السوريون.. من قسوة البرد إلى الاختناق بالغازات السامة!

السوريون.. من قسوة البرد إلى الاختناق بالغازات السامة!

يعاني السوريون من البرد في هذه الفترة من العام، من المسماة «مربعانية الشتاء» وهي أشد الأيام برودةً وزمهريراً، وذلك في ظل انعدام وسائل التدفئة، الآمنة وغير الآمنة!

فسعر لتر المازوت– وخصوصاً بعد رفع الأسعار الأخير– قد أصبح يباع بحدود 10,000 ليرة للتر الواحد في السوق السوداء، علماً أن سعر اللتر المدعوم يبلغ 700 ليرة بعد الزيادة الأخيرة على السعر رسمياً.
ولكن الحكومة المبجلة تقوم بتحديد كمية المخصصات من مادة مازوت التدفئة لمستحقي الدعم، وتقوم بوضع سعر أقل من التكلفة كـ «دعم»، وتقوم بكافة الإجراءات اللازمة التي تُعبر من خلالها عن قيامها بجزء من دورها المفترض تجاه المجتمع، باستثناء الإجراء الأخير، وهو توزيع المادة لكافة مستحقي الدعم فعلياً، وبوقت الحاجة لها!
علماً أن المخصصات التي حددتها الحكومة بـ100 لتر، توزع على دفعتين للعائلات المستحقة خلال فترة الشتاء، وبغض النظر عن انخفاض الكمية إلى هذا الحد نتيجة سياسات تخفيض الدعم الظالمة والجائرة، يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن بعض العائلات لم تستلم مخصصاتها للعام الماضي حتى الآن، ما يجعل من إمكانية تسليم مخصصات الشتاء الحالي لكافة المستحقين أمراً شبه مستحيل، في ظل الاستمرار بنفس آليات العمل المتبعة من قبل حكومتنا العتيدة، وبالتالي، فإن خيار التدفئة عبر مدافئ المازوت بات أمراً منسياً، وغير قابل للتطبيق بالنسبة للغالبية المفقرة من السوريين!

الخيار المستحيل

من الاستحالة على المفقرين الاعتماد على مازوت السوق السوداء وبأسعارها من أجل التدفئة، وبحسبة بسيطة يتضح هذا الأمر!
فعلى افتراض أن الأسرة الواحدة بحاجة إلى 5 لترات مازوت يومياً، أي حوالي 150 لتراً بالشهر، وخلال فترة الشتاء الممتدة لأربعة أشهر، فإن احتياجات الأسرة من مادة المازوت للتدفئة تقدر بحوالي 600 لتر، وتقدر تكلفتها بأسعار السوق السوداء بحوالي 6,000,000 ليرة خلال الشهور الأربعة، ما يعني أن الأسرة بحاجة إلى 1,500,000 ليرة شهرياً من أجل التدفئة فقط!
ولكم أن تتخيلوا ذلك المبلغ الكبير بالمقارنة مع الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 92,790 ليرة، لتبيان استحالة إمكانية اللجوء إلى خيار التدفئة بالمازوت بالنسبة للغالبية المفقرة من السوريين!

البدائل المحدودة المكلفة والخطرة

لا يكفي أن تقديرات الحكومة والمعنيين هي تقديرات لا تمت للواقع بأية صلة على مستوى السياسات إلّا أن إبداع الحكومة يمتد إلى أبعد من ذلك على مستوى المخصصات من المواد المدعومة، والتي يتم قضمها تباعاً، كماً وسعراً!
فحتى الـ 100 لتر من مازوت للتدفئة المخصصة للمستحقين، على قلتها، لا يتم تسليمها كاملة لجميع هؤلاء، بوقتها وعند الحاجة لها، إضافة إلى ذلك فإن بدائل التدفئة غير متوفرة أيضاً!
فالكهرباء أصبحت معدومة بالمطلق، وفي أحسن الأحوال يكون التقنين نصف ساعة وصل، مقابل عشر ساعات قطع، ما يقوض أية فرصة للتدفئة من خلال المدافئ الكهربائية.
وهذا ما يدفع البعض إلى اللجوء لمدافئ الحطب، ولكن حتى الحطب، وبالرغم من خطورته وأضراره، هو خيار متاح لبعض الأسر فقط، فسعر الكيلو يتراوح بين 1500– 3500 تبعاً لنوعيته، ومكان تواجده، ما يجعله أيضاً من الخيارات المستحيلة للمفقرين!
هذا الأمر الذي يدفع الغالبية المفقرة مرة أخرى إلى اللجوء لحرق كل ما يمكن حرقه في المدفئة من أجل الحصول على بعد اللحظات من الدفء، إلّا أن مقابل هذه اللحظات توجد ساعات طويلة من الأمراض والآفات التي يسببها حرق النايلون والدواليب والأحذية القديمة، وكل شيء بلاستيكي قابل للاحتراق!
إن هذه الوسيلة التي بات المفقرون يلجؤون لها بحثاً عن الدفء، تجعلهم ينتقلون من معاناة البرد القارص إلى معاناة أكثر فتكاً، وما يتبعها من أمراض قد تصاحبهم مدى الحياة، بل يمكن أن تهدد حياتهم، المهددة أساساً بالموت نتيجة قسوة وبشاعة الظروف المعيشية، وذلك بسبب ما يخلفه احتراق هذه المواد من غازات سامة وخطيرة وقاتلة، وأهم هذه الغازات هو غاز أحادي الكربون وما يسببه من أعراض خطيرة، من سعال وصداع وغثيان وتعب عام، وقد يصل الأمر إلى الموت المفاجئ أثناء النوم!

شهادة صحية

في زيارة إلى أحد المراكز الصحية التابعة للقطاع الخاص، والموجودة في منطقة الزاهرة في دمشق، وضح لنا الطبيب- رئيس المركز- انتشار هذا الأسلوب غير الصحي من التدفئة بشكل كبير في المنطقة، وبأن معظم المتأثرين بنتائجه هم من الأطفال والرضع والمسنين، إضافة إلى ذلك فإن المركز أصبح ممتلئاً بالكامل بالأطفال الذين تعرضوا للغازات السامة، التي تهاجم الجهاز التنفسي بشكل مباشر، وحتى أن المركز أصبح غير قادر على استقبال المزيد من الأطفال المتأثرين بسموم الغازات الخانقة، ما جعل رئيس المركز يضطر إلى فتح غرف إضافية للأطفال على حساب المرضى الآخرين، التي تعتبر حالتهم الصحية أقل خطراً!

المفقرون والسياسات الظالمة

المركز الصحي الخاص في منطقة مكتظة بالمفقرين كالمثال أعلاه، يمكن تعميمه بسهولة، ليس على مستوى بقية المراكز الصحية العامة والخاصة فقط، بل وعلى كل مناطق الفقر في البلاد، التي يضطر فيها المفقرون للجوء إلى أية وسيلة لتدفئة عظام أطفالهم، خلال أيام البرد القارس!
فالغالبية المفقرة لا يتم استغلالها ونهبها معيشياً وخدمياً فقط، بل يتم دفعها نحو الموت البطيء والسريع، بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال سد منافذ الحياة بالنسبة لها تباعاً، وما يفرض عليها من خيارات اضطرارية كارثية!
وكل ذلك يعيدنا مجدداً إلى الحكومة وسياساتها الظالمة بحق الغالبية المفقرة في البلاد، فالتخلي الحكومي عن الدور المفترض للدولة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، هو السبب الرئيسي لما وصلت إليه حال هذه الغالبية من بؤس كارثي على مستوى معيشتها وخدماتها، وصولاً إلى حال العوز والجوع، والمرض المؤدي إلى الموت!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105