتعامل مع الصيدليات من خلال تقاضيها أجور توصيل الطلبيات، وهو ما تم تسليط الضوء عليه عبر قاسيون بتاريخ 28/8/2023 بمادة حملت عنوان، «ظاهرة مستجدة وشاذة.. أجور توصيل الطلبيات على حساب الصيادلة!»
ومما ورد في المادة، «هذه الظاهرة المستجدة والشاذة أصبحت عبئاً على الصيدليات، وبدأت تظهر على إثرها الكثير من المشكلات بينها وبين بعض المستودعات التي تفرضها، مع تحكم مفرط واستغلالي من قبل هذه المستودعات لفرض هذا الشكل الجديد، وإلا فإن الطلبيات ستلغى! والأمر على هذا النحو لا يعني خسارة الصيدلاني للمبالغ المطالب بها كأجور توصيل أو من بعض الأرباح من بعض الأصناف التي سيمتنع المستودع عن توزيعها فقط، بل الأهم هو عدم وصول بعض الأصناف إلى المواطنين بالنتيجة!»
فهذه الأنماط الجديدة والشاذة، التي يتم فرضها من قبل مستودعات الأدوية ومعاملها على الصيدليات، لا تنعكس سلباً على الصيدليات فقط ناحية التكاليف والأعباء المالية عليها، وناحية الاضطرار للمخالفة السعرية بالنتيجة، بل الأسوأ هي النتائج السلبية على المرضى ناحية استمرار المعاناة من نقص الأدوية وناحية زيادة الاستغلال السعري فيها!
الزيادات السعرية غير كافية.. والمريض يدفع الضريبة!
تم رفع سعر الأدوية رسمياً بتاريخ 8/8/2023 وبنسبة تجاوزت 50% لجميع الأصناف والزمر الدوائية، وهي الزيادة الثانية الشاملة بأسعار الأدوية رسمياً خلال العام الحالي، حيث سبق أن تم رفع سعر الأدوية بتاريخ 17/1/2023، وبنسبة تراوحت بين 50-80% بحينه، ما يعني أن الأدوية قد ارتفعت أسعارها منذ بداية العام بنسبة تراوحت بين 130-150% رسمياً، علماً أن بعض الزمر كانت الزيادة فيها بحدود 200%، وفيما بين هذه الزيادات طرأت زيادات سعرية لبعض الأصناف والزمر الدوائية أيضاً، بالإضافة إلى الزيادات السعرية الخاصة بشركة تاميكو الحكومية، ومع ذلك ما زالت الأزمة مستمرة، وما زالت المطالبات بزيادة الأسعار مستمرة بذريعة التكاليف المرتفعة والتضخم المستمر والخسائر التي تتكبدها المعامل!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية البشرية معفاة من الرسوم الجمركية ومن كافة الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد، وهذا الإعفاء يتم تجديده سنوياً، وآخر تجديد كان بتاريخ 20/8/2023!
فبعض أصحاب معامل الأدوية يرون ان الزيادات السعرية الرسمية غير كافية، ويطالبون بزيادة سعرية جديدة تغطي تكاليفهم وتحقق لهم الهوامش الربحية من أجل استمرار العملية الإنتاجية في معاملهم!
والحال كذلك فإن أزمة الدواء مستمرة، وكذلك ستستمر آليات استغلالها من خلال الأنماط الشاذة المستجدة بالتعامل مع الصيدليات وطلبياتها، والمتضرر من كل ذلك هو المريض بالنتيجة، من جيبه وعلى حساب صحته!
انفلات دوائي وتحرير سعري غير معلن!
هذه الأنماط المستجدة بالتعامل مع الدواء ومع الصيدليات (أجور التوصيل- قوائم البيع والتوزيع والتقنين)، في ظل الصمت الرسمي عنها وغض الطرف عن نتائجها، تعزز حال الانفلات الدوائي سعراً ونوعاً وكماً، وتتضمن تحريراً سعرياً غير معلن للدواء من الناحية العملية، ويتم وضع الصيدلاني في واجهة القباحة بتعامله مع المرضى بالنتيجة!
فبحال رضوخ الصيدلاني لهذه الأنماط المستجدة والشاذة سيتمكن من الحصول على كافة الأدوية المطلوبة من قبل المضطرين من المرضى، لكنه سيتحمل مسؤولية أسعارها بمواجهتهم، وبمواجهة الجهات الرسمية ونقابته!
وبحال عدم رضوخه لها فإنه لن يحصل إلا على ما تفرضه المستودعات «كماً» من أصناف دوائية بعينها، مع تحميله أصنافاً أخرى قد تكون متوفرة لديه أصلاً، ولا تلبي الاحتياجات الضرورية للمرضى!
فهذا النمط من التحرير السعري الشاذ ستكون نتائجه وخيمة على الصيدلاني الذي سيصبح مخالفاً وفقاً للقوانين والتعليمات لتغطية الفروقات السعرية وفروقات زيادة التكاليف عليه، وعلى المريض الذي سيفرض عليه السعر المحرر المرتفع، وهو سلفاً يعاني الضيق معيشياً وخدمياً، ليضاعف ذلك من معاناته مع المرض!
من التحرير السعري إلى فوضى الدواء!
مع استمرار الوضع على ما هو عليه من اللامبالاة الرسمية وغض الطرف فإن خطوات التحرير السعري للدواء ستمضي بمسيرتها نحو استكمال تحرير الدواء بشكل كامل «كمّا ونوعاً وسعراً»، وربما مصدراً وطرق توريد أيضاً!
فمع هذه المسيرة، وفي ظل عدم توافر بعض الأصناف من الإنتاج المحلي، أو تقنين توزيعها وفقاً للقوائم التي بدأت تعمل بها بعض المستودعات وتفرضها، واللجوء إلى البدائل المستوردة أو المهربة منها لتغطية احتياجات المرضى، فإن هذه المسيرة ستتوج بالفوضى الدوائية بالمحصلة، التي بدأنا نرى بواكيرها منذ حين، وخاصة في أدوية الأمراض المزمنة وأدوية بعض الأمراض المستعصية وحليب الأطفال، والتي لن تنعكس سلباً على الصيدليات والمرضى فقط، بل ستنعكس على معامل الأدوية المحلية نفسها كذلك الأمر، علم بذلك أصحاب المعامل الدوائية المحلية أم لم يعلموا!
فالتحرير السعري الذي يتم السعي إليه والضغط من أجله من قبل بعض مستودعات الأدوية الآن، عبر الأنماط الشاذة أعلاه وغيرها، وصولاً إلى تكريس الفوضى والانفلات الدوائي، يفسح المجال لتبرير زيادة حصة المستوردات والمهربات الدوائية لبعض الأصناف، ولو كان هناك إنتاج محلي منها، على حساب ومن جيوب المرضى طبعاً!
قطاع الإنتاج الدوائي المحلي ليس استثناء فهو مستهدف أيضاً!
الدفع باتجاه التحرير الدوائي بذريعة عدم كفاية الأسعار الرسمية، ومن خلال فرض بعض الآليات المستجدة والشاذة بالتوزيع والتقنين وتقاضي أجور الطلبيات، وإبداع المزيد منها، وتحت شعارات الانفتاح والمنافسة والتحرير السعري سيئة الصيت، المتوافقة مع السياسات الليبرالية المتبعة، سيؤدي بالنتيجة إلى إضعاف قطاع الإنتاج الدوائي المحلي، وصولاً ربما إلى تقويضه والإجهاز عليه!
ولا غرابة بهذه النتيجة المتوقعة، وهي ليست من باب المبالغة!
فقطاع الإنتاج الدوائي المحلي ليس استثناءً، فهو مستهدف كغيره من القطاعات المنتجة (الزراعية- الصناعية، العامة- الخاصة)، من قبل كبار حيتان الاستيراد والنهب والفساد، الساعين لاستكمال استحواذهم وسيطرتهم على كل المقدرات الاقتصادية للعباد والبلاد، استنزفاً واستغلالاً ونفوذاً، واستقواءً بالسياسات الليبرالية الحامية لمصالحهم على طول الخط!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1138