نتائج شهادات الثانوية تحت المجهر
عمار سليم عمار سليم

نتائج شهادات الثانوية تحت المجهر

في مواد سابقة عرضنا لبعض جوانب الأزمة التي يمر بها الواقع التربوي والتعليمي في سورية في كل مراحله وأجزائه، والتي عجزت الحكومة ووزارة التربية أن تحل ولو واحدة من المشكلات العالقة بها، والمتراكمة منذ عقود، لأنها تحتاج إلى برامج ترتكز على سياسات حكومية جادة في حل الأزمات.

أما طريقة الترقيع والاختباء وراء الفقاعات الإعلامية المعتادة فلن تحل شيئاً، والواقع خير شاهد على الكلام، ونتائج الشهادات الثانوية مؤخراً تثبت ما تقدمنا به.

معايير المقارنة المغلوطة

فقد عرضت وزارة التربية عبر صفحتها الرسمية أعداد المتقدمين والناجحين والراسبين الذين يحق لهم التقدم إلى الدورة التكميلية ومن لا يحق لهم التقدم، ومنها مثلاً الفرع العلمي والفرع الأدبي، حيث بلغ عدد المتقدمين في الفرع العلمي /134,815/ طالباً وطالبة نجح منهم /74,478/ طالباً وطالبة، ونسبة النجاح مقدارها /55,24%/ في الدورة الأولى فقط، بينما بلغت نسبة النجاح في دورة عام 2021م /63,81%/.
ـوقد بلغ عدد المتقدمين في الفرع الأدبي /70,815/ طالباً وطالبة نجح منهم /38,223/ طالباً وطالبة وبنسبة نجاح 53,98% في الدورة الأولى فقط بينما بلغت نسبة النجاح في دورة عام 2021 /52,14%/.
بينما بلغت نسبة النجاح العامة لكل الفروع 59,59% من كل المتقدمين.

فهل هذه النسبة دليل عافية أم دليل تراجع؟

وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى المقارنة التي أجرتها وزارة التربية مع نتائج العام الماضي في الدورة الأولى.
لقد رفعت وزارة التربية شعار تطوير التعليم وتحديثه من خلال منهاجها وإستراتيجياتها واجتماعاتها وقرارتها، وهذا اعتراف منها بعدم صلاحية الوضع السابق للتعليم وضعفه على كل المستويات والمراحل، وإذ بها في هذا العام تقارن نسبة النجاح بعام سابق وجعله مقياساً لجودة النتائج، علماً أن نتائج الشهادة الثانوية للفرع العلمي قد انحدرت من 63,81% في العام 2021 إلى 55,24% للعام 2022 وهو الفرع الأهم بالنسبة لأعداد المتقدمين، والأهم كمصدر للقبول في الكليات العلمية لوزارة التعليم العالي لتخريج الكفاءات العلمية.
وهذا أول دليل على انحدار المستوى العام في النتائج.

هل تحققت هذه النسبة من النجاح بجهود الوزارة؟

لو ربطنا بين جميع الظروف والعوامل سوف نصل إلى الحقيقة، بدءاً بعوامل تيسير الغش في كثير من المراكز الامتحانية بسبب قلة عد المراقبين، وعدم قدرتهم على ضبط القاعات لأسباب ذكرناها سابقاً، ولا ننسى عامل مستوى الأسئلة الامتحانية الذي يميل إلى التبسيط، حيث في كثير من المواد أصبحت الأسئلة مسطحة سهلة متداولة في أسئلة السنوات السابقة، وهذا ما أفاد به بعض الموجهين الاختصاصيين، وفي الدورات المكثفة في المعاهد الخاصة، والتي تعلّم الطالب كيف يلتقط الدرجات بمعزل عن التحصيل العلمي والمستوى الذي يجب أن يحققه علمياً.
وقد أصبح من العرف في الأعوام الأخيرة أن الطالب في مرحلة الشهادات، وخاصة الثانوية، لا يعتمد على المدرسة، وجل اعتماده على المعاهد الخاصة والدروس الخاصة ليتم المنهاج المقرر، وهكذا يصبح نجاح الطالب مرهوناً غالباً بقدرته على الحصول على الدروس الخاصة حسب وضعه الاقتصادي الذي غالباً ما يدفعه الأهل من حساب حاجاتهم الأساسية من طعام وشراب ولباس، ومع هذه الظروف مجتمعة لا يمكن أن تكون مخرجات التعليم مجدية، وإن ارتفعت نسبة النجاح، لأن ارتفاع مثل هذه النسبة سيكون خلبياً ولا يدل على تعافي العملية التعليمية.

كل شيء خاضع للتطوير إلا نظام الامتحانات والنجاح والرسوب

منذ أكثر من اثنتي عشر عاماً ونظام الدورة التكميلية ساري المفعول، حيث يعتبر الطالب راسباً في الدورة الأولى ولو بمادة واحدة حتى يتم استكمالها في الدورة اللاحقة، ولا يمنح الشهادة حتى ينجح في كل المواد المقررة، بغض النظر عن المجموع، وعدم حساب درجة مادة التربية الإسلامية من معدل القبول الجامعي مع أنها مادة مرسبة!
فلماذا تعتبر مرسبة إذا لم تحسب من المواد الرافعة للمعدل، وما الغاية من ذلك؟
فكثير من الإشكالات التي تقف عائقاً في وجه الطلاب، وتضيع منهم سنة أو أكثر من مسيرة تعليمهم، لم يتم النظر إليها، ويتم اعتبارها من الثوابت التي لا تتغير!

اعتراضات بالآلاف

أعلنت وزارة التربية رسمياً عن الاعتراضات التي بلغت آلافاً، حيث أعلاها في دمشق 10,000 اعتراض، وبلغ العدد في محافظات دمشق وريف دمشق وطرطوس وحمص وحلب 23,634 اعتراضاً فقط، ما يشكل نسبة 11% تقريباً من عدد المتقدمين، وهذه نسبة ليست بالقليلة!
وقد ارجع مدير تربية ريف دمشق السبب في ذلك إلى الحالة النفسية لدى الطلاب لتبرير فشلهم!
ولكن الواقع أن السبب الأكبر في ذلك هو عدم ثقة الطلاب بعمليات التصحيح والتنتيج، وعدم الثقة طبعاً يعود إلى ما يتم تداوله من خلل في هذه العمليات، وما رشح من نتائج معدلة بعد الاعتراضات!
فمراكز التصحيح غير مهيأة لراحة المصحح ليتم عمله بدقة وتركيز تام، فلا تكييف ولا كهرباء ولا إضاءة، والمدة الزمنية التي يقضيها المصححون على طاولاتهم بالساعات كفيلة بتراخي التركيز وبلوغهم حد الإجهاد، لأن أعدادهم غير كافية طبعاً لتخفيف العبء عنهم!
وقد تم تداول صورة في صفحات التواصل كيف أن أحد المصححين يستعين بمصباح جهازه النقال ليضيء على الورقة، كما غيره من المصححين في المركز!
أفلا يكفي هذا أن يشك الطالب بدرجته، ولو كان فاشلاً في امتحانه؟
فهذه الأسباب تجعل الدافع أكبر للتقدم باعتراضه، وهم من فسحوا له هذا المجال بالنتيجة.
علماً أنه لا يسمح له بالاعتراض إلا على مادتين فقط، فهل هذا يحقق العدالة للطالب؟

خلاصة القول

إن هذه النتائج، سلبية كانت أو إيجابية، مرتفعة أم منخفضة النسبة، هي لا تعبّر في الحقيقة عن مخرجات التعليم وما يجب أن تحققه العملية التعليمية، لأن التعليم خرج عن غرضه وهدفه الأساس وهو تطوير العقول والمهارات من أجل البناء والتنمية!
فما نشهده من انهيار في قطاع التربية والتعليم يستدعي أن نعي ما تعكسه السياسات الحكومية من فشل فيها، وانهيار مستمر، ووقوفها عائقاً أمام التطور الحقيقي في هذا الميدان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1082
آخر تعديل على الإثنين, 08 آب/أغسطس 2022 01:08