لا غذاء للمفقرين!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

لا غذاء للمفقرين!

تستمر الأسعار في تسجيل أرقامها القياسية، وخاصة للمواد والسلع الغذائية، التي لم تقف عن تسلق سلم الأسعار بشكل يومي، ومن دون أية مبررات وذرائع!

فاللحوم (البيضاء والحمراء) وبيض المائدة ارتفعت أسعارها، وكذلك الحليب ومشتقاته (الألبان والأجبان)، على الرغم من تراجع معدلات استهلاك هذه المواد!
فلا علاقة للارتفاعات السعرية على السلع الغذائية، وخاصة خلال الأسبوع الماضي، لا بمتغيرات سعر الصرف، ولا بنقص المعروض أو بزيادة الطلب، ولا بتكاليف النقل وسلاسل التوريد، بل ولا بتكاليف مدخلات الإنتاج، فجميع هذه العوامل كانت مستقرة نسبياً، وخاصة خلال الأسبوع الأخير، ما يسقط أية ذريعة لاستمرار الارتفاعات السعرية!
والأمر على هذا النحو لم يعد انفلاتاً سعرياً مرتبطاً بمعدلات الاستغلال المتزايدة وبانعدام الرقابة فقط، بل تجاوز ذلك وصولاً إلى الفوضى السعرية بشذوذها، ففي كل سوق هناك سعر، بل وفي كل محل، وتتفاوت درجات الاستغلال السعري بحسب السوق والوقت والزبون!
فهل لذلك علاقة بمضمون التعميم الأخير الصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الذي قيل إنه يصب بخانة تحرير الأسعار لمصلحة أصحاب الأرباح؟!

تصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع!

نُقل عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قوله إن سعر 800 ليرة للبيضة هو سعر قياسي ومستفز، لافتاً إلى أنه يتم العمل بالتعاون مع الجهات المعنية لتخفيض سعر الأعلاف ما سيخفض سعر البيض والفروج!
كذلك نُقل عن رئيس جمعية اللحامين قوله إن اللحوم بارتفاع دائم طالما أن هناك زيادة في أسعار الأعلاف والمحروقات، حيث وصل سعر طن الصويا إلى 8 ملايين ليرة وهناك أجرة مربين وتدفئة وغير ذلك، موضحاً أن دخل المواطن لا يسمح له بشراء اللحم، قائلاً: علماً أنني لا أراها مرتفعة لكن طبيعة الدخل في هذه المرحلة لا تتناسب مع الأسعار!
وقد كشف أحد أعضاء الجمعية الحرفية للألبان والأجبان في دمشق عن انخفاض استهلاك الألبان والأجبان والحليب بنسب كبيرة، مؤكّدا بأن 25% من الورش العاملة بهذا القطاع أغلقت أبوابها!

انعدام معدلات استهلاك المفقرين

التصريحات أعلاه، وبعيداً عن تفنيدها والرد عليها، تؤكد أن الارتفاعات السعرية على المواد والسلع الغذائية، المستمرة والجنونية، خفضت معدلات الاستهلاك لدى الغالبية المفقرة بشكل كبير، أكثر مما كانت عليه سابقاً!
فقد سبق أن تخلى المفقرون عن استهلاك اللحوم الحمراء بسبب سعرها المرتفع، وتبعها الآن لحوم الدجاج بعد أن وصل سعر الكيلو المذبوح إلى أكثر من 19 ألف ليرة، فيما تجاوز سعر كيلو شرحات الدجاج 28 ألف ليرة!
وحتى حصة البروتين الحيواني الذي كان تعويضاً غذائياً لهؤلاء المفقرين من خلال استهلاك بيض المائدة، ولو بالحدود الدنيا لهذا الاستهلاك، قد فقدوه الآن!
فالبيض المسلوق، أي بدون الحاجة لاستهلاك السمن معه، أصبح مكلفاً على الأسر المفقرة، بعد أن وصل سعر البيضة إلى 800 ليرة، فكيف للمفقرين أن يشتروها كي تعوض معدلات الاستهلاك الأسري من بروتينها؟
وكذلك الحال مع أسعار الألبان والأجبان ومعدلات استهلاكها التي انخفضت أكثر بكثير مما سبق!
فقد وصل سعر كيلو اللبنة إلى 20 ألف ليرة، والجبنة البلدية تجاوز سعرها 25 ألف ليرة، وكيلو اللبن الرائب تجاوز 3500 ليرة!
الخضار والحشائش لم تكن أحسن حالاً بالنسبة لأسعارها، فقد ارتفعت أسعارها أيضاً، وإن كان بنسب أقل، وقد أصبحت أسعار الخضار أعلى من أسعار بعض أنواع الفاكهة، وهذا لا يعني أن معدلات استهلاك الفاكهة ازدادت، بل يعني أن معدلات استهلاك الخضار انخفضت هي الأخرى بشكل مريع!
والبقوليات والمعلبات والبرغل والرز والسكر والطحينة والحلاوة و.. أصابها ما أصاب بقية الغذائيات من فوضى سعرية، مع مزيد من انخفاض معدلات استهلاكها!
فمن أين للمفقرين أن يؤمنوا حاجتهم وكفايتهم من السلع الغذائية في ظل هذا الجنون السعري منقطع النظير؟!

جرعة تفلت سعري إضافية!

التعميم الصادر مؤخراً عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والموجه إلى مديريات حماية المستهلك في المحافظات، والمتضمن متابعة الإعلان عن الأسعار في الأسواق وفق الفواتير التداولية التي تُحرر من المنتجين والمستوردين وتجار الجملة، واعتماد فواتيرهم أساساً في تحديد مبيع المستهلك وفق نسب الأرباح المحددة، مع وقف العمل بنشرة الأسعار رقم 7 حتى إشعار آخر، فسّره البعض على أنه تحرير رسمي للأسعار!
مع العلم أن سياسة تحرير الأسعار الرسمية قائمة ومستمرة، وخاصة منذ عام 2005 بالتوازي مع تبني جملة السياسات الليبرالية بنموذجها الشاذ والظالم، وصولاً إلى نتائجها التوحشية، وخاصة خلال السنين القليلة الماضية!
لكن سني الحرب والأزمة نفسها فرضت التعاطي مع سياسات التحرير السعري بشكل آخر له طابع المركزية مجدداً لبعض المواد والسلع الأساسية، لكن كان ذلك شكلاً دون أي مضمون أو نتائج ملموسة على مستوى ضبط الأسعار ومراقبتها حقيقة، وقد كانت ذرائع العقوبات والحصار فرصة لتكريس هذه الشكلانية من التعاطي مع نشرات الأسعار المركزية!
فالنشرات السعرية الصادرة عن الوزارة مركزياً، أو عن مديريات حماية المستهلك بشكل مكاني، تعتمد سلفاً على ما يقدمه المنتجون والمستوردون من تكاليف، لتضاف إليها هوامش الربح لكل حلقة تجارية، وصولاً إلى سعر المستهلك افتراضاً!
فلا جديد بالتالي مع مضمون التعميم الأخير الصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بما يخص سياسات التحرير السعري المعمول بها والمطبقة!
وربما الجديد بالتعميم هو استثماره من أجل تكريس الفوضى السعرية في الأسواق ليس إلا، خاصة بعد رفع آخر غطاء شكلي ورسمي يتمثل بنشرة الأسعار المركزية لبعض المواد والسلع الأساسية، وبما يحقق مزيداً من مصالح أصحاب الأرباح، وهو ما جرى على ما يبدو!
أي مزيد من التفلت مع مزيد من الفوضى ومزيد من النهب والإفقار، هي عناوين المرحلة المستمرة دون توقف، بالرعاية الرسمية!

مطالب أصحاب الأرباح بلا حدود!

وليس أدل على ما سبق من قول أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق بأن انعكاسات التعميم تحتاج فترة للظهور في السوق، فالتحسّن البسيط سيبدأ خلال أسبوعين، بينما سنلمس فرقاً ملحوظاً خلال 3 أشهر ريثما تصل البضائع الجديدة، ويعود المستوردون الذين اعتكفوا عن العمل خوفاً من العقوبات إلى مزاولة نشاطهم.
فالجرعة التي تضمنها تعميم الوزارة الأخير لا علاقة لها بسياسات التحرير السعري المشؤومة المعمول بها، بقدر علاقتها بتكريس الفوضى السعرية، مع مزيد من التفلت بالأسعار، وما على المستهلكين إلا إمهال أصحاب الأرباح المزيد من الوقت لجني المزيد من الأرباح!!
أكثر من ذلك، وبعد صدور التعميم الوزاري، طالب رئيس اتحاد غرف التجارة السورية بضرورة التوجه نحو اقتصاد السوق وتعديل بعض التشريعات الصادرة!
وكأن ما نحن فيه ليس اقتصاد السوق، والتشريعات والسياسات المعمول بها ليست كافية بالنسبة لأصحاب الأرباح!؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1106
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون2/يناير 2023 11:22