امتحانات الشهادات تفضح المستور!
عمار سليم عمار سليم

امتحانات الشهادات تفضح المستور!

من يتابع صفحة وزارة التربية وموقعها الرسمي وتصريحات مسؤوليها يظن أن العملية التعليمية تسير على قدمٍ وساق، وأن جاهزيتها تبلغ أوجها، بدءاً باستقبال الطلاب في بداية العام الدراسي، وانتهاءً بالامتحانات للمراحل الانتقالية والشهادات العامة، ولكن ما إن شاهدنا الأمور حتى وجدنا أن الواقع بعكس كل ما يظهر لنا رسمياً، فما هو إلّا لوحة تجميلية ترسمها الوزارة لتغطي ذلك الجدار المتهدم المتآكل في الواقع التربوي!

فرغم كل الخطوات التي تقوم بها الوزارة والحكومة لسد الخلل الموجود في القطاع التربوي، من تعيين مدرسين من خلال العقود، أو تثبيت الوكلاء، أو غير ذلك، ورغم كل ما يتم الحديث عنه من مؤتمرات وفعاليات، إلّا أن المشكلة قائمة، وهي نقص حاد في الكوادر التعليمية، وبالنتيجة، ستظهر تلك المشكلة على المحك عندما تبدأ امتحانات الشهادات العامة، ويتم تكليفهم بأعمال المراقبة، وعندها يبرز النقص في عدد المراقبين، هذا إن استجابوا جميعهم ولم يتخلف أحد عن الدعوة!

ما هو الواقع الامتحاني للشهادات العامة؟

ليس من العجيب من وزارة التربية وسياساتها في الإنفاق على التعليم أن تعجّ العملية التعليمية والتربوية بالمشكلات خلال العام الدراسي، ولكن العجيب أن تجد هذه المشكلات في أهم حلقة من حلقات التعليم وأكثرها حساسية، وهي امتحانات الشهادات، فهذا ما يمكن اعتباره جزءاً من انهيار قطاع التربية في سورية!

صورة عن المراكز الامتحانية ومستلزماتها

كالمعتاد، يوجه مدير التربية في كل محافظة إشعارات لمدراء المدارس التي سوف تشغل مراكز لامتحان الشهادات، حسب رؤية مدير التربية لصلاحية ومواصفات وموقع كل مركز، ومن المفترض أن يكون المركز مجهزاً بمقاعد مريحة على أقل تقدير، ولكن ما شاهدناه في المراكز يعكس مدى عجز الوزارة عن تأمين هذه المستلزمات، رغم كل ما تدعي أنها مهتمة وضالعة بأعمالها على أتم وجه!
فبحسب ما ذكر غالبية رؤساء المراكز، فالمقاعد في هذه المراكز غير صالحة للاستخدام كمقعدٍ للامتحان، والقاعات غير مجهزة بستائر كافية تقي الطالب من أشعة الشمس، عدا عن صلاحية المراوح فيها، وحجم الغرفة الإدارية التي يستخدمها رئيس المركز.

الكهرباء والمشكلة المتجددة

بعد وعود مؤسسة الكهرباء بالتعاون مع مديريات التربية إلا أن ساعات الامتحان تدخل في ساعات التقنين حتى آخرها، دون أي اعتبار لحاجة المركز الامتحاني للكهرباء للتهوية والإضاءة.

مستلزمات الامتحان في نقصان

صرحت وزارة التربية رسمياً من خلال مديري التربية: أن هناك نقصاً في الأوراق الامتحانية، أي الأوراق المعدة للإجابة والممهورة بختم مديرية الامتحانات، وليس في كل مغلف إلا ثلاثة أوراق احتياطية لكل مادة، وهذا يُعد من المؤشرات الخطيرة، حيث إنه في كل عام يتناقص الإنفاق على قطاع التعليم، وليست هناك خطوط حمر يُحسب حسابها، فيمكن أن نرى الأوراق الاحتياطية- في أعوام قادمة- قد تلاشت، وربما يكون العجز في تأمين الأوراق وارداً في مستقبل تعليمنا في سورية.

أجور المراقبة تعني لا أجور!

الأسباب التي تدفع المكلفين بالمراقبة للتخلّف عن الحضور أسباب منطقية وطبيعية، وهي أنهم يكلفون بلا أجور! حيث تحتسب للمراقبة عن كل ساعة 300 ليرة سورية خاضعة لضريبة الدخل! أي إن المراقب يدفع أجرة مواصلات أضعافها فقط للوصول إلى مركز الامتحان، عدا عن معاناته في المواصلات التي أصبحت معيقة لأعمال الناس!
علماً أنه من المطلوب منه أن يصل قبل نصف ساعة من الامتحان، أي في الساعة السابعة والنصف، ويحسبون له 150 ليرة لقاء هذه الفترة، فأي هزلٍ هذا وما قيمة الـ 100 ليرة سورية في حال اضطراره إلى أخذ سيارة أجرة تكلفه لا أقل من 6000 آلاف ليرة، وهي أجرة المراقبة طيلة الشهر!

عقوبات أسهل من التكليف!

من المفارقات، أن وزارة التربية- وتحت هذه الظروف المبكية حقاً- لا تتجه إلى حل المشكلة بشكل جاد عبر منح أولئك المراقبين حقوقهم حتى يتمكنوا من القيام بمهامهم، وعلى الأقل تعويضهم عن تكاليف المواصلات، ولكنها اتجهت إلى تشديد الرقابة والعقوبات، ضاربة بحقوق المعلمين عرض الحائط!
فمهما بلغت العقوبات من شدة، لكنها تبقى أخف وطأة من العمل الملقى على عاتق أولئك المكلفين، سواء أكانوا مراقبين أو أمناء سر أو رؤساء مراكز أو مستخدمين! ومهما بلغ الحسم في العقوبة سيكون أقل تكلفة من المراقبة وما يترتب عليها من جهد وتكلفة مواصلات! ومع هذا تتعامى الوزارة عن واقع المعلمين، وما أكثر ذرائعها!

الفساد سيد الموقف

مع هذا الواقع المختل، يتدخل الفساد وينشط، حيث إن شروطه متوفرة ومتاحة، فبعضٌ من المراقبين ورؤساء المراكز ينتهزون هذه الظروف لتحصيل ما يمكن تحصيله من الطلاب ليفتحوا لهم أبواب الغش، ناهيك عن الفساد الكبير والمنظم من قبل بعض مندوبي التربية والمسؤولين في الوزارة في بعض الأحيان، حيث كثيراً ما نسمع عن تبديل مفاجئ لرؤساء المراكز دون أي سبب، مثيرين الشبهات حول النزيهين منهم، ليستفيدوا من هذا التبديل بشكل أو بآخر، عدا عن إعفاء بعض المراقبين حسب الوساطات والمحسوبيات المعروفة.
هذه الصورة السوداء لواقع الامتحانات تلخص جزءاً من الواقع التربوي في سورية، في ظل إدارات الفساد وداعميها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1074
آخر تعديل على الأحد, 12 حزيران/يونيو 2022 23:51