محصول القمح.. اعتراف بعدم دقة تسعيره مع تكريس التضحية به!
أعلنت الحكومة عبر صفحتها بتاريخ 26/4/2023 ما يلي: «أطلقت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ممثلة بهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات برنامج دعم شحن المنتجات الزراعية والصناعية سورية المنشأ المصدّرة إلى روسيا بطريقة الشحن البحري».
بعد الكثير من الاعتراضات المحقة على التسعير الحكومي لمحصول القمح للموسم الزراعي 2023، بنتائجه وآثاره السلبية الكبيرة، تم إقرار زيادة محدودة وهزيلة بمبلغ 500 ليرة/كغ فقط لا غير!
الزيادة أعلاه أقل مما طالب به الفلاحون وفقاً لحسابات تكاليفهم كي يحقق لهم المحصول الحد الأدنى من الجدوى الاقتصادية، وبواقع زيادة 1200-1700 ليرة/كغ، وبحيث يصبح السعر بحدود 4000 ليرة/كغ بالحد الادنى، وهو ما سبق أن تم توضيحه في مادة سابقة لقاسيون تحت عنوان: «الحكومة تعمل بالضد من المزارع والإنتاج.. والأمن الغذائي رهن الجشع»، بتاريخ 23/4/2023، ما يعني تأكد خسارتهم، مع تكريس رسمي لهذه الخسارة بآثارها ونتائجها الكارثية، التي لا تقف عند حدود الإضرار المباشر بمصلحة الفلاحين حالياً، بل تتعداها للإضرار بمستقبل المحصول، وبالاقتصاد الوطني، وبالمصلحة الوطنية!
اعتراف بعدم دقة وصحة الحسابات الرسمية!
حدد مجلس الوزراء بتاريخ 18/4/2023 سعر شراء محصول القمح من الفلاحين للموسم الزراعي 2023 بواقع 2300 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد. وبحسب الحكومة جاء تحديد هذا السعر نتيجة حساب دقيق لتكلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة، وبما يضمن هامش ربح للفلاح بنسبة 35% لكل كيلو غرام، وذلك بهدف التشجيع على تسليم المحصول واستجرار أكبر كمية ممكنة من الإنتاج.
وعلى إثر الكثير من الاعتراضات، تفنيداً لمزاعم حسابات التكلفة الدقيقة والدعم الخلبي، بما في ذلك من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والاتحاد العام للفلاحين، وبعد مضي أسبوعين تقريباً، حددت اللجنة الاقتصادية في اجتماع لها بتاريخ 4/5/2023 سعر شراء القمح للموسم الحالي بـ ٢٥٠٠ ليرة/كغ متضمناً تكاليف الإنتاج مع هامش الربح ويضاف إليها مبلغ قدره ٣٠٠ ليرة/كغ كحوافز تشجيعية لزراعة وتسليم القمح بحيث يصبح السعر النهائي ٢٨٠٠ ليرة/كغ.
إن الزيادة المقرة أعلاه بواقع 500 ليرة/كغ هي:
اعتراف بأن التسعير الأوّلي، الذي قيل إنه «نتيجة حساب دقيق»، لم يكن دقيقاً على الإطلاق!
ما زالت دون الحد الأدنى المطلوب لتغطية التكاليف فقط.
أقل بكثير مما طالب به الفلاحون!
تأكيد أن الحسابات الحكومية ما زالت غير دقيقة!
تُسقط كل الادعاءات الرسمية حول التشجيع على زراعة المحصول، والرغبة في تسليمه لمؤسسة الحبوب!
الزيادة بالكاد غطت فارق سعر الصرف الرسمي!
يبدو أن الحكومة (كما استسهلت على نفسها عناء الخوض بتفاصيل الحسابات الفعلية والدقيقة عند إقرارها السعر السابق للقمح بالاعتماد على سعره في بلدان الإنتاج والتصدير بعد تحويله لليرة السورية وفقاً لسعر دولارها الرسمي، مع تعاميها عن الإضافات السعرية لقاء أجور النقل والشحن والرسوم وذرائع العقوبات والحصار) استسهلت ذلك مجدداً فعدّلت السعر استناداً إلى فارق سعر صرف الدولار بنشراتها الرسمية فقط!
الجدول التالي يوضح الزيادة بين تاريخي تحديد السعر الرسمي للقمح:
يتبين من الجدول أعلاه أن قيمة الليرة مقابل الدولار انخفضت خلال هذه الفترة، 16 يوماً فقط، بنسبة 2,739% بحسب النشرات الرسمية، والفارق بين السعرين بحسابات الدولار هو 0,058 دولار، وهو ما يعادل 435 ليرة بحسب السعر الرسمي الحالي للدولار، وهو ما تمت إضافته، بعد جبر الكسور، بواقع 500 ليرة/كغ استسهالاً!
علماً أن حسابات الفرق بحسب متغيرات أسعار الصرف في السوق الموازي أكبر من ذلك، فمعدلات انخفاض الليرة بحسب سعر السوق الموازي كانت أعلى من السعر الرسمي!
وبالتالي فإن الزيادة أعلاه بالكاد غطت فارق السعر الدولاري الرسمي خلال مدة 16 يوماً فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار حسابات الجوانب التضخمية الأخرى الناجمة عن انخفاض سعر صرف الليرة بمقابل الدولار رسمياً، ومعدلاته الأكبر في السوق على مستوى التكاليف المحسوبة كما هو معروف على أسعار السوق الموازي وليس الرسمي!
والأسوأ أن هذا السعر، وفي ظل استمرار العوامل التضخمية، سيتآكل أكثر عند موعد الحصاد، بالإضافة إلى خسارة جزء منه بسبب نسب التجريم والشروط الأخرى المطبقة عند الاستلام من قبل مؤسسة الحبوب!
الحسابات الأكثر ظلماً!
بحال الاعتماد على متغيرات أسعار الصرف الرسمية بين الموسم الماضي والحالي، دون الخوض بتفاصيل التكاليف الدقيقة، يبدو الظلم أكبر وأكثر إجحافاً بحق الفلاحين!
الجدول التالي يبين ذلك:
يتبين من الجدول أعلاه أن الفلاح خسر 0,289 دولار/كغ بين موسمين بحسب متغيرات سعر الصرف الرسمي، وهذا المبلغ بسعر الدولار الرسمي الآن يعادل 2172 ليرة، علماً أن مستلزمات الإنتاج يتم تسعيرها دولارياً بسعر السوق الموازي كما أسلفنا، فخسارة الفلاح أكبر من ذلك عملياً!
بناء على ما سبق ربما كان المفروض على الحكومة، بحال كانت نيتها صادقة لاستمرار زراعة المحصول وتسليمه لمؤسسة الحبوب، أن تسعر القمح بواقع 4972 ليرة/كغ استناداً لمؤشرات التضخم على مستوى فارق سعر الصرف الرسمي فقط، دون عوامل التضخم المتشابكة الأخرى، كي تحقق الإنصاف للفلاحين!
حسابات منظمة «الفاو»!
وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، وبحسب تقريرها الأخير الصادر في شهر نيسان، فقد انخفضت مؤشرات الأسعار العالمية للغذاء.
حيث انخفض مؤشر منظمة «الفاو» لسعر القمح على أساس شهري في آذار بنسبة 7,1% عن العام الماضي.
إسقاط هذه النسبة على سعر القمح محلياً، بعد الأخذ بعين الاعتبار متغيرات سعر الصرف بين العام الماضي والحالي، يعني تخفيض هذه النسبة من الفارق المحسوب أعلاه استناداً لمتغيرات سعر الصرف الرسمي بواقع 2172 ليرة/كغ، بحيث يصبح مبلغ التخفيض 154 ليرة/كغ، ليصبح الفارق 2017 ليرة/كغ، وهو ما يجب إضافته على سعر العام الماضي المحدد رسمياً بـ2000 ليرة/كغ، ليصبح سعر القمح افتراضاً وفقاً لمؤشر الانخفاض بحسب منظمة «الفاو» 4017 ليرة/كغ، وهو قريب جداً مما يطالب به الفلاحون كي يحقق لهم الإنصاف، ومع ذلك لم تعتمد الحكومة هذا المؤشر أيضاً في حساباتها، وسعرت القمح بواقع 2800 ليرة/كغ، والنتيجة أن الفلاح السوري خسر مبلغ 1217 ليرة/كغ عن أسعار العام الماضي توافقاً مع متغيرات سعر الصرف رسمياً، حتى بعد التخفيض وفقاً لمؤشرات منظمة «الفاو»!
المعادلة لم ولن تتغير!
الزيادة الهزيلة على السعر أعلاه لم ولن تغير بمعادلات محصول القمح للموسم الحالي بالنسبة للفلاحين، وبالنسبة للسورية للحبوب، وبحساب معادلات الأمن الغذائي للمواسم القادمة!
فلا هي اعتمدت على التكاليف الفعلية للفلاحين، ولا على فارق سعر الصرف الرسمي بين عامين، ولا حتى على حسابات منظمة «الفاو» المخفضة!
فترجمة الزيادة الهزيلة أعلاه يمكن تلخيصها بالجانب العملي بالنقاط التكثيفية التالية:
لم تلبِّ مطالب الفلاحين بالسعر العادل الذي يغطي تكاليفهم ويمنع خسارتهم!
وبالتالي لن تحقق لهم هامش ربح يضمن لهم الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة!
وهي على ذلك لن تضمن تسليم المحصول لمؤسسة الحبوب!
ستدفع نحو تكريس استبدال زراعة محصول القمح بمحاصيل أكثر جدوى في المواسم القادمة!
ما يعني خسارة المؤسسة للموسم الحالي، مع المغامرة بخسارة المواسم القادمة، والتضحية بها وبالأمن الغذائي!
والنتيجة هي استمرار عمليات الاستيراد لتغطية الاحتياجات المحلية من القمح بالقطع الأجنبي، مع زيادة الكميات المستوردة منه عاماً بعد آخر، بالتوازي مع تراجع إنتاجه!
أي زيادة في معدلات تراجع الإنتاج، بالتوازي مع الخسارة في حسابات الموازنة العامة للدولة، على حساب الفلاح والأمن الغذائي والاقتصاد الوطني!
وكل ذلك مقابل ضمان مصالح أصحاب الأرباح والفاسدين فقط لا غير!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1121