انهيارٌ متسارع يطالُ الجميع... بمن فيهم التجار!
خلود العاصي خلود العاصي

انهيارٌ متسارع يطالُ الجميع... بمن فيهم التجار!

يزداد تردّي الوضع المعيشي للناس يوماً بعد يوم، إلى الدرجة التي باتت فيها بعض الفئات الاجتماعية التي كانت تصنّف ضمن الطبقات الميسورة تعاني هي الأخرى من هذا التردّي الكارثي.

ففي حديث لرئيس لجنة سوق البزورية في دمشق محمد نذير السيد حسن لصحيفة الوطن، وصف واقع المستهلك بالمزري مشيراً إلى أنّ جزءاً كبيراً من السوريين باتوا يشترون احتياجاتهم «بالحبّة وبالنصف أوقية».

انحدار مزيد من الفئات نحو الفقر

كذلك أوضح رئيس اللجنة أنّ معاناة المستهلك العادي قد طالت أيضاً بائعي الجملة والمفرّق، فقد قال إنّ «التاجر أرباحه فقط 2 بالمئة وأية زيادة أصبح لها هناك ضبط وإغلاق محل وغرامة بملايين الليرات وسجن، مبيناً أن البضاعة التي كان تاجر نصف الجملة قادراً على تصريفها في يومين أصبحت تبقى في محله 15 يوماً، أي إن عمله قد نقص تقريباً إلى الثلثين، ومثله بائع المفرق أصبح بدل أن يشتري من سوق نصف الجملة بثلاثة أو أربعة ملايين ليرة لا يكاد حجم مشتريات الأغلبية يصل إلى المليون. لذا فإن نسبة التراجع في حركة السوق التجارية تتجاوز 50 بالمئة».
فتجار الجملة اليوم حتى وإن استطاعوا شراء بضاعة، فإمكانية تصريفها باتت محدودة جداً بفعل تراجع القدرة الشرائية لدى الغالبية العظمى من الناس والتي أدت إلى انخفاض معدلات استهلاكهم للحدود الدنيا، وهذا ما يؤثر بدوره على القدرة الشرائية للتجار أنفسهم فيما بعد، ولا سيّما في ظلّ الارتفاع المطّرد للأسعار ونقص توفر المواد، بالتوازي مع ثبات الأجور شكلياً وانخفاضها كقيمة فعلية.
فوفقاً لمؤشر قاسيون الأخير، تجاوزت تكاليف المعيشة حاجز 2.8 مليون ليرة سورية، في الوقت الذي لا يزال وسطي الأجور عند عتبة الـ 92 ألف ليرة سورية فقط!
وبالعودة إلى حديث رئيس لجنة سوق البزورية فإنّ أرباح تاجر الجملة والمفرّق تكاد تكون 2 بالمئة فقط، فإذا افترضنا أن التاجر يبيع بحوالي مليون ليرة وسطياً في اليوم، فإن ربحه هو 20 ألفاً يومياً، أي 600 ألف شهرياً، وهو رقم أقلّ بكثير من الحد الأدنى الضروري للمعيشة، ولا سيّما في ظل أزمات انقطاع المواد الأساسية، كالمازوت والبنزين والغاز وبعض السلع الغذائية، وترك موضوع توفير هذه المواد بيد السوق السوداء وكبار المتحكمين بها!

قلة فوق وكثرة تحت!

أثّرت الأزمة السورية بشكلٍ كبير على النسيج الطبقي السوري منذ بداياتها وحتى وقتنا الحالي، ولا يزال هذا التأثير مستمراً وبتسارعٍ أكبر، فقد خلخلت سني الحرب والأزمة، بالتوازي مع السياسات الظالمة المطبقة، توزع الناس ضمن الطبقات الاجتماعية في البلاد!
فالبعض من القلة ممّن كان يصنّف ضمن الطبقات الفقيرة استفاد من الأزمة واستطاع تحصيل ما يمكن تحصيله عبر بوابات الفساد الكثيرة التي أصبحت مشرعة أكثر مما سبق بسبب الحرب وبسبب جملة السياسات النهبوية القائمة، والبعض ممّن كان يصّنف ضمن الطبقات الميسورة قد خسر أملاكه جميعها، وانحدر إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة، وأيضاً لنفس الأسباب.
أما الغالبية المفقرة فقد ازداد فقرها وعوزها لدرجة غير مسبوقة، مقابل نخبة النخبة من حيتان المال والفساد والثروة وتجار الحرب وأمرائها، الذين استطاعوا تجيير موبقات الحرب والأزمة لمصلحتهم، بدعم كامل من السياسات الطبقية الجائرة المعمول بها، والمسخّرة لمصلحتهم أيضاً.
فبفعل تسارع الانهيار الذي تشهده البلاد على كافة المستويات، والذي تدفع إليه قوى النهب والفساد الكبير في البلد، فإن المواقع التي اصطف ضمنها الناس طبقياً خلال سنيّ الأزمة– والتي ظنّ البعض أنها ثابتة- قد تخلخلت وبات الاستقطاب الكبير بين الطبقات أوضح من أن يُحجب بإصبع!
فهناك طبقة معدمة من الغالبية المفقرة والمهمشة، مقابل طبقة ثرية من القلة الناهبة والفاسدة المتحكمة بمصائر البلاد والعباد.
ولا حل لهذا الشذوذ المستشري إلا بإنهاء السياسات المتوحشة المولدة له مع نتائجه، أي بالتغيير الجذري والعميق والشامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1088
آخر تعديل على الأحد, 18 أيلول/سبتمبر 2022 22:08