وزارة التربية.. تربية النحل والأفكار البهلوانية
عمار سليم عمار سليم

وزارة التربية.. تربية النحل والأفكار البهلوانية

مازالت وزارة التربية تضطلع بالأفكار «الخلاقة والمبدعة»، والتي تأتينا بكل «جديد»، ولا يهم إن كان هذا «الجديد» يصب في مصلحة الطلاب أو الكادر التعليمي، ولكن المهم في هذه الإبداعات والرؤى على ما يبدو هو إبراز الوزارة أمام الرأي العام بأنها لا تفتر عن العمل، وماضية بنشاطها لتطوير العمل التربوي!

وآخر ما أدهشنا بهذا الصدد هو ما نقلته إذاعة المدينة إف إم عن لسان وزير التربية بقوله: «إن الوزارة أدرجت «تربية النحل» ضمن مناهجها، وذلك بهدف توجيه الطلاب نحو المهن التي يميلون لممارستها في المستقبل، ودراسة الميول المهنية لديهم، وأكّد على أهمية تخصيص يوم عالمي للنحل».
كما نقلت الإذاعة عن رئيس اتحاد النحالين العرب فرع سورية، المهندس إياد تيسير دعبول، أنه تحدّث عن: «أهمية إدخال تربية النحل في الثانويات الريفية والزراعية، وضرورة زيارة أماكن تربية النحل ومنشآتها، وذلك لما لها من أثر كبير على البيئة والتنمية المستدامة».

مقدمة وتساؤلات مشروعة

قبل الخوض في هذه الفكرة وأهدافها، وربما تناقضاتها، نُذكر بمادة سابقة على صفحات قاسيون بتاريخ 19/12/2021 بعنوان: «بقوة القانون.. التعليم المهني لخدمة حيتان السوق أيضاً»، حيث ورد التالي: «استكمالاً لتدمير التعليم في سورية، بكل مراحله وفروعه، ورغم التشوه الحاصل ببنيته، فقد عمدت الحكومة إلى استصدار قانون بما يخص التعليم المهني، رغم ما يعانيه من ترهل، لإخراجه من وظيفته الأساسية وهي إكساب المتعلمين المهارات المهنية، النظرية والعلمية والعملية، لتخرّج شريحة من المهنيين القادرين على خوض العمل الإنتاجي والمهني، وتطويره، بأتم وجه، لتحوله الحكومة إلى مراكز إنتاج، ولكن ليس إلا لزيادة أرباح الحفنة المتنفذة من حيتان السوق والفاسدين، ولتحول الطلاب إلى عمّال بأجور رمزية!».
حيث يبدو أن وزارة التربية ماضية في هذا الطريق بكل ما أوتيت من وسائل، ساعية إلى إخضاع التعليم الى الاستثمار والاستغلال ولخدمة سوق العمل ولمصلحته، على حساب جهد الطلاب، ولو كان ذلك خارج نطاق عملها، كما رأينا بموضوع إدخال تربية النحل ضمن المناهج، والتي تلقاها المواطنون بالدهشة، ليس لأنهم ضد التجديد والإبداع، بل لأنهم يرون بأم أعينهم التردي المستمر والسريع للواقع التربوي، منهاجاً وتجهيزات وقلة كوادر وسوء تخطيط..إلخ، والذي بات يحتاج إلى غرفة إنعاش لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لتأمين أهم ضرورات القطاع التربوي الحساس والمهم في بناء الوطن وإخراجه من أزماته العميقة والمزمنة.
وبهذا الصدد يتبادر للذهن بعض التساؤلات:
هل قامت الوزارة بخطوة ملموسة للاستثمار في الطلاب أولاً، أي بناء الطلاب بناءً علمياً ومعرفياً فاعلاً لضمان مستقبل البلاد؟
وهل ضمنت وزارة التربية أن جميع المدارس في سورية لا تعاني من ضعف الكوادر والتجهيزات وحسن سير العملية التعليمية؟
وهل اتخذت خطوة عملية واحدة لتحسن أجور العاملين في قطاعها التربوي والتعليمي، وفي الوزارة عموماً؟
حيث يبدو وكأن كل هذه الأسئلة لا تعني الوزارة بشيء، والمهم أولاً وآخراً بالنسبة لها هو مساعي تلميع نشاطاتها أمام الرأي العام، ولو كان ذلك من خلال استثمار جهد الطلاب لغايات ربحية، وعلى حساب حسن سير العملية التعليمية والتربوية!

الفكرة في واد والواقع في واد آخر

لن نقلل من أهمية فكرة الميول المهنية لدى الطلاب وتنميتها وحسن تصويبها، شريطة توفير كل إمكاناتها ووضعها في مكانها، وبحسب الاختصاص، كي تكون جدية وذات جدوى حقيقية قابلة للتنفيذ.
فلو سلّمنا جدلاً بما سبق، فكيف ستتم ترجمة «تربية النحل» كجزء من المناهج على المستوى التنفيذي في ظل واقع المدارس، وما هي الإمكانات المتاحة فيها؟
فالكل يعلم أن عدداً ضئيلاً من المدارس التي توجد فيها مساحة صغيرة من حديقة أو أرض قابلة لزراعة بعض الأشجار، والهدف منها هو تحسين بيئة المدرسة، وحسن المظهر العام فيها، وهي لا تتسع لشيء آخر إضافي.
فأين ستوضع المناحل «الفارغة» ذات الغايات التعليمية في المدارس، دون وضعها بالإنتاج الفعلي طبعاً، كون ذلك قد يشكل خطراً على الطلاب والتلاميذ داخل الحرم المدرسي؟
أما بالنسبة لموضوع الكوادر والمناهج فنتساءل: هل بمقدور وزارة التربية مادياً وإدارياً إعداد الخطط التنفيذية، والمناهج التي تخصها بهذا المضمار الجديد البعيد عن اختصاصها ومجالها التربوي والتعليمي؟
وكيف سيتم إدراجها ضمن المناهج، ولو كانت من المواد التنشيطية، فكيف سيتم تخصيص حصتها النظرية والتدريبية، في ظل هذا الواقع الخانق الذي يستنزف الزمن والجهد، للطلاب والكادر التعليمي معاً؟!
ولو استطاعت وزارة التربية تأمين الوفورات المالية اللازمة والكافية لهذا الغرض، أليس الأولى أن تنفقه على ما هو أهم من ترميم للمدارس وتحسين الواقع التربوي عموماً؟

الثانويات المهنية والزراعية

الجدير بالذكر أن موضوع تربية النحل هو من اختصاص وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وهو جزء من التعليم الثانوي المهني الزراعي، ويقع على عاتق وزارة الزراعة، بحسب اختصاصها، موضوع المناهج الخاصة بذلك، بما في ذلك أن تدعم الطلاب ومشاريعهم الإنتاجية بالتعاون مع الجهات الحكومية لاحقاً، عبر تأمين بعض المستلزمات، من لباس ومناحل ومساحات كافية ومواد أولية لإنتاج العسل...
وهذه الثانويات تعاني مما تعانيه بقية الثانويات المهنية، من نقص حاد في الإمكانات والتجهيزات والكوادر.
ولعل الأولى هو الاهتمام بهذا القطاع التعليمي بالتنسيق مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، قبل أن تقفز وزارة التربية إلى المدارس لإدراج تربية النحل في مناهجها!

الرؤية من عيون المستثمرين

يبدو أن الحكومة ووزارة التربية تسعى إلى تسخير كل إمكانات التعليم المعنية لخدمة جهات استثمارية وربحية قليلة، على حساب أبناء الوطن ومصلحتهم، وتسعى جاهدة إلى تثبيت هذا النهج الاستثماري كركيزة عمل لها في القطاع التربوي، رغم ما يحل بالوطن من كوارث ودمار في شتى نواحيه.
فالحكومة والوزارة ترى مثل هذه المشاريع الاستثمارية تحت يافطة التعليم من خلال عيون التجار والسوق ومصالحهم، ضاربة بمصالح الطلاب وبرأي المعلمين والكوادر التي تعمل في الميدان عرض الحائط، فالمهم هو تألقها الإعلامي، وتأمين مصالح طُغم الفساد التي نخرت في جسم كل القطاعات، ومنها التربية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1062