مصدر ربحي جديد ومضمون لصالح شركات التأمين
عبير حداد عبير حداد

مصدر ربحي جديد ومضمون لصالح شركات التأمين

تستمر مسيرة الحكومات المتعاقبة عبر العمل الدؤوب الهادف لتطوير أساليب وأدوات تخفيض الدعم حتى إنهائه وذلك عبر طرق ملتوية، تخفي تحت شعاراتها وأهدافها إستراتيجيات وأد القطاعات المنتجة والخدمية، والمواطن بالنتيجة، وذلك لمصلحة حفنة من رؤوس الفساد المسيطرة على مقدرات البلاد والعباد.

ويعد القرار الجديد القاضي بالتأمين الإلزامي على الزراعات المحمية أحد أدوات تخفيض الدعم الممنهجة الجديدة على الزراعة المحمية مرحلياً، وما سيتبعها من زراعات أخرى، بما في ذلك الزراعات الإستراتيجية لاحقاً، وهو خير مثال عما تخفيه الشعارات المعلنة حول دعم المزارعين والناتج المحلي، تارةً بالترويج عن دعم الإنتاج، وتارة أخرى بالتهليل لمبدأ عدم الربح، لكن خلف الستار يتم إنهاء الدعم تدريجياً لقطاع الزراعة، مع المزيد من الأرباح المضمونة لصالح حيتان الأرباح والفساد.

تفاصيل الخبر وما خفي من مضمونه

يقول الخبر، نقلاً عن صفحة وزارة المالية يوم 7 من الشهر الجاري: «وافق مجلس الوزراء على إطلاق مشروع التأمين الزراعي، من خلال التأمين الإلزامي على الزراعات المحمية بهدف تغطية الخسائر الكلية أو الجزئية التي تتعرض لها الزراعات المحمية، بما فيها تكاليف إنشاء البيت البلاستيكي والمزروعات بداخله، كذلك تعويض الضرر الناتج عن (البرد والصقيع والعواصف والزوابع والزلازل والبراكين والانهيارات الأرضية والفيضانات والتنين البحري)».
في متن الخبر، وبعيداً عن أهمية موضوع تغطية الخسائر عبر التعويضات طبعاً، يتبين أن هناك منتج تأميني جديد من قبل شركات التأمين تم تبنيه رسمياً، مع إلزام الفلاح به، مع تغييب كامل لمصالح هذه الشركات من مضمون الخبر أعلاه!

بعض التوضيحات الرسمية

بحسب تصريحات وزير المالية:
تم الاتفاق على إطلاق التأمين الزراعي على الزراعات المحمية (البيوت البلاستيكية) كمرحلة أولى، وسوف تتبعها مشاريع تأمينية أخرى كمحصول البطاطا وإضافة إلى تأمين المواشي.
تسعير بوليصة التأمين انطلق من مبدأ عدم الربح، وذلك بهدف تعزيز دور القطاع الزراعي في الناتج المحلي وحمايته من المخاطر.
تم الاتفاق على تعويض الفلاح لحدود 5 ملايين ليرة سورية للبيت البلاستيكي الواحد.
ستقدم وزارة المالية دعماً للقسط الخاص ببوليصة التأمين الزراعي والبالغ 34 ألف ليرة سورية بنسبة 70% في السنة الأولى وبالتالي لن يتجاوز القسط 10,500 ليرة سورية للبيت البلاستيكي الواحد، وستتحمل الخزينة 50% في السنة الثانية و25% في السنة الثالثة.
التعويضات المالية للزراعات المحمية والمؤمنة سيتم تأمينها من قبل شركة التأمين المعنية، أما بالنسبة للزراعات خارج منظومة التأمين الزراعي، فسيتم تعويضها من صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية التابع لوزارة الزراعة.

تفسيرات رقمية

القسط التأميني يبلغ 34,000 ليرة، أي سنوياً 408,000 ليرة عن كل بيت بلاستيكي، والجدول التالي يوضح تفاصيل نسبة تحمّل الخزينة والفلاح لهذا المنتج التأميني الجديد:

107411

فالمنتج التأميني الجديد ستتحمل الخزينة والفلاح أقساطه حسب النسب أعلاه، وصولاً إلى السنة الرابعة حيث سيصبح كاملاً من جيب الفلاح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التعويض مسقوف بمبلغ 5 ملايين ليرة عن كل بيت بلاستيكي.
أما الغائب وغير المحسوب فهو أرباح شركات التأمين، صاحبة المنتج التأميني الملزم الجديد، والمستفيدة منه طبعاً باعتباره منتجاً مضمون الأرباح.

إضاءة إضافية على مضمون القرار

القرار أعلاه، سحب بساط الدعم المقدم للفلاح على الزراعات المحمية من قبل صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية التابع لوزارة الزراعة، ليغطي هذا الصندوق بشكل مؤقت الدعم لبعض الزراعات الأخرى، التي ستلحق بركب التأمين الإلزامي كما أشار القرار أعلاه.
فمضمون القرار هو إنهاء الدعم المقدم من قبل صندوق وزارة الزراعة نتيجة الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وليغرق الفلاح بدوامة تسديد مبلغ 408 آلاف ليرة كتأمين إلزامي عن كل بيت بلاستيكي سنوياً، والمؤكد أن هذا القسط السنوي سيكون رهن تقلبات الأوضاع الاقتصادية في البلد، ما يعني أنه قابل للزيادة بما يتناسب مع ضمان أرباح الشركة المعنية بالتأمين طبعاً!
أي تكاليف باهظة إضافية سيتحمل أعباءها الفلاح، خصوصاً أن التأمين إلزامي، ولم يعد هناك ما يسمى بصندوق التخفيف من أثار الجفاف والكوارث!
كما أن القرار، جاء فضفاضاً ومكتفياً بتحديد سقف التعويض المالي بـ 5 ملايين ليرة، تتضمن تعويض الضرر الذي لحق بالبيت البلاستيكي وما بداخله من محصول، ولم يتطرق إلى شروط التأمين، وتفاصيل أخرى كآلية تحديد نسب التعويض على أساس حجم الأضرار، أو هل من نسب لا تدخل ضمن دائرة التعويض، وربما تاركين الفلاح تحت رحمة اللجنة المسؤولة عن تقدير الأضرار بحال حدوث كوارث طبيعية؟!
والتساؤل هنا، أليس من الضروري شرح الحقوق والواجبات المترتبة على المزارع، أم عليه أن يمارس واجباته بتسديد مبلغ مالي سنوي دونما معرفة تفاصيل أكثر عن حقوقه بحال وقعت الأضرار؟!
حيث عبّر بعض الفلاحين عن قلقهم بحال فرضت عليهم شروط ومواصفات محددة يجب أن تنطبق على البيت البلاستيكي المؤمن عليه، كما كان الحال مع صندوق وزارة الزراعة، وبالتالي الدخول بهذه الدوامة مع شركات التأمين بالضد من مصلحتهم طبعاً.

حسابات وواقع

بعد التهليل الإعلامي لآثار هذا القرار، هل يمكن للمبلغ المسقوف بـ 5 ملايين ليرة سورية، أن يغطي حجم الأضرار التي ستلحق بالفلاح، بيوت بلاستيكية ومحاصيل، بحال وقوع كارثة طبيعية؟!
»مختار» وهو أحد المزارعين العاملين في قطاع الزراعة المحمية، تحديداً البندورة، أوضح لصحيفة قاسيون بعض التكاليف التي تتراوح بين التجهيز للمنشأة وللمحصول أيضاً، موضحاً أن تكلفة البيت البلاستيكي تختلف من نوع لآخر تبعاً لنوع الحديد المستخدم، مستعمل أم جديد، وللحديد المستخدم أنواع أيضاً، بالإضافة إلى نوع الغطاء البلاستيكي، مشيراً أن: تكلفة هيكل الحديد المستعمل بحدود 5 ملايين ليرة- أما تكلفة الجديد فهي بحدود 10 ملايين ليرة سورية- شرائط بحدود 500 ألف ليرة- وبالنسبة للغطاء البلاستيكي يتجاوز مبلغ مليون ليرة- أنابيب التنقيط تكلفة المتر 1000 ليرة، أي ما يعادل 400 ألف ليرة للبيت الواحد- أما تكلفة شراء البيت البلاستيكي المستعمل فتقدر بشكل وسطي بنحو 7 ملايين ليرة سورية، بينما يكلف البيت البلاستيكي الجديد بحدود 12 مليون ليرة.
وعن المستلزمات الزراعية للبيت الواحد فقد وضح التالي: البذار تقدر بـ 370 ألف ليرة كحد أدنى- أما تعقيم البيت البلاستيكي فبحدود 300 ألف ليرة- تكاليف السقاية والحراثة والأدوية والسماد 500 ألف ليرة- أجر العامل اليومي لقطاف المحصول 10 آلاف ليرة سورية- ناهيك عن استخدام المحروقات لعملية التدفئة أيضاً، وكل ذلك يندرج تحت ما يسمى كلف الإنتاج، دون إضافة تعب الفلاح وجهده طيلة فترة الموسم.
وبحسب المزارع «مختار»: مهما كان حجم الإنتاج بكل بيت بلاستيكي فهو بالكاد يغطي تكاليفه مع هامش ربح بسيط لا يغطي عملياً تكاليف معيشته مع أسرته بالحدود الدنيا، فالهامش الأكبر يحصده التجار عملياً!
وأمام هذه التكاليف يقول «مختار» إن مبلغ 5 ملايين ليرة كسقف تعويض عن الأضرار لن يغطي إلا جزءاً من خسارة الفلاح بحال التعرض لأية كارثة طبيعية!

رغم الانهيار مستمرون لصالح الفساد

قطاع الزراعة يعاني من مشاكل عدة، أهمها عدم تقديم الدعم الكافي للمزارع، من محروقات وسماد ومبيدات حشرية وأعشاب، وغيرها من مستلزمات الإنتاج الأخرى، والتي لا بديل عنها، في ظل ارتفاع أسعارها الجنوني في السوق المتحكم به من قبل بعض الحيتان من أصحاب الأرباح والفاسدين، بالإضافة إلى آثار الكوارث الطبيعية التي تضيف خسارة فوق الخسارة.
فالمزارعون كانوا بانتظار خطوة إيجابية بما يخص دعم صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، عبر تعديل الشروط لمصلحتهم، بالإضافة إلى تحسين قيمة التعويضات، مع زيادة الدعم للعملية الإنتاجية بكل مستلزماتها، وليس أن تتخلى الحكومة عن دعمهم عبر هذا الصندوق أيضاً، تاركة إياهم تحت رحمة شركات التأمين، مع المبالغ المالية التي سيسددها كل مزارع سنوياً عن كل بيت بلاستيكي!
فمثل هذه الخطوة الملزمة من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من تراجع الزراعات المحمية، فالمبلغ الإلزامي الشهري والسنوي سيقتطع بشكل كامل من المزارع بعد انقضاء أربع سنوات، وسيكون إضافة على تكاليف الإنتاج المرتفعة أصلاً، مع العلم أن السواد الأعظم من المزارعين في بعض المناطق الزراعية يعتمدون على الزراعات المحمية لتغطية جزء من تكاليف معيشتهم، ومثل هذه الخطوة ستؤدي عملياً إلى المزيد من تردي أوضاع الفلاحين المعيشية، وبالتالي المزيد من الانهيار على مستوى القطاع الزراعي، في الوقت الذي يجري الحديث عن أزمة غذاء عالمية تحتاج إلى المزيد من الخطط الداعمة للزراعة، لا العكس، تجنباً للوقوع في براثن المجاعة المهددة لبلدنا، حسب بعض التقديرات المحلية والعالمية!
فكل ذلك التعامي الرسمي، عن الإنتاج الزراعي والعملية الإنتاجية ومستلزماتها، وعن مصلحة الفلاح والمستهلك والمصلحة الوطنية، يصب في صالح قلة من كبار الحيتان والفاسدين فقط، وكل مرة بعنوان ترويجي (قديم متجدد)، مع الكثير من الأسباب والذرائع التسويقية طبعاً، وهذه المرة سيكون حيتان شركات التأمين هم المستفيدون في البداية، ثم بقية حيتان أصحاب الأرباح والفاسدين، وخاصة كبار المستوردين، المستفيدين من تراجع الإنتاج عموماً، ومن وأد الزراعة والإنتاج الزراعي والصناعي تالياً، وكل ذلك برعاية ودعم حكومي يتوافق مع جملة السياسات الداعمة لهذه الشريحة والعاملة لمصلحتها، وليكن ما يكون من نتائج سلبية على مستوى الإنتاج والأمن الغذائي والاقتصاد الوطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1074
آخر تعديل على الأحد, 12 حزيران/يونيو 2022 23:53