التحول في التعليم إلى الوراء أم إلى الأمام
عمار سليم عمار سليم

التحول في التعليم إلى الوراء أم إلى الأمام

من أغرب المفارقات والتناقضات التي نراها في وزارة التربية أنه كلما تعمّقت أزمة التعليم وتفاقمت كلّما أسرعت إلى إنقاذها عن طريق حركات بهلوانية، سواء على شكل قرارات أو ندوات أو احتفالات، ولم نلمس في الواقع أية خطوات فعلية تنقذ التعليم من كارثته، فضلاً عن الارتقاء به!

ففي الظرف الذي يعاني منه ذوو الطلاب الأمرين من ضيق الحال الاقتصادي، وبعد بلوغهم الجهد لتأمين أدنى مستلزمات المدارس، وبعد أن توقعوا تأجيل الدوام لأيام بسبب موجة الحر الأخيرة، تفاجئُنا وزارة التربية بتعميم غريب من نوعه، وهو إقامة احتفالية بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد، تحت شعار «التحول في التعليم»، ومع تزامن هذه الأزمة الخانقة!
ولنا أن نطرح سؤالاً هاماً هل لدى وزارة التربية الفائض من الأموال حتى تقيم مثل هذه الاحتفالية على مستوى المحافظات، وماهي جدواها في تطوير العملية التربوية؟
الجواب هنا أنه لا ضير عليها إن أنفقت الغالي والثمين لتُري الشارع أن العملية التعليمية في تمام العافية ولا ينقصها سوى إقامة الحفلات والفعاليات بكل أشكالها!

شعار التحول في التعليم

أما عن شعار التحول في التعليم، والمضحك في الأمر أنه مصطلح مطروح منذ شهور ولم يتم تعريف الكوادر التعليمية والمعنيين بهذا الموضوع على وجه الإيضاح، ليبدأوا بمسيرة التحول في التعليم!
فلو سألت أيّاً منهم ما هو التحول في التعليم فلن يعرف إلا معنى كلمة تحول!
وكل هذا بالتزامن مع تفاقم أزمة التعليم وتعمقها إلى حد الانهيار!

مزيد من الانحدار

أما الواقع الذي تفرضه الظروف الحالية والسياسات الحكومية فهو استمرار الانحدار والتراجع في المستوى التعليمي الناتج عن نقص الكوادر، أو من ضعف أدائهم، نتيجة حالة الإنهاك المعيشي والوضع الاقتصادي الذي وصلوا إليه، وتردي الخدمات عموماً من مواصلات وانعدام الكهرباء وشح المياه وغيرها من الضرورات الحياتية التي تمس حياة الإنسان، وكثرة التسرب من الطلاب نتيجة الحاجة إلى العمل للحصول على ما ينقذ حياتهم من الجوع، وكثرة الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الطلاب، وازدياد العنف بسبب التدهور الاجتماعي الحاصل من تفكك أسري بسبب الأوضاع الاقتصادية بشكل رئيسي، وليس لأي سبب آخر!
فبماذا تحتفل وزارة التربية، وإلى أين ستتحول في التعليم؟
فالأجدى بها أن تجلس إلى باقي أعضاء الحكومة لوضع حد لهذا التدهور، الذي لن يتوقف إلا بتوقف الأزمة الحاصلة في البلاد اقتصادياً واجتماعياً!

أرقام صادرة عن الحكومة لا تقترب من الواقعية!

فقد ورد على صفحتها (الحكومة) ما يلي: «يتوجه الأحد القادم ما يقارب 3,651,923 تلميذاً وطالباً من مختلف المراحل التعليمية إلى مدارسهم موزعين على 13,660 مدرسة ومعهداً.. وحول توزع هؤلاء التلاميذ والطلاب على المراحل التعليمية أشار وزير التربية الدكتور دارم طباع في تصريح لوكالة سانا أن عدد الرياض بلغ 2,332 واستوعبت ما يقارب 133,677 طفلاً وطفلة، وعدد مدارس التعليم الأساسي 9,147 مدرسة استوعبت ما يقارب 3,035,882 تلميذاً وتلميذة، في حين بلغ عدد مدارس التعليم الثانوي العام 1,629 استقطبت 371,384 طالباً وطالبة، وعدد مدارس التعليم الثانوي المهني 479 مدرسة استوعبت ما يقارب 83,873 طالباً وطالبة».

هل هذه الأرقام واقعية؟

فمن حقنا أن نتساءل، لأنه على حسب هذه الأرقام المعلنة أعلاه يجب أن يكون عدد طلاب كل مدرسة ثانوية 227 طالب، وفي كل مدرسة تعليم أساسي 331 طالباً فقط!
وإذا ما وزعنا عدد الطلاب بشكل وسطي على الشعب فيجب ألّا يتعدى عدد طلاب شعبة الثانوي أكثر من 25 طالباً، وألا يتجاوز عدد طلاب التعليم الأساسي في كل شعبة 15 طالباً، وذلك بحال اعتماد شعبتين أو ثلاث وسطياً لكل صف من الصفوف، بحسب مساحة المدرسة وعدد صفوفها طبعاً!
والسؤال المطروح لماذا نرى الاكتظاظ في الصفوف متجاوزاً الـ50 طالباً، علماً أنه لم يشر في بيانات الحكومة أعلاه إلى أنه تم تأهيل مدارس جديدة في هذا العام توصلنا لمثل هذا التوزيع الرقمي في الشعب الصفية!

المشكلة أكبر من عدد المدارس!

كثيراً ما نرى في الأحياء تسارع الأهالي وإلحاحهم على تسجيل أبنائهم في مدارس دون أخرى لاعتبارات كثيرة، منها أزمة المواصلات الحاصلة والسعي إلى أقرب مدرسة من المنزل، ثم بسبب تفاوت مستوى الكادر التدريسي أو الإداري والنقص الحاصل في كثير من المدارس، وكثيراً ما نرى أن سبب الاكتظاظ أيضاً ناشئ عن قيام مدير المدرسة بتوجيه من مديريته بتقليل عدد الشعب، أي طيّ شعبتين في شعبة واحدة أحياناً، بسبب النقص الحاد بعدد المدرسين والإداريين!
التقنين في الماء والكهرباء

لا يستثني المدارس!

في هذه الأجواء الحارة في بداية العام الدراسي لا تزور الكهرباء مناطق الريف إلا نصف ساعة كل 12 ساعة، وفي المدينة تزورها الكهرباء ساعة ونص كل 4 ساعات قطع في أحسن أحوالها، وسيعاني كل من في المدرسة من طلاب ومعلمين وإداريين من الحر والبرد على السواء، والتقنين لا يستثني المدرسة طبعاً، وهذا جزء يسير من العوائق والموبقات التي ستجهز على ما تبقى من تعليم في سورية في ظل هذا الفشل الحكومي في تأمين البنى التحتية لكل قطاعات البلاد.
لذلك يبقى الأمل الوحيد في إنقاذ الجيل الصاعد هو المضي نحو تغيير هذه السياسات جملة وتفصيلاً، لأن التعليم هو أهم حجر سيتم الاعتماد عليه لبناء الإنسان في هذا الوطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1086