وزارة الزراعة.. دفاعاً عن السوق ومحاباة للقائمين عليه!
تستمر معاناة المزارعين عاماً بعد آخر، وخاصة على مستوى تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، من أسمدة ومبيدات وأدوية و..، والتي تكرّست وتزايدت بسبب تراجع دور الدولة على مستوى تأمينها، بالتوازي مع آليات تخفيض الدعم التي طالتها (كمّاً وسعراً)، والنتيجة اضطرار المزارعين لتأمين هذه المستلزمات من خلال السوق بآلياته التحكمية والاستغلالية، سعراً ومواصفة وتوقيتاً، ولمصلحة القائمين عليه!
لكن تكريس هذا التراجع الرسمي، بالتوازي مع الدفاع عن السوق بآلياته الاستغلالية، يعتبر فارقاً نوعياً جديداً على المستوى الرسمي!
تعريف جديد للسوق السوداء لرفع التهمة عن القائمين عليه!
بحسب الموقع الرسمي لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بتاريخ 18/11/2022، وتحت عنوان: «وزارة الزراعة: أولويات بيع السماد للمحاصيل الإستراتيجية والرئيسية حسب المتاح.. ولا يتم حرمان أي محصول.. والقطاع الخاص شريك في تأمين مستلزمات الإنتاج»، ورد التالي: «إن الأسمدة متاحة في الأسواق استيراداً نظامياً، وما يقال «سوق سوداء» غير صحيح لأن السوق السوداء تطلق على المواد المهربة، في حين السماد الموجود في السوق مستورد بشكل نظامي ويباع بسعر التكلفة مع هامش ربح».
التعريف الجديد للسوق السوداء أعلاه هو أكثر من قفز على الواقع والوقائع، بل فيه دفاع عن هذه السوق بآلياتها الاستغلالية، مع مساعي لإسكات المتضررين من هذه الآليات، أي المزارعين، الذين يدفعون ضريبة تراجع الدولة وضريبة الاضطرار للجوء إلى السوق بآلياته الاستغلالية، ومنعاً من إدانة القائمين على هذه السوق!
فهل هذا دور جديد لوزارة الزراعة، ومهمة مستجدة بعهدتها؟!
وعن أية أسعار تكلفة وهوامش ربح يتم الحديث هنا بما يخص الأسمدة بعد إنهاء الدعم عنها وتحرير سعرها رسمياً؟!
تقاسم أدوار شكلي على حساب المزارعين
بحسب تتمة ما ورد على موقع وزارة الزراعة: «تعمل وزارة الزراعة على وضع الخطة الإنتاجية الزراعية وتحدد من خلالها المساحات المخطط زراعتها واحتياجاتها من كافة مستلزمات الإنتاج ومنها مادة السماد، ويتم تحديد الكميات التي ستعمل الحكومة على تأمينها والكميات التي يجب تأمينها من القطاع الخاص.. تعمل الوزارة على تحديد أولويات بيع السماد للمحاصيل الإستراتيجية والرئيسية حسب الكميات التي تمكنت من تأمينها، وفي هذا العام تم إعطاء الأولوية حالياً لمحصول القمح بعد أن تم توفير الدفعة الأولى من احتياجاته وتستمر الحكومة بالتزاماتها لتوفير باقي الاحتياج ضمن القدرة على توفيرها في ظل الحصار، كما عملت الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة على وضع كافة التسهيلات اللازمة أمام القطاع الخاص للقيام بدوره في استيراد الأسمدة وإتاحتها في السوق وتحقيق التنافسية للحد من ارتفاع الأسعار، والحكومة ملتزمة بتأمين الأسمدة للقطاع الزراعي ضمن المتاح».
الكلام العام أعلاه يشير بداية إلى تقاسم الأدوار بين الوزارة والقائمين على السوق من القطاع الخاص، بما يخص تأمين مستلزمات الإنتاج عموماً والسماد خصوصاً، مع التمهيد المسبق حول الأولويات والكميات بالنسبة للوزارة بما يخص المحاصيل الإستراتيجية فقط بحسب الإمكانات المتاحة!
بمعنى أكثر وضوحاً فإن الوزارة تخلي مسؤوليتها تجاه تنفيذ خطتها الزراعية نفسها، وليس تجاه المزارعين فقط، بما في ذلك ضمناً ما يخص مستلزمات إنتاج المحاصيل الإستراتيجية، وذريعة الحصار حاضرة طبعاً!
فعبارات مثل: «حسب الكميات التي تمكنت من تأمينها»، «تستمر الحكومة بالتزاماتها لتوفير باقي الاحتياج ضمن القدرة على توفيرها»، «الحكومة ملتزمة بتأمين الأسمدة للقطاع الزراعي ضمن المتاح»، هي عبارات للتهرب من المسؤولية، ولتكريس تراجع دور الدولة بما يخص الإنتاج الزراعي ومستلزماته وخططه!
استكمال التخلي عن المهام والواجبات
الوزارة وفقاً لكل ما سبق أعلاه لم تكتفِ بموقف المدافع عن السوق ونفي التهمة عن القائمين عليه، بما يخص عوامل التحكم والاستغلال والاحتكار، رداً على المزارعين المكتوين بنار هذه السوق والمتحكمين به، بل وبكل وضوح تعلن استكمال التخلي الرسمي عن مهامها ومسؤولياتها تجاه الإنتاج الزراعي والخطط الزراعية التي تضعها وتعتمدها، بما في ذلك ما يخص خطط المحاصيل الإستراتيجية، التي يدخل بعضها في حسابات الأمن الغذائي للمواطنين!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1097