تآكل مجانية التعليم في سورية
عمار سليم عمار سليم

تآكل مجانية التعليم في سورية

العوامل التي أدت إلى انهيار التعليم في سورية وتدهوره أكثر من تحصر في مقال، منها قلة الكوادر، وسوء وضع المناهج وعدم مطابقتها لظروف المدارس وتجهيزاتها، وسوء البنية التحتية من كهرباء ومياه، ومستلزمات التعليم، وتآكل أجور المعلمين إلى مرحلة شبه العدم!

وكل هذه العوامل لم تعمل الحكومة ووزارة التربية على حلها بشكل جذري، حالها كحال جميع الوزارات العاجزة عن تقديم أي حل للمواطنين على امتداد القطر، فلا تقوم الوزارة إلا بالمزيد من الفعاليات والاجتماعات والبهرجة الإعلامية الاستعراضية المعدة للتصوير، وبعض القرارات الترقيعية، التي كثيراً ما تزيد الطين بلة في الكارثة التعليمية!

ازدياد المدارس الخاصة بأقساط مرتفعة

مع تزامن الكارثة التعليمية التي تمثلت بتراجع مستوى الطلاب نتيجة قلة الكوادر التعليمية وخروج المعلمين من الخدمة، عن طريق الاستقالات أو الإجازات أو السفر، ومع حاجة الأسر إلى ضمان مستقبل أولادهم التعليمي، فقد يلجؤون اضطراراً إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، ولو كان عبر استدانة المبالغ المعدودة بالملايين كرسوم وأقساط، وعلى حساب طعامهم وشرابهم، وأولئك هم قلة أيضاً من بين الطلاب الذين هم من أبناء الشريحة المخملية الناهبة من التجار ورجال الأعمال وأصحاب الثروات.
ولكن الشريحة الأوسع هم المفقرون العاجزون عن تعليم أبنائهم في المدارس الخاصة، رغم تراجعها وترهلها، تاركين أبناءهم في عهدة خطط وزارة التربية العبقرية، التي لم تقدم للطلاب إلا المزيد من التراجع والانهيار، وكثيراً ما يضطرون إلى دعوة مدرسين إلى منازلهم لدروس خاصة تكلفهم في الساعة الواحدة ما يقارب 15 ألف ليرة بمعدل وسطي، أي إنه لا يمكن للأهالي أن يتركوا أولادهم بلا معاهد خاصة أو مدارس خاصة أو دروس خاصة، لأن منظومة التعليم في سورية فقدت دورها التعليمي بشكل كبير، وخاصة في السنوات الأخيرة.

ظاهرة جديدة للدروس المأجورة داخل قاعات المدرسة

بتوجيه غير معلن رسمياً من وزارة التربية، ومن مديري التربية، وبالتعاون مع اتحاد شبيبة الثورة، تم فسح المجال في المدارس لإقامة دورات للتقوية وجلسات امتحانية لطلاب المدارس في جميع المراحل، وبكوادر المدرسة ذاتها، وقد يستعان بكوادر من خارج المدرسة، بأجور رمزية تتراوح بين 1000 ليرة سورية و3000 آلاف عن كل طالب لكل جلسة.
وقد بدأت هذه الآلية في العمل في بعض المدارس الحكومية الآن، حيث تم تكليف بعض المدرسين بها، مع وضع البرامج التنفيذية لها.
قد تكون هذه الآلية ليست جديدة من حيث الوجود في المدارس الحكومية، ولكنها جديدة من حيث انتشارها وتسويقها والترويج لها في السنوات الأخيرة من قبل وزارة التربية ومديرياتها، وبهذه الخطوة يزحف التعليم المأجور إلى المدارس الحكومية، كخطوة إضافية تجاه تآكل مجانية التعليم.

ضرورات ردم الفجوة الكبيرة

مع العجز الواضح من وزارة التربية والحكومة عن ملء الفجوة الحاصلة في التعليم، وعجزها عن اتخاذ أي إجراء يحسن دخل المعلم، حيث الراتب لا يغطي سوى جزء من ثلاثين من احتياجاته، أي هو يعمل بأجر يوم واحد فقط أو يومين في أحسن الأحوال حسب تكاليف المعيشة الحالية، واضطرار ذوي الطلاب للجوء إلى الدروس الخاصة المكلفة لتحسين مستوى أبنائهم، أتت هذه الظاهرة لملء جزء من فجوة التعليم، حيث تحقق للطالب نفعاً علمياً، كون المسجلين بمثل هذه الدورات لن تتجاوز أعدادهم الـ25 طالباً، لقاء بدل يبقى أخف وطأة من التعليم الخاص أو المعاهد أو الدروس الخاصة، ويحسن دخل المعلم كون العملية مأجورة، مع التأكيد بأنها تبقى غير كافية حسب غلاء الأسعار، وكذلك تؤمن عائداً مالياً للإدارة، لسد شيئ من عجز احتياجاتها كمصاريف، وهذا من حيث الفكرة والمخرجات المتوخاة، ولكن ما جدوى هذه الدورات، وما أضرارها على سير العملية التعليمة؟؟
الواقع يقول إنه مهما كان البدل النقدي المستوفى من الطلاب رمزياً، فإنه يبقى عبئاً إضافياً على ذويهم في ظل هذه الظروف الخانقة والمأساوية، في الوقت الذي يجب أن يكون التعليم فيه مجانياً في المطلق وتتحمل الحكومة ووزارة التربية مسؤولية الإنفاق عليه، على ذلك فإن المستفيدين من هذه الدورات هم شريحة دون أخرى، كون المواطنين يتراوحون بين المفقرين والأشد فقراً!
وكذلك فإن مشكلة تدني أجور المعلمين لن تغطيها هذه الآلية الترقيعية، على حساب المزيد من الجهد والتعب اليومي من قبلهم، ومن جيوب ذوي الطلاب!
ويبقى القاسم المشترك بين هذه الظاهرة التعليمية وبين التعليم الخاص والدروس الخاصة هو عامل استغلال حاجة المجتمع للتعليم، حيث لا يخلو الأمر من أن تعتمد الإدارات والمدرسون على هذه الطريقة لتحصيل عدد أكبر من الطلاب من خلال الاعتماد على هذه الآلية فقط، وإجبار الطلاب إلى الانضمام إلى صفوف خارج الدوام بشكل مباشر وغير مباشر من أجل زيادة العائد المادي، ليتحول إلى عمل ربحي بالنتيجة، كباقي جهات التعليم الخاص ذات الغايات الاستثمارية والربحية.
ولتظهر النتيجة بشكل جلي أن وزارة التربية، والحكومة من خلفها، عاجزة عن تحقيق مجانية التعليم في سورية، أو تعمل قصداً الى تكريس هذا العجز وتعميقه، وعندما نقول مجانية التعليم أي التعليم الحقيقي الذي يؤدي إلى نتائج ومخرجات مقبولة، وليس إلى أمية متزايدة كما هو الحال الآن بكل أسف!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1091
آخر تعديل على الثلاثاء, 11 تشرين1/أكتوير 2022 15:05