العوائد الاستثمارية على حساب الأمن الغذائي
نادين عيد نادين عيد

العوائد الاستثمارية على حساب الأمن الغذائي

أقام اتحاد غرف الزراعة السورية، يومي 29-30 آب الماضي، فعاليات المؤتمر المتخصص بالنباتات العطرية والطبية تحت عنوان «الاستثمار الأخضر»، في فندق الداما روز في دمشق، وبرعاية وزير الزراعة وحضور عدة جهات رسمية...

فما هي القيمة المضافة المرجوة من هذا المؤتمر على مستوى الاستثمار بالنباتات العطرية والطبية، والإنتاج الزراعي عموماً، ولمصلحة من؟

المخرجات الإعلامية

جرى خلال المؤتمر مناقشة ما يتعلق بالعملية الإنتاجية والتسويقية والتصنيعية والتصديرية لهذه المنتجات، بالإضافة إلى الحديث عن دعم الفلاح وتشجيعه للتوجه نحو هذا النوع من الزراعات، مع تسليط الضوء إلى أهمية الدور الاستثماري والتطويري الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص بهذا الشأن.
كما تم وضع خارطة أولية لتوزيع المهام بين القطاع العام والخاص، حيث أشار الوزير خلال المؤتمر إلى دور الحكومة في توفير كافة الأساليب وفرص دعم إنتاج النباتات العطرية والطبية، أما التسويق والتصنيع والترويج لها وتصديرها فهو من اختصاص القطاع الخاص، بالإضافة إلى وضع خارطة ترويجية للأنواع التي يمكن للفلاح زراعتها، وربطها مع الجهات التسويقية وفق آلية متكاملة تبدأ من مراكز تجميع النباتات وحتى التحقق من استلام المنتج ضمن المواصفات المطلوبة.
المخرجات أعلاه لم تتعدَّ الحديث الإنشائي من الناحية العملية، فلا قرارات جدية واضحة جرى اعتمادها، ولا دعم حقيقياً تم إقراره للفلاحين المنتجين للنباتات العطرية والطبية، بل جرى تجيير كل ذلك بما يخدم ويصب بمصلحة القطاع الخاص من المسوقين والمصدرين!

بين السابق واللاحق

صرّح مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي أن الخطة الإنتاجية للموسم القادم ستكون حوالي 68 ألف هكتار، كما تتضمن خمسة محاصيل رئيسية وهي اليانسون والكمون والكزبرة وحبة البركة والشمرة، بالإضافة إلى النباتات الطبية والعطرية الموجودة ضمن المناطق الحراجية والبادية والمراعي والمروج.
فيما أكد رئيس اتحاد الغرف الزراعية أنه يوجد في سورية أكثر من 3000 منتج نباتي طبي وعطري، تدخل في استثمارات مختلفة وصناعات عديدة، ويمكن استثمارها في صناعة منتجات استهلاكية بدائية أو صناعية أو دوائية.
وبهذا الصدد يذكر أن الخطة الإنتاجية لموسم المحاصيل العطرية والطبية في العام الماضي كانت حوالي 61 ألف هكتار، وأما ما تم تنفيذه على أرض الواقع فقد كانت حوالي 68 ألف هكتار، وذلك بحسب تصريح مدير الإنتاج النباتي، في زيادة للمساحة المزروعة بهذه الأصناف بواقع 7 آلاف هكتار، ومع قلة هذه الزيادة على مستوى المساحة وغياب حجم الكميات المنتجة من المحاصيل فيها، لكن الغائب الأبرز في التصريح أعلاه كان هو الإجابة عن سؤال: على حساب أية محاصيل أخرى تمت تلك الزيادة في المساحة!

لماذا الاهتمام؟!

من الواضح خلال التصريحات الرسمية المنبثقة عن المؤتمر أنه يحظى باهتمام حكومي لافت.
فقد كان واضحاً الضخ الهائل نحو إعادة توجيه أنظار كافة الجهات، بمن فيهم المزارعين، إلى إمكانية تحقيق عائدية ربحية عالية من خلال هذا النوع من الاستثمار الزراعي، بالتوازي مع الحديث عن الجهود الحكومية التي ستعمل على توفير كافة المستلزمات ووضع خارطة توزيع المهام، والحث نحو توحيد الجهود للتعاون بين الجهات العامة والخاصة وهيئة البحوث العلمية الزراعية للاستفادة من أبحاثها في هذا المجال، لوضع إستراتيجية حول كيفية استثمار هذا القطاع بأفضل ما يمكن.
فالتوجه واضح بما لا شك فيه نحو دعم كل ما يمكن استثماره في سبيل تنشيط عمليات التسويق والتصدير، والتي باتت تعرف أنها تدار من قبل غرفة عمليات كبار حيتان الاستيراد والتصدير، ولمصلحتهم.
فالقرارات ومخرجاتها باتت تفصّل حكومياً وفق مقاييس تناسب مصالح وتوجهات القلة الناهبة نحو زيادة ربحها، وذلك بغض النظر عن الحجم الكارثي لمخلفات تلك القرارات على المزارعين والوطن والمواطن!

ماذا عن أمننا الغذائي

لن نقلل من أهمية الاستثمار في زراعة النباتات العطرية والطبية دون أدنى شك، وبما يحقق الجدوى الاقتصادية منها، لمصلحة المزارعين والاقتصاد الوطني ككل، بحال تكاملها مع بقية الزراعات، وخاصة المحاصيل الإستراتيجية، وليس على حسابها!
ولكن وفق الواقع الملموس للظروف الحالية الحرجة، ونحن في خضم أزمة غذاء عالمية، أليس الأجدى للحكومة أن تدعم الزراعات الإستراتيجية التي ما زالت تسجل المزيد من التراجع عاماً بعد آخر، كالقمح والشوندر السكري والذرة الصفراء وبقية الحبوب والبقوليات...إلخ، والتي تشكل مع غيرها عوامل الأمن الغذائي الوطني؟!
فهذا التراجع في الإنتاج الزراعي هو نتاج سياسات رفع الدعم المستمرة على قدم وساق، بأساليب وطرق متنوعة على كافة المواد الداخلة بالعملية الإنتاجية، بدءاً من المحروقات اللازمة لعمليات الريّ، وحتى المبيدات والأسمدة الزراعية، التي باتت لا تتناسب كمياتها وحجم المساحات المزروعة، ليجد المزارع نفسه أمام الحاجة للاستعانة بالسوق السوداء لتأمين بقية مستلزمات الإنتاج، وصولاً إلى خسارته عند تحديد أسعار التسويق الحكومية وفقاً لأسعار لا تتناسب مع الواقع العملي للتكاليف المرتفعة!
وبهذا الصدد ربما من الواجب التذكير أن أدوات تحريض المزارع للإقلاع عن الزراعات الإستراتيجية الهامة ما زالت مستمرة حكومياً، وكان آخرها رفع سعر الأسمدة الزراعية لأكثر من الضعف، مع تحريرها نهائياً، كونها تعتبر من أساسيات مستلزمات إنجاح هذه الزراعات وغيرها!
فالخطط الزراعية الحكومية للمحاصيل الإستراتيجية في كل عام تزداد مساحةً ولكنها تتراجع إنتاجاً، لتثبت التجارب أنها تبقى حبراً على ورق لا ينفذ منها إلا الفتات، وذرائع التقصير جاهزة دوماً!
أما الثابت الوحيد في مجمل المعادلة الرسمية المعمول بها فهو أن العمل جارٍ نحو إنهاء الإنتاج الزراعي المحلي تباعاً (النباتي والحيواني) لصالح استمرار وتوسيع عمليات الاستيراد، ولصالح تجار الأزمة والحرب المستفيدين من كافة الذرائع التي تندرج تحت بند العقوبات والحصار وغيرها من الحجج التي يجري وأد الزراعة من خلالها!
ففي خضم كل ذلك ترتفع وتيرة الحديث عن الدعم والتشجيع الحكومي والخطط التشاركية، لصالح التوجه نحو زراعة المحاصيل القابلة للتصدير، والتي ستكون في جزء منها على حساب بقية المحاصيل الإستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي!
فلمصلحة من تقلب الموازين، وتصدر القرارات، وتوضع الخطط الزراعية بالنتيجة؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1086