استنزاف الإنتاج الوطني... سيناريو لدعم الناهبين
نادين عيد نادين عيد

استنزاف الإنتاج الوطني... سيناريو لدعم الناهبين

بات مشهد تراجع القطاع الزراعي ودفعه نحو حافة الانهيار مكتمل المعالم، وتعد الأرقام الهزيلة لواقع الإنتاج على مستوى هذا القطاع بكافة فروعه خير دليل على هذا التراجع المهول موسماً وراء الآخر، ولعل أرقام موسم القطن الحالي، المثال الأكثر قرباً وتعبيراً عن تردي الواقع الزراعي، نظراً لكون عمليات جنيه ما زالت جارية في كافة المحافظات ووفق أرقام حكومية خجولة...

فالقطن أحد أهم المحاصيل الإستراتيجية التي شهدت تدهوراً، سواء كان بكم الإنتاج أو بالمساحات المزروعة أيضاً، حيث كان يشكل خلال سنوات سبقت الأزمة نسبة 20-30% من مجمل الصادرات الزراعية، بالإضافة إلى كونه المنتج الأول زراعياً والثاني صناعياً، مع ما يوفره من فرص تشغيل لآلاف الأيدي العاملة أيضاً، بالإضافة إلى أنه يؤمن جزءاً من زيت الطعام، واستخدام مخلفات بذوره كمادة علفية...

أرقام حكومية

بلغت مساحة الأراضي المزروعة في كافة المحافظات للموسم الحالي نحو 24,211 هكتاراً من أصل الخطة التي أقرتها وزارة الزراعة والمقدرة بـ 57,365 هكتاراً، ووفقاً للأرقام الرسمية المذكورة لبعض المناطق.
فقد بلغت مساحة الأراضي المزروعة في حلب 590 هكتاراً من أصل الخطة المقدرة بـ 5,192 هكتاراً، أما في الحسكة فقد بلغت نسبة الأراضي المزروعة 5,910 هكتار، وفي الرقة 12 ألف هكتار منها 560 هكتاراً فقط في الريف المحرر الغربي والشرقي، بينما المساحة المخططة في الريف الشرقي والغربي المحرر هي أربعة آلاف هكتار.
ويقدر حجم الإنتاج الكلي المتوقع نحو 66,775 طناً، كما تم تحديد سعر شراء الكيلو غرام الواحد من محصول القطن المحبوب من الفلاحين ب 4000 ليرة للموسم الحالي.

أرقام بين الماضي والحاضر

تعبر الأرقام الحكومية المذكورة أعلاه عن مدى تراجع حجم الأراضي المزروعة فعلياً بالإضافة إلى الخطة المقررة حكومياً، إذا ما تمت مقارنتها بسنوات قد سبقت انفجار الأزمة، حيث بلغ حجم الأراضي المزروعة حينها ما يقارب 200 ألف هكتار، أو بنسبة الأراضي المزروعة عام 2013 والتي بلغت 37,500 هكتار، وفي خضم الأزمة تحديداً خلال العام 2014 والتي بلغت نسبة الأراضي المزروعة حينها 20 ألف هكتار.
ومن المعلوم أن تراجع الخطة الزراعية والمساحات المزروعة خلال سنوات الحرب تعد استثناء، نتيجة لخروج غالبية المساحات القابلة للزراعة عن السيطرة وتحولها إلى ساحة قتال، وكان لابد أن تنتهي هذه الظروف الاستثنائية مع زوال المسبب، والعودة التدريجية للزراعة وفقاً للخطط الزراعية التي تتناسب وحجم الأراضي القابلة للزراعة كما السابق...
ولكن ما نشهده اليوم من تراجع مستمر وفقاً للمقارنة أعلاه، سواء بالخطط الزراعية أو المساحات المزروعة منافٍ تماماً للإمكانات المتاحة، بل ويكشف أن امتداد التراجع الذي وصلنا إليه اليوم لم يكن نتيجة للظروف الاستثنائية المتعلقة بالحرب فقط، إنما جاء نتيجة لاستكمال سياسات الإجهاز على الإنتاج المحلي بشقيه الزراعي والصناعي عبر استكمال سياسات رفع الدعم المعمول بها منذ سنوات سبقت انفجار الأزمة، بل وكانت أحد مسبباته، وتحويل سورية إلى بلد مستهلك بعدما كان منتجاً ومصدّراً...

الاستيراد.. سيناريو الإنقاذ الحكومي

ليس خافياً على أحد أن مقدار التراجع جاء نتيجة لسلسلة من الأسباب التي شرعتها الحكومات المتوالية، والتي ما زالت تعمل بذات العقلية، وفق شعار خنق الدعم بكافة أشكاله وصولاً إلى إنهائه، تاركين المزارع يصارع وحده لتأمين السواد الأعظم من مستلزمات الإنتاج عبر السوق السوداء وبأسعارها الاحتكارية المرتفعة، وتحميله تكاليف إضافية على عاتقه، كما لا يجري أخذها بالحسبان من قبل الحكومة عند تحديد أسعار تسويق المحصول من المزارعين، لتوصد الباب أمام أية إمكانات متاحة للإنتاج المحلي، وينتهي ذلك السيناريو بإقلاع المزارعين عن الزراعة التي باتت بالنسبة إليهم تسجل المزيد من الخسارة، وبالتالي هجرة الأرض، وليصبح من الضروري أن تأخذ الحكومة على عاتقها دور «المنقذ» لتغطية النقص الناتج عن ذلك التراجع، عبر شرعنة وزيادة عمليات الاستيراد المدارة من قبل غرفة عمليات خاصة بقوى النهب والفساد، المسيطرين على عمليات الاستيراد والتصدير، وعلى مجمل الاقتصاد الوطني.

سياسات تدمير الإنتاج

إن استمرار الحكومة وفقاً لنفس العقلية والسياسات سيؤدي بنهاية المطاف إلى إنهاء الإنتاج المحلي بشكل كلي وإحلال الاستيراد كعملية لا بديل عنها لتأمين الاحتياجات الأساسية وغيرها، مع فائض الأرباح التي يغتني منها حيتان النهب والفساد من جيوب المواطنين كافة، وليتبين أن شعار «إحلال بدائل المستوردات» ما هو إلا غلاف خلبي لذر الرماد في العيون ليس إلا!
فكل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن الحكومة ماضية بسياساتها التدميرية لكل ما هو منتج في البلد، على حساب المنتجين والمواطنين عموماً، والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية، وبما يحقق مصالح القلة الناهبة والفاسدة المتحكمة بالعمليات الاقتصادية في البلاد.
إن إيقاف معطلي ومعيقي إعادة إحياء الإنتاج الوطني عن الاستمرار بمهامهم التدميرية للإنتاج عموماً، مدعومين بجملة السياسات السيئة المعمول بها، يحتاج إلى جهود وطنية حقيقية توقف استنزاف قطاعي الزراعة والصناعة، وتضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل شيء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1088