مزيد من الانهيار لمصلحة حيتان الاستيراد
نادين عيد نادين عيد

مزيد من الانهيار لمصلحة حيتان الاستيراد

لا يسعنا القول سوى أن قطاع الدواجن كغيره من القطاعات الإنتاجية في البلاد يميل نحو المزيد من الانهيار، ولا جديد على المستوى الحكومي يمكن أن يقدمونه لتبرئة أنفسهم، إلا برمي جميع موبقاتهم التي ألحقوها بالقطاع الإنتاجي على العقوبات والحصار...إلخ، أي جملة الحجج التي حفظوها، وبات يعلم المواطن أنها شماعة تعلق عليها جميع الأوزار الحكومية.

يعاني قطاع الدواجن العديد من المشاكل المتروكة بلا حل ينتشل منتجيه، والتي تتسبب بسلسلة ارتفاعات تكاليف الإنتاج بشكل متكرر، أدت في نهاية المطاف إلى خروج أعداد كبيرة من منتجي الفروج من حلقة الإنتاج، وبحسب أخر التصريحات للمؤسسة العامة للدواجن، فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج تسبب بخروج 70% من مربي الفروج في القطاع الخاص.

تصريحات وواقع مؤلم

يتحدث نائب مدير المؤسسة العامة للدواجن عن واقع مربي الدواجن وخسارتهم المتكررة، نتيجة اختلال معادلة الأرباح، التي يجب أن تعوض تكاليف الإنتاج الملقاة على عاتقهم.
حيث أكد «أن عدد من مربي الدواجن تخلوا عن تربية كمية كبيرة من «الصوص» بسبب عدم القدرة على تأمين مستلزمات تربيته من أعلاف ومحروقات. مكملاً، أنّ الصوص يُباع بسعر 500 ل. س بينما تقدّر كلفته الحقيقية أكثر من 2500 ليرة، مضيفاً، أن البيضة الواحدة تحتاج بمقدار 600 ليرة من الأعلاف، بينما تباع بـ 530 ليرة، وتربية الفروج تحتاج 4 كغ من الأعلاف بكلفة 20 ليرة، وليتراً واحداً من مادة المازوت بكلفة 700 ليرة، مع الأخذ بالاعتبار أنّ هذه التكلفة وفق السعر المدعوم، وأن آخر كمية محروقات سلمت لمربي القطاع بالسعر المدعوم منذ شهر ونصف.
مبيناً، أن الأعلاف مستوردة بالكامل، وتقدر كمية الذرة المستوردة بمليون و600 ألف طن، بالإضافة إلى 800 ألف طن من مادة الصويا، والذي يحكم سعرها ارتفاع أجور النقل، والتحويلات المالية للبنوك الأوربية، مؤكداً، أنّ عدة شحنات من المادة تمّ دفع نفقاتها أكثر من مرة من أجل تأمينها”.
ويرى، أن المربي خاسر، والقدرة الشرائية للمستهلك منخفضة بالتالي، المعادلة غير متوازنة بين الشراء والتكلفة العادلّة للطرفين، بتحقيق هامش ربح مقبول للمربين، وعرضها بسعر مقبول على المستهلك، مضيفاً، في الأيام القادمة، وتحديداً مع الشهور الأولى من العام الجديد، أنّ كمية العرض من الدواجن ستكون أقل وسترتفع أسعارها».

معاناة المربي

لخص نائب مدير المؤسسة جزءاً من معاناة المربين، والحقيقة، أن المربي يتحمل على عاتقه العملية الإنتاجية بشكل شبه الكامل، وفي نهاية حلقة الإنتاج، أي المبيع، يربح المزيد من الخسارة، خصوصاً، أن القدرة الشرائية للمواطنين أصبحت بالحضيض، فالأجور لا تتناسب مع تكاليف المعيشة، وبالتالي انخفض الطلب على مادة الفروج والعديد من المواد التي نسقها المواطن من سلة استهلاكه، وكل ذلك يرجع لسياسات رفع الدعم المتتالي عن القطاعات الإنتاجية، والذي أدى إلى خروج 70% من مربي الدواجن من العملية الإنتاجية، من صغار ومتوسطي مربي الدواجن، ولم يبق في ساحة الإنتاج سوى محتكري القطاع من كبار المنتجين.
وما تقدمه المؤسسة من أعلاف مدعومة لا يغطي إلا جزءاً يسيراً من عملية الإنتاج، والحقيقة، أن المربي يلجأ إلى تجار السوق السوداء لتأمين الجزء الأكبر من الأعلاف بأسعارها المرتفعة، والمتحكم بها من قبل تجار الفساد الأسود، بعدما تخلت مؤسسة الأعلاف عن دورها كاملاً «استيراداً ومبيعاً وتسعيراً وتوزيعاً»، والتي يرتفع سعرها من يوم لآخر، تبعاً لتغييرات سعر الصرف، كونها مستوردة وبالقطع الأجنبي، وتشكل الأعلاف 80% من تكاليف عملية الإنتاج.
بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتأمين حوامل طاقة من «مازوت وفحم حجري في ظل غياب المحروقات المدعومة حكومياً، وكنتيجة لانعدام الكهرباء»، ومن نافل القول: إن أزمة المحروقات الحالية أدت إلى ارتفاع أسعار المحروقات في السوق السوداء إلى أرقام خيالية، فسعر ليتر المازوت يقارب 12 ألف، والبنزين بـ 15ألف، وهذا كفيل بارتفاع تكاليف الإنتاج، نتيجة الحاجة للمحروقات في عملية التدفئة وتشغيل المولدات والنقل.

الحلول بين الحجج والواقع الممكن

بعيداً عن التصريحات الرسمية عن تراجع الإنتاج ومسبباته ومبررات الحاجة الملحة إلى عمليات الاستيراد، وبعيداً عن تخلي السورية للتجارة عن دورها الفعلي بشراء وتخزين فائض المنتجات لتحقيق التوازن بين حجم الإنتاج والاستهلاك المحلي، وتخلي مؤسسة الدواجن عن دورها في عملية استيراد المواد العلفية، وتوزيعها ومبيعها وتسعيرها لصالح حيتان الاستيراد والفساد، فقد أثبت الواقع أن إمكانية تفعيل الإنتاج محلياً ممكنة، بالقليل من الإرادة الحكومية نحو تفضيل مصلحة المواطن المنتج والمستهلك على مصالح قوى النهب والفساد المستتر ورائها، والواقع العملي الذي نتحدث عنه موسم زراعة الذرة الحالي، والذي أنتج وفق تقديرات رسمية 500 ألف طن من الذرة، بالإضافة لمجموع خضري يقدر بنحو مليون و500 ألف طن، وبحسب التقديرات الرسمية فإنه يغطي بين 70 –80% من المادة العلفية اللازمة لتغذية قطعان الثروة الحيوانية، والمساحات المزروعة تقدر بنصف المساحات التي كانت تزرع قبل سنوات الأزمة، وعلى الرغم من ذلك كان إنتاجها وفيراً بشكل كبير، إذا ما قُورِن بحجم الإنتاج خلال تلك السنوات، والذي بلغ 100 ألف طن حينها...
لكن هذا الإنتاج الكبير والمفاجئ، كتب عليه أن يوضع في طريق منتجيه العديد من العقبات التعجيزية، وأهمها: كان شرط استلام كميات الذرة مجففة حصراً، علماً أن عدد المجففات المتوفرة قليل في محافظات زراعتها، بالإضافة لسعر التسويق غير المجزي..
وهنا نريد الإشارة إلى أن هذا الموسم الوفير ربما لن يتكرر وفقاً للشروط التعجيزية التي كانت عبرة وعظة للمزارعين، وهذا إن دل على شيء، يدل على حجم التعطيل لمصلحة قوى الفساد التي تعتاش على عمليات الاستيراد والنهب والهوامش الربحية الكبيرة، التي تدفعها جيوب المواطنين المنهوبين...إلخ، وما يؤكد ذلك تصريح نائب مدير مؤسسة الأعلاف، الذي ذكر خلاله، أن الأعلاف مستوردة بشكل كامل، وأن الذي يحكم سعرها ارتفاع أجور النقل والتحويلات المالية للبنوك الأوروبية، مؤكداً أنّ عدة شحنات من المادة تمّ دفع نفقاتها أكثر من مرة من أجل تأمينها...
فلماذا كل ذلك الارتباط العميق بحجم التعاملات المالية مع البنوك الأوروبية طالما أننا من الدول المعاقبة، والتي تعاني ويلات الحصار، ولماذا التعامل الحصري بالدولار؟!
ولماذا لا يتم تعميق وتوثيق الاستيراد من الدول الصديقة وبالعملات المحلية، التي تجنبنا تحمل تكاليف وهوامش إضافية لدفع نفقات تأمين أياً تكن المادة المستوردة؟!
إن كل تلك الأسئلة، إجابتها بسيطة وبات عموم المواطنين على عِلمٍ بها، فكبار المتنفذين على عمليات الاستيراد والتصدير يعتاشون على عمليات الاستيراد القائمة بالشكل الحالي، وبعلاقتها بالدولار، وإن أي تغير ببوصلة الاستيراد نحو الدول الصديقة وبالعملات المحلية، يعني ضرباً لمصالح زيادة أرباحهم، التي ينهبوها من جيوب المواطنين المفقرين، وعلى حساب ضرب الإنتاج الوطني، وتغييب المصلحة الوطنية العليا...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1102