استيراد وتصدير على حساب خسارة المزارع!
يتلازم في كل عام وفي ذات التوقيت، فتح باب الاستيراد لمادة الموز توازياً مع فترة تسويق موسم الحمضيات.
وبغض النظر عن حيثيات وتفاصيل قرار الاستيراد الحالي، وما فرضه على مستوردي المادة من ضميمة «لصالح دعم موسم الحمضيات» كمحاولة لتغطية الحكومة على الأثر السلبي لتلك العملية على موسم الحمضيات، يبقى المزارع في نهاية المطاف الطرف الخاسر ضمن معادلة لا يمكن أن يتساوى طرفاها، ولا يمكن ألّا ترجح كفتها وفق الوقائع سوى لمصلحة شريحة النهب والفساد والقائمين على عمليات التسويق والاستيراد والتصدير...
قرار الاستيراد وما الجديد؟!
لقد تمت الموافقة، كما كل عام، على مقترح وزارتي الاقتصاد والتجارة الخارجية والزراعة والإصلاح الزراعي، بالسماح باستيراد مادة الموز اللبناني، وبكمية 40 ألف طن، وذلك حتى شهر نيسان للعام 2023، على ألّا تتجاوز كل موافقة استيراد كمية 500 طن، ولا يتم منح موافقة أخرى لطالب الاستيراد قبل تخليص الموافقة السابقة الممنوحة له.
الجديد في الأمر، هو ما رشح عبر صحيفة الوطن بتاريخ 15/11/2022 بأن: «هناك دراسة تم إعدادها ما بين وزارتي الاقتصاد والتجارة الخارجية، والزراعة لرفع السعر الاسترشادي للموز المستورد، بحيث يصل إلى الأسواق بسعر للكيلو الواحد يوازي ثلاثة كيلو من الحمضيات السورية، وذلك بهدف استمرار الدعم للحمضيات الذي بدأ مبكراً هذا العام، من خلال عدة قرارات، ومنها: توفير نقله مجاناً، ودعم تصديره من خلال حسومات كبيرة على أجور النقل، وذلك دعماً للمزارع السوري والموسم الجيد من الحمضيات».
بالإضافة إلى «تسديد مبلغ «ضميمة» على مستوردات الموز يذهب لدعم موسم الحمضيات، بحيث لا يتأثر المزارع السوري بفتح باب استيراد هذه المادة المطلوبة في الأسواق، والتي يجب أن تتوفر بسعر مقبول دون أن تكون منافسة للحمضيات المنتجة محلياً».
القرار والدراسة يبدو خلالهما وكأن محصول الحمضيات مدعوم أصلاً، مع استفاقة حكومية متأخرة حول عدم تأثر المزارع بعملية الاستيراد!
ولا ندري إن كان رفع السعر الاسترشادي للموز سيحقق غاية عدم المنافسة مع الحمضيات، لكنه من كل بد سينعكس على سعر الموز بالنسبة للمستهلك بالنتيجة!
بالمقابل، فإن الإجراءات المذكورة أعلاه تعني، بشكل أو بآخر، أن الجهات المعنية على علم طيلة السنوات السابقة بأن فتح باب استيراد الموز بالتوازي مع موسم تسويق الحمضيات يضر المزارع بالدرجة الأولى، من الناحيتين التنافسية والتسويقية، كما أصبح من البديهي مع تكرار هذا السيناريو السنوي أنه إجراء مقصود، والهدف منه ضرب الموسم التسويقي لمزارعي الحمضيات، ووضعهم ضمن خانة العجز، ليسهل التحكم بالأسعار من قبل تجار أسواق الهال وسماسرة التصدير...
فضمن توصيات وزارة الزراعة لتسويق الموسم، لم يتم التطرق لأي إجراء جديد من شأنه أن يحسن من وضع المزارع، ويعوض له خسارته الناجمة عن فقدانه للدعم الزراعي!
الموسم خاسر بامتياز
المشكلة الحقيقية، أن المزارع بالأصل فقد كافة أشكال الدعم الحكومي، سواء خلال عملية الإنتاج أو خلال عملية التسويق، بدءاً من تأمين الأسمدة والمبيدات والمحروقات من أجل عمليات السقاية عبر السوق السوداء بانفلات أسعارها، وصولاً إلى عمليات التسويق والتصدير المتحكم بها سعراً وكماً من قبل حيتان أصحاب الأرباح (تجار أسواق الهال والمصدرين).
فالدعم الحكومي لم يعد يغطي سوى جزء بسيط من هذه العملية، هذا إن وصل منه شيء للمزارع، وليأخذ ضربته الثانية أثناء عملية التسعير الحكومي لتسويق منتجاته، التي لا تتساوى مع تكلفته بظل انفلات الأسعار في السوق السوداء على مستلزمات إنتاجه، ناهيك عن ضعف قنوات التسويق الحكومي لمحصوله داخلياً!
فلا جديد يذكر ضمن الإجراءات الوزارية لتسويق موسم الحمضيات هذا العام، سوى استمرار الحديث عن استجرار أكبر كمية ممكنة من الحمضيات، دون تطوير آليات التسويق السابقة (كماً وسعراً) والتي أدت وتؤدي إلى خسارة المزارع!
وإذا ما قارنا جهود الوزارات المتكاتفة لتذليل الصعاب أمام تجار وسماسرة التصدير، مع دعمهم المباشر وغير المباشر، من أجل إنجاح عملية التسويق لخارج القطر، والتي أشرنا إليها خلال مادة سابقة من العدد 1092، وتالياً اقتران استيراد الموز بموسم تسويق الحمضيات، نجد أن هذه الإجراءات المتحيزة كانت كافية لاستمرار المزارعين باقتلاع أشجار الحمضيات واستبدالها بزراعات أخرى، أو هجرة الأرض والزراعة، وإلى استمرار تراجع إنتاج الحمضيات عاماً بعد آخر...
الرفع القسري لسعر الموز!
إن رفع سعر كيلو الموز لثلاثة أضعاف سعر الحمضيات بشكل مفتعل وقسري، من خلال رفع السعر الاسترشادي له مع فرض الضميمة عليه، ستحرم الغالبية المفقرة من المواطنين من شرائه، نظراً لارتفاع سعره بالنتيجة وعدم تناسبه وقدرتهم الشرائية!
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لا يجري إغراق الأسواق السورية بهذا المنتج ضمن فترة نضوجه صيفاً على سبيل المثال، وبالتالي يتم بذلك المحافظة على سعره دون الحاجة لرفعه بشكل قسري، ويجنب مزارع الحمضيات من الخسارة؟!
وبذلك نكون قد تجنبنا خسارة المزارع لموسم الحمضيات، وتم طرح مادة الموز بأسعار تناسب الغالبية المفقرة، بدلاً من قلة توفره ما قبل موسم الحمضيات وبأسعار وصلت لحدود الـ 20 ألف؟!
أم أن تأخير استيراد هذه المادة تزامناً مع فترة تسويق الحمضيات هو المطلب والنية المبيتة لدى القائمين على عمليات تصدير الحمضيات، وذلك بهدف ضرب الموسم، وبالتالي التحكم بالأسعار كما يحلو لهم؟!
إن الجهود الحكومية المبذولة لتقديم المزيد من التسهيلات أمام مصدري الحمضيات، والسماح باستيراد الموز خلال فترة تسويقها، وعدم الاكتراث لخسارة المزارع السنوية وعذاباته، تختصر لوحة باتت فيها الحكومة الراعي الرسمي للحفاظ على مصالح كبار حيتان عمليات النهب والفساد (تسويقاً واستيراداً وتصديراً)، مع شرعنتها، ولو على حساب حرق المواطن (المنتج والمستهلك) والإنتاج الوطني!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1097