تسهيلات نظرية.. والعقارات نحو المزيد من الجمود والارتفاع السعري!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

تسهيلات نظرية.. والعقارات نحو المزيد من الجمود والارتفاع السعري!

يبدو أن قطاع العقارات يتجه نحو المزيد من الجمود وارتفاع الأسعار، وهذه المرة عبر قرار حكومي جديد قيد الصدور والتنفيذ!

فقد قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، في معرض حديثه عن الإجراءات الحكومية الجديدة عبر الفضائية السورية بتاريخ 2/2/2023، حول تعديل نسب البيوع العقارية: «من القرارات الجديدة، تعديل في مواد قانون البيوع العقارية فيما يتعلق ببيع العقارات السكنية والتجارية والأراضي، حيث يتم سداد مبلغ عبر الحسابات المصرفية بما يعادل نسبة 50% من القيمة الرائجة للوحدة العقارية المباعة المعتمدة بموجب أحكام القانون رقم 15 لعام 2021، بعد أن كانت في السابق 15%، مع الأخذ بإمكانية تحويل المبلغ كاملاً أو جزء منه إلى أي حساب مصرفي آخر، كما يمكن استخدام رصيد الحساب لتسديد كل المدفوعات من دون سقف محدد، لافتاً إلى أنه بموجب هذا التعديل يرفع سقف السحب اليومي من الحساب المذكور إلى 25 مليون ليرة، ويمكن لصاحب الحساب المصرفي أن يقدم طلباً إلى مصرف سورية المركزي في حال احتاج لسحب مبالغ أكثر من ذلك».

النظري والعملي في الإجراءات الحكومية

كلام الوزير أعلاه شكل صدمة بالنسبة للمواطنين، خاصة في ظل الحديث عن التسهيلات الحكومية التي «هدفها الحد من ارتفاع الأسعار وتبسيط الإجراءات المالية والمصرفية»، بحسب حديث الوزير!
فعن أية تسهيلات مالية ومصرفية يجري الحديث مع نوايا رفع مبلغ السداد عبر الحسابات المصرفية بما يعادل نسبة 50% من القيمة الرائجة للوحدة العقارية المباعة؟!
فنسبة الـ15% المعمول بها حالياً كانت عاملاً نابذاً في قطاع العقارات، ومع ذلك فقد ساهمت في رفع أسعار العقارات ولم تخفضها، فكيف مع زيادة هذه النسبة إلى 50%، ولمصلحة من يتم ذلك؟
فالحديث النظري عن الحد من ارتفاع الأسعار تجهضه الإجراءات العملية المتمثلة بهذه النسبة الكبيرة من الإيداع!
فعمليات بيع وشراء العقارات يبدو أنها ستصبح أكثر حكراً على كبار أصحاب الثروة، مع ضغط هؤلاء على المضطرين من بقية الشرائح، وخاصة المفقرين، سواء خلال عمليات البيع وخلال عمليات الشراء!

الدولرة معممة وليست مقتصرة على العقارات!

وقد قال الوزير، في تتمة حديثه عن قطاع العقارات، إنه: «من أكثر القطاعات التي يتم فيها تداول أموال بمبالغ هائلة، وممكن أن تكون عرضة للدولرة، وهذا شيء خطير إذ كان حجم المبيعات في قطاع البيوع العقارية خلال عام واحد 14 ألف مليار ليرة سورية، مشيراً إلى وجود خطوات قادمة للدفع الإلكتروني، مع وجود ربط كامل بين المصارف وهذا يعد عاملاً مساعداً».
حديث الوزير عن الدولرة أعلاه فيه الكثير من الانفصال عن الواقع، فجرزة البقدونس في السوق أصبحت تسعر وفقاً للسعر المتغير للصرف، لكن دون التعامل الدولاري المباشر من خلالها، وكذلك هي الحال مع كل السلع والبضائع، بل والخدمات البسيطة، وبالتالي فمن المفروغ منه أن الدولرة في جزء هام منها في حلقتها الأولى على مستوى التسعير أصبحت هي السائدة والمعيار في تعامل السوق، أما استكمال العملية على مستوى استبدال الليرة بالدولار كحلقة لاحقة، سواء كانت بحجم أموال كبير أو صغير، فهي تتم من خلال وعبر البعض من تجار العملة والمضاربين بها، ولمصلحتهم دون أدنى شك، ولا علاقة لقطاع معين دون سواه في ذلك!
أما أن يتم اعتبار القطاع العقاري كبيراً بحجم تداول الأموال، حسب حديث الوزير والتوجه الحكومي، وبالتالي ومنعاً للدولرة فيه فإن الحل يكون بزيادة الإيداعات المصرفية لقاء عمليات البيع فيه، فهو إجراء لا يمنع الدولرة بحلقتها الأولى على مستوى التسعير، ولا بحلقتها الثانية على مستوى استبدال الليرة بالدولار!
ولعله إن كانت هناك نوايا رسمية جدية نحو منع الدولرة، أو الحد منها على أقل تقدير، أن يتم بذل الجهود في الحلقة الأهم المتمثلة بالتسعير أولاً، وبذلك تحل تلقائياً، ولو بشكل جزئي، الضرورة للجوء إلى الحلقة التالية المتمثلة باستبدال الليرة بالدولار!
فهل دعم الإنتاج الحقيقي مثلاً، الذي يدعم القيمة الشرائية لليرة، بعيد عن الهواجس الحكومية بما يخص منع الدولرة مثلاً، أم أن ذلك من ضمن حال الانفصال عن الواقع أيضاً؟!

مثال رقمي عن الخسارة المتوقعة

التفسير العملي لنسبة الـ50% أعلاه تعني مثلاً أن بيع عقار بقيمة رائجة تبلغ مليار ليرة بحسب مديريات المالية، يجب أن يسدد منها 500 مليون ليرة في الحساب المصرفي كي تستكمل عملية البيع حسب الأصول.
بالمقابل فإن ذلك يفرض على صاحب الحساب أن يتقيد بسقف السحب اليومي من حسابه والبالغ 25 مليون ليرة، أي عليه مراجعة المصرف يومياً، وخلال 20 يوم عمل فعلي، كي يتمكن من سحب كامل رصيده، أي شهر عملياً، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة لصاحب الحساب، وخاصة على مستوى متغيرات الأسعار في الأسواق الناجمة أساساً عن متغيرات سعر الصرف، أي الدولرة بحلقتها الأولى، المنسية رسمياً، كما سلف أعلاه، وغيرها من المؤثرات الكثيرة الأخرى، وذلك قد يشكل خسارة لصاحب الحساب!
فمن سيعوض على صاحب الحساب تلك الخسارات المتوقعة؟

مالنا علينا صدقة!

وبالحديث عن الخسارة ربما تجدر الإشارة إلى نسبة الضريبة المفروضة على عمليات البيوع العقارية، والبالغة 1% من القيمة الرائجة!
فحسب المثال أعلاه فإن ضريبة البيوع هي 10 ملايين ليرة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ألا تكفي هذه النسبة وتلك الضريبة على صاحب الحساب، كي يتم تكبيده بخسارة إضافية تتمثل باضطراره للانتظار شهراً كاملاً كي يتمكن من سحب رصيده، إن لم تتوج بخسارة مالية اقتراناً بالدولرة التي لا يد له بها؟!
أما أن يتم فسح المجال أمام صاحب الحساب للتقدم بطلب للمصرف المركزي من أجل سحب أمواله، كمنة حكومية استثنائية من ضمن «التسهيلات»، وقد يوافق أو لا يوافق عليه، فهو الاستجداء بعينه، وهو يشكل خسارة معنوية من الصعب تقييمها مالياً من كل بد، وينطبق عليه المثل القائل: «مالنا صار علينا صدقة»!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1108
آخر تعديل على الإثنين, 06 شباط/فبراير 2023 10:56