«المصلحة العامة».. وجهات نظر متباينة!
لم يكن من قبيل المصادفة اتخاذ الحكومة قرارات بالجملة «لنبش» الموارد من جيوب الفقراء فقط، لا بل إن القضية ترتبط بالعقلية الحكومية التي طالما اتخذت من هؤلاء دروعاً لإنقاذها من أزمتها المالية، وتوفير الموارد، وإن اعترض البعض على مقولة التوفير، استناداً لخطاب حكومي أدمن عبارات الدعم والدعم المستمر والمتزايد، فإننا سنسلم بفرضية أن دعم البنزين يعتبر هدراً اقتصادياً
وأمام هذا التسليم من حقنا أن نسأل: أين الحكومة من مكونات الهدر الأخرى؟! وأين هي من مقولة ترشيد الإنفاق في مؤسساتها؟! وأين الحكومة من مكافحة الفساد الكبير الذي يلتهم الاقتصاد الوطني؟! وأين الحكومة من المتهربين الكبار عن دفع الضرائب؟! وأين الحكومة من مكامن الثروة الحقيقية في جيوب الاغنياء وعمالقة الفساد؟! ألا يعتبر ذلك هدراً، وبأرقام أكبر وأكثر إغراءاً من رفع سعر مادة هنا وأخرى هناك!..
في عجقة الحديث عن إضافة موارد غذائية وأخرى اساسية إلى قائمة التسعير الإداري أو المركزي، يأتي قرار كهذا ليكّمل ما بدأه ارتفاع الدولار، ليلهب سعير الأسعار في الأسواق من جديد، إلا أن وزير النفط سليمان العباس يطمئن الجميع بعد 24 ساعة من صدور القرار، بمقولة «إن رفع سعر لتر البنزين إلى 120 ل.س لن يؤثر على الشريحة الواسعة من المواطنين، وإنما على الشريحة المتوسطة وما فوق، ليضيف بأن القرار اتخذته الحكومة لما فيه المصلحة العامة للجميع».
القرار.. لن يمر مرور الكرام!
لا يختلف اثنان على أن رفع أسعار البنزين سينعكس على أجور النقل العامة، وهذا سيترك تأثيراً سلبياً على أسعار السلع في الأسواق، وسيؤدي إلى انخفاض المستوى المعيشي المتدني أساساً لدى غالبية ساحقة من السوريين، فالعديد من المسؤولين الاقتصاديين حمّلوا تكلفة النقل مسؤولية ارتفاع أسعار المواد وعدم انخفاضها، والبعض تحدث عن كونه أصبح جزءًاً هاماً من التكلفة تعادل أكثر من 50%، وهذا يعني أن رفع سعر البنزين لن يمر مرور الكرام، وسيترك بصمته المعهودة في رفع أسعار السلع والمواد من بوابة زيادة أجور النقل، هذا إن لم نتحدث عن تأثير هذا الإقرار على زيادة أسعار سيارات الأجرة في المحافظات بنسبة لا تقل عن الـ 20%، فكيف يتحدث الوزير عن تأثير القرار على الشريحة المتوسطة وما فوق؟! ألن يطال هذا التأثير الشرائح الفقيرة في لقمة عيشها وتنقلها أيضاً؟! وهل وصول عدد السيارات السياحية العاملة على البنزين إلى نحو 800 ألف سيارة عاملة على البنزين في عام 2010 يرتبط بالشريحة المتوسطة وما فوق؟! خاصة وأن 70% من هذه السيارات ذو محرك أقل من 1600 سم3!.
شماعة الادعاءات
إذا ما كانت المصلحة العامة للجميع هي الشماعة التي يعلّق عليها الوزير المختص قراره هذا، وإذا ما كانت تلك الفلسفة هي المقياس الفعلي لاتخاذ قرار ما من عدمه، فمن حقنا أن نسأل الحكومة وصانعي القرارات الاقتصادية، ألا تصب مكافحة الفساد في المصلحة العامة؟! اليس الحد من التهرب الضريبي - لكبار المكلفين قبل سواهم - هو في صميم المصلحة العامة؟! أليس القضاء على التهريب الذي يستنزف الاقتصاد الوطني في المصلحة العامة؟! ألا يعتبر فرض ضرائب على الاغنياء من المصلحة العامة؟! وغيرها العشرات من القرارات التي تصب في المصلحة العامة للجميع إلا أننا لم نجد الحكومة ساعية لاتخاذ الخطوة الأولى على طريق أي من تلك القرارات، هذا إذا ما اعتبر البعض أن تمثيلية صرف العاملين من الدولة تحت عباءة الفساد محاربة جدية له، دون أن نتجاهل تقريراً رسمياً كشف أن 60% من حالات الطرد لا ترتبط بالفساد، كما أن مكافحة بعض جيوب الفساد طالت الصغار منهم في كل الأحوال، وهم بالمحصلة تحصيل حاصل على فساد الكبار، وليسوا الفاعلين في مافيا الفساد وثقافته التي تخترق جسد الاقتصاد الوطني ومؤسسات الدولة والمجتمع..
المصلحة العامة باتت كالرقم الاقتصادي مجرد وجهة نظر فقط على لسان بعض المسؤولين؟! فأين هي المصلحة العامة إذا ما كان المواطن هو أول المتضررين من تلك القرارات كبرت نسبة الضرر أو قلّت؟!
«لوم متبادل».. تمثيليات فاشلة!
يحرص التجار في كل مناسبة على نقد الخطوة الوحيدة البسيطة التي وضعتها الحكومة، في سبيل تقييد الأسعار. حيث رفعت قيمة المخالفات وبدأت بوضع هوامش للتكلفة والربح، وعلى الرغم من أن تقديرات المختصين حول قانون حماية المستهلك الجديد تسمه بأنه مجرد تشريع إضافي يعيق تطبيق فعلي للمخالفات الضرورية!، إلا أن هذا المستوى من التشريع مطرح نقد من التجار بكل الأحوال فإن التجار توعدوا الحكومة بنعومة فائقة، بردهم على التأكيدات الحكومية بأن أسعار المواد لن ترتفع مع ارتفاع سعر الصرف الأخير إلى 180 ل.س/$. حيث تساءل رئيس غرفة تجارة دمشق بهاء الدين حسن في تصريح إعلامي له: «كيف ستكون نظرة الوزير (وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك) إلى السوق حينما ترتفع الأسعار أكثر بعد ارتفاع الدولار؟ وخاصة أن هوامش الربح التي وضعتها الوزارة لن ترتفع، كما أن الوزارة لن تقبل زيادة التكاليف المستورة التي يتكبدها التاجر عن 5%، وهناك تكاليف لا يستطيع التاجر إثباتها وخاصة إن كان اشترى القطع من السوق السوداء.»