قرض لا يغطي الضرورات الغذائية لشهر!
سوسن عجيب سوسن عجيب

قرض لا يغطي الضرورات الغذائية لشهر!

تتزايد حاجة أصحاب الدخل المحدود للجوء الى الاستدانة والاقتراض مع تزايد الفجوة بين الدخل والمصاريف الضرورية اتساعاً، والتي أصبحت أعمق من أن يتم ردمها عبرها!

فلا قرض كافياً لسد هذه الفجوة مهما بلغت قيمته، والاستدانة عاجزة عن تغطية جزء من الحاجات الغذائية شهرياً فقط، فكيف ببقية متطلبات الحياة؟!
ومع ذلك فإن اللجوء إلى الاقتراض ما زال يعتبر فسحة يمكن الاتكاء عليها من قبل أصحاب الدخل المحدود عند الضرورة، لكن معيقات الحصول عليه تعتبر كثيرة، وخاصة ما يتعلق بقيمته وبشرط الكفلاء، والنتيجة هي انكفاء غالبية هؤلاء من اللجوء لهذا الخيار!
فعلى الرغم من رفع قيمة القرض الممنوح لأصحاب الدخل المحدود من قبل مصرف التسليف الشعبي خلال السنوات الماضية وصولاً إلى 5 ملايين ليرة الآن، إلا أن معيقات شروط الكفالة ما زالت مستمرة، الأمر الذي فسح المجال أمام المؤسسة العامة السورية للتأمين للدخول على الخط، بما يحقق مصالحها طبعاً، وبما يحقق مصالح مصرف التسليف الشعبي أيضاً، وعلى حساب المقترضين المحتملين بالنتيجة من المسحوقين!
فالسورية للتأمين ستصبح طرفاً مضافاً بنسب عمولة خاصة تقتطع لمصلحتها، باعتبارها ستحل محل الكفلاء، ومن جيوب أصحاب الدخل المحدود، وكأن هؤلاء ينقصهم جهة إضافية تستغل حاجاتهم!

تيسير بنسبة 2% من قيمة القرض أم استغلال!

بحسب الصفحة الرسمية لوزارة المالية بتاريخ 5/10/2022، فقد «اتفقت المؤسسة العامة السورية للتأمين ومصرف التسليف الشعبي لمنح قروض ذوي الدخل المحدود بكفالة وثيقة تأمين صادرة عن المؤسسة، من دون الحاجة لكفلاء شخصيين».
وبحسب الصفحة: «تمت دراسة هذا المنتج التأميني من قبل هيئة الإشراف على التأمين والموافقة عليه، وكذلك الموافقة على الاتفاقية من الهيئة ومصرف سورية المركزي، عدا عن أن هذا التأمين يشمل إضافةً إلى تأمين تعثر سداد القرض، «تأمين حياة المقترض»، بحيث يحصل ورثة المقترض (في حال وفاته) على تعويض يساوي ما سدده من القرض قبل تاريخ وفاته، نظراً لكون تأمين الحياة هو أحد أهم أنواع التأمين المتاحة في السوق السورية من الناحية الاجتماعية».
وفي التفاصيل «يبلغ سعر التأمين 2% من مبلغ القرض، أي 100 ألف ل.س، إذا كان الحدّ الأقصى للقرض 5 ملايين، وتُقتطع هذه المبالغ مباشرةً من أصل القرض ولمرة واحدة طيلة فترة السداد».
لا شك أن هذا الشكل من الاستعاضة عن الكفالة يعتبر تيسيراً للتخفيف من صعوبات الحصول على القرض، لكن النسبة المضافة أعلاه والبالغة 2% لا يمكن اعتبارها ضئيلة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، والتي سيتم اقتطاعها مباشرة من قيمة القرض، فمبلغ 100 ألف ليرة يعادل أجر شهر بالنسبة لهؤلاء!
ومع ذلك، وفي ظل الواقع المعيشي المتردي، يبدو أن فرصة الحصول على القروض باتت أوسع بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، بالرغم من كبر النسبة المفروضة أعلاه!
فواقع الأجور المتدنية والظالمة تفرض على هؤلاء اللجوء اضطراراً للاقتراض أو الاستدانة كما أسلفنا على مبدأ «مكره أخاك..» ولو دخل على خط استغلال حاجاتهم جهة إضافية، وهذه المرة رسمية أيضاً!
وربما لن يغطي هذا الشكل الجديد من الاستغلال الرسمي الأسلوب الترويجي والتسويقي له حول الحديث عن «التأمين على حياة المقترض»!
فأية حياة تلك، وماذا بقي منها، في ظل تزايد عوامل الاستغلال الرسمية وغير الرسمية!؟

ماذا يغطي القرض؟

من المعلوم أن نسبة الاقتطاع من الأجر قانوناً يجب ألا تتجاوز 40% من الأجر المقطوع، ومن يمكن له الحصول على سقف القرض البالغ 5 ملايين ليرة يجب ألا يقل أجره الشهري عن 170 ألف ليرة، وبحيث يكون القسط المقتطع شهرياً بحدود 83 ألف ليرة، وهؤلاء يعتبرون قلة من أصحاب الدخل المحدود.
أما سقف القرض المتاح لصاحب الأجر المقطوع البالغ 100 ألف ليرة، أي الغالبية من أصحاب الدخل المحدود، فهو 2,400,000 ليرة، وبواقع قسط شهري 40 ألف ليرة لمدة 5 سنوات، مع غض الطرف عن النسبة المضافة أعلاه لصالح المؤسسة العامة السورية للتأمين، ونسبة العمولة الخاصة بمصرف التسليف الشعبي.
والسؤال الذي يفرض نفسه ماذا يؤمن مبلغ هذا القرض على مستوى متطلبات المعيشة؟
فالوقائع تقول إن هذا المبلغ بالكاد يمكن أن يؤمن مصاريف أسرة مكونة من 5 أفراد على الغذائيات لمدة شهر واحد فقط، وبالحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة!

ماذا عن الأجور؟

إن آخر ما يعني الحكومة وجهاتها التابعة ما يعانيه أصحاب الدخل المحدود من صعوبات حياتية ومعاشية وخدمية يومية، سببها الرئيسي الأجور المتدنية، والسياسات الأجرية الرسمية المعمول بها!
فالقرض الهزيل الذي لا يغطي متطلبات المعيشة لمدة شهر، والإجراءات التيسيرية بما يخص حصول أصحاب الدخل المحدود عليه بكفالة السورية للتأمين، برعاية حكومية وبإشراف مباشر من قبل وزارة المالية والمصرف المركزي، ليست الغاية منها مصلحة هؤلاء من الغالبية المفقرة طبعاً، بل مصالح السورية للتأمين، من خلال ضمان حصولها على عوائد مالية صافية من جيوبهم، وبما يحقق تشغيل موجودات مصرف التسليف الشعبي من السيولة المتاحة للإقراض، ووفقاً للنسب المضافة إلى القروض الممنوحة كعمولات وفوائد، والتي تقتطع من الجيوب أيضاً.
فإذا كان هناك جزء من حرص حكومي متبقٍّ على مصالح أصحاب الدخل المحدود فالأجدى أن يتم تعديل السياسات الأجرية بما يؤمن لهؤلاء حداً أدنى من الحياة الكريمة!
فكل ما عدا ذلك من إجراءات شكلية وترقيعية وتسويقية وترويجية ما هي إلا مزيد من الإجحاف بحق الغالبية المفقرة من أصحاب الدخل المحدود، ومزيد من الاستغلال لظروفهم القاهرة المفروضة عليهم رسمياً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1091
آخر تعديل على الثلاثاء, 11 تشرين1/أكتوير 2022 15:03