خطوة جديدة نحو خصخصة قطاع المحروقات
كانت أزمة المشتقات النفطية المستمرة والمتفاقمة مبرراً للسير خطوة جديدة نحو خصخصة قطاع المحروقات بشكل رسمي، فقد صدر قرار عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 5/12/2022 يقضي بالسماح لشركة B.S الخاصة ببيع مادتي (المازوت- البنزين) بحسب الأسعار المدرجة بمتنه.
القرار بحيثياته استند إلى كتاب رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 1/12/2022، وإلى كتاب وزارة النفط والثروة المعدنية بتاريخ 4/12/2022، وإلى محضر اجتماع تم عقده في وزارة النفط، وقد كانت الأسعار المعتمدة بمتنه على الشكل التالي: 5400 لليتر المازوت التجاري والصناعي، 4900 لليتر البنزين.
كسر احتكار الدولة للقطاع
البدء بعمليات بيع بعض المشتقات النفطية من قبل شركة خاصة، أياً كانت هذه الشركة، يعني كسر حال (الاحتكار والحصر والتقييد) على مستوى التسويق والتوزيع والبيع لهذه المشتقات، والتي تعتبر شركة «سادكوب» الحكومية هي المخولة الوحيدة بها بحسب مهامها وفقاً لمرسوم إحداثها، ويعني خطوة إضافية جديدة في التخلي الرسمي عن قطاع اقتصادي وخدمي هام، بل وسيادي!
إن خطوة الخصخصة الجديدة أعلاه على مستوى كسر حال احتكار إحدى الجهات الحكومية لقطاع المحروقات لم تكن الأولى، فقد سبقتها خطوة تمثلت بفسح المجال أمام القطاع الخاص لاستيراد المشتقات النفطية بذريعة العقوبات والحصار، أي كسر حال احتكار شركة النفط الحكومية المخولة بذلك رسمياً!
فحال الحصرية والتقييد والاحتكار للدولة في قطاع المحروقات تم كسرها حتى الآن بحلقة التوريد وحلقة البيع والتوزيع لمصلحة القطاع الخاص، وهما الحلقتان اللتان تحققان عوائد ربحية كبيرة ومضمونة، وخاصة في ظل الأزمة مع ذرائع العقوبات والحصار، ولم يبق إلا حلقة التكرير كحلقة وسيطة بين التوريد والتوزيع والبيع، لكنها مكلفة وغير مربحة بالنسبة للقطاع الخاص على ما يبدو، لذلك ما زالت بيد الدولة، وبالحد الأدنى في هذه المرحلة!
التأخير لا ينفي تأكيد مسيرة الخصخصة
تباينت الآراء حول مضمون القرار من قبل المواطنين والفعاليات الاقتصادية والخدمية وعبر وسائل الإعلام، حول التسعير وآليات البيع والتوزيع والكميات المتاحة من المشتقات النفطية التي ستوفرها الشركة الخاصة عبر المحطات المستثمرة من قبلها!
وقد أعقب القرار توضيح من قبل الوزارة بنفس التاريخ يقول: «لم يتم رفع أسعار المازوت أو البنزين على الإطلاق. لكن الحكومة استطاعت تأمين كميات إضافية مستوردة وطرحتها بناء على الكلفة لكي ترفد ما هو موجود في ظل نقص المشتقات النفطية الحالي».
كما تم الإعلان من قبل الشركة الخاصة أعلاه عن أسماء المحطات المخصصة لديها لبيع مادتي المازوت والبنزين في بعض المحافظات.
ونقلاً عن مصدر حكومي لصحيفة الوطن بتاريخ 8/12/2022 ورد التالي: «تأجيل بيع المشتقات النفطية من خلال المحطات الخاصة التي استثمرتها شركة BS إلى موعد غير محدد نتيجة عدم توفر ما يكفي من مواد وتبقى الأولوية في الوقت الراهن للمرافق العامة الأساسية لاستمرار عملها وتقديم خدماتها للمواطنين وللمنشآت الصناعية لضمان استمرار الإنتاج».
التوضيح الرسمي أعلاه، بالتوازي مع مضمون إعلان الشركة، ثم الإعلان الرسمي عن تأجيل البيع، يوضح التالي:
جاهزية الشركة الخاصة واستعدادها المسبق على مستوى توفير بعض المشتقات النفطية، وإعدادها المسبق لاتفاقات استثمار بعض المحطات في بعض المحافظات، ليتضح أن الأمر مبيت ومتفق عليه رسمياً منذ حين، وليس ابن ساعته ولضرورات المرحلة فقط!
إن حال الشراكة بين الحكومة والخاص بهذا القطاع هي في أحسن حالاتها من وحدة الحال، فلا فرق بين ما يتم توريده من مشتقات من قبل الدولة أو من قبل القطاع الخاص، وكذلك لا فرق على مستوى عمليات التسويق والتوزيع والبيع!
إن قرار تأجيل البيع من قبل الشركة الخاصة لن يقدم أو يؤخر بشيء بعد ضمان خطوة الخصخصة الجديدة رسمياً، اللهم باستثناء مساعي توسيع قاعدة القبول بهذه الخطوة في ظل استمرار الأزمة وتفاقمها، ولتبدو بالنتيجة وكأنها تحقيقاً لمطالب المواطنين والفعاليات الاقتصادية، مع استمرار ارتفاع الأسعار في السوق السوداء طبعاً.
ماذا عن التسعير وما تبقّى من الدعم؟
إن اعتماد الأسعار أعلاه لتوريدات الشركة الخاصة من المشتقات النفطية على أنها أسعار التكلفة، والموازية للأسعار العالمية، ثم الإعلان عن وقف البيع من خلالها وبأسعارها، كان سبباً إضافياً لزيادة أسعار هذه المشتقات في السوق السوداء مباشرة، كون الأزمة على هذه المشتقات مستمرة بالتفاقم.
وهذه الأسعار نفسها ربما ستكون مهمازاً وذريعة جديدة لزيادة الأسعار الرسمية للمشتقات النفطية (مازوت- بنزين- غاز) لاحقاً، سواء للحر أو للمدعوم منها، بغض النظر عن النفي الحالي لذلك، وكذلك ربما تكون ذريعة لاستكمال إجراءات تخفيض الدعم على هذه المشتقات، كماً وسعراً ومواعيد توزيع للمخصصات، بما يتوافق مع سياسات تخفيض الدعم نحو إنهائه كلياً!
فخطوات الخصخصة المتتابعة لقطاع المحروقات توريداً وتوزيعاً وبيعاً يعني إبعاد الدولة تباعاً عن هذا القطاع، سيراً نحو التخلي النهائي عنه، وبالتالي من المفروغ منه أنّ ما تبقى من الدعم سيتم إنهاؤه!
مزيد من هوامش الربح المضمونة
خطوة الخصخصة الجديدة أعلاه تعني ضمان مزيد من الأرباح لمصلحة القطاع الخاص، فالهوامش الربحية الكبيرة والمضمونة جرّاء عمليات التوريد، والمقتطعة من حصة أرباح شركة النفط الحكومية افتراضاً، والمتزايدة بذريعة العقوبات والحصار، ستتم زيادتها بهوامش جديدة وكبيرة من خلال عمليات التسويق والتوزيع والبيع، أي اقتطاع جزء إضافي من أرباح شركة محروقات الحكومية لمصلحة أصحاب الأرباح من القطاع الخاص.
ومع استمرار مسيرة الخصخصة بهذا القطاع وتوسيعها، في ظل استمرار الذرائع والمبررات التي تدفع بدور الدولة خارجاً عنه، ستزداد حصة أصحاب الأرباح، وهو المطلوب طبعاً بالتوافق مع جملة السياسات الليبرالية المتبعة والمطبقة!
تحت رحمة اصحاب الأرباح
مسيرة الخصخصة المتبعة والمعممة والمستمرة على بعض القطاعات الحيوية والهامة، وخاصة ذات الربحية العالية والمضمونة، كانت قد بدأت بقطاع الاتصالات، وقد وصلت الآن إلى قطاع حوامل الطاقة بشقيها، الكهرباء والمشتقات النفطية، توريداً وإنتاجاً وبيعاً، مع الكثير من أمثلة الخصخصة الأخرى في بعض القطاعات الأخرى، أو لجهات حكومية مختلفة، ضمن مسيرة التخلي المتتابع عن دور الدولة المفترض.
ولن نخوض في التداعيات والنتائج على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي جرّاء هذا التخلي المتتابع، فقد أصبح جلياً وواضحاً، كما أصبح جلياً أن جملة السياسات الليبرالية المتبعة تدفع نحو المزيد من الارتهان والوصاية لمصلحة أصحاب الأرباح، فقد أصبح واقع حال البلاد والعباد تحت رحمة هؤلاء، بغض النظر عن النتائج الكارثية لذلك على كل المستويات، بما في ذلك على حساب المصلحة الوطنية.
أسئلة مشروعة لا بد من طرحها!
المجهول في الأمر حتى الآن هو كيف تتم عملية تمويل توريد المشتقات النفطية أو النفط الخام من قبل الشركة الخاصة بالقطع الدولاري اللازم والكافي لعمليات الاستيراد المكلفة؟!
فهل هي ممولة من الدولة أو من قبل الشركة الخاصة؟
لكن على ما يبدو من مضمون الشراكة ووحدة الحال أنه لا فرق أيضاً بين الحكومة والشركة الخاصة بعمليات تمويل الاستيراد من قبل الدولة!
فالتصريحات الرسمية تقول إن المشتقات النفطية من أولويات التمويل من قبل المصرف المركزي!
وكيف يتمكن القطاع الخاص من توريد المشتقات النفطية والنفط الخام، ومن أين، في ظل ذرائع العقوبات والأزمة، مع استمرار ذرائع الصعوبات من قبل الحكومة، التي بدت شبه عاجزة عن ذلك؟!
ولعل الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير سقطت في مهب مسيرة الخصخصة المظفرة حتى الآن!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1100