رمضان الخير بات صورة في أرشيف الذاكرة السورية!
عبير حداد عبير حداد

رمضان الخير بات صورة في أرشيف الذاكرة السورية!

أيام قليلة تفصلنا عن شهر الخير رمضان، والمفارقة لهذه السنة، استقبال السوريين لشهر الصيام بحلته الجديدة الممزوجة بمستوى غير مسبوق من الجوع المدقع، الذي خيّم على واقع حالهم.

رمضان الخير، بكل ما يحمله من صور جميلة تجمع العائلة على مائدة إفطار شهية تتزين بأصناف عدة من مأكولات ومشروبات وتمور، وما يتبعها من أصناف حلويات تتناولها العائلة الملتمة لمشاهدة المسلسلات الرمضانية، والتسوق الذي تنتظره العائلة بفارغ الصبر قبل أيام قليلة تسبق شهر الصيام، باتت مجرد صور في أرشيف الذاكرة السورية!
فمع استمرار المائدة الرمضانية بالتقلص بسبب تدني القدرة الشرائية للأسرة السورية عاماً بعد آخر، ستكون وفق المؤشرات الحالية لهذه السنة مائدة فقيرة جداً، وبكافة المقاييس، والتي بات من المحال أن تُشبع الأمعاء الخاوية للغالبية المفقرة، بعدما أصاب السوق داء ارتفاع الأسعار الحاد الذي ليس له مثيل!
فمشهد الدهشة من ارتفاع الأسعار بات يومياً، بل ولحظياً، ولم يعد محصوراً بأصناف محددة كاللحوم البيضاء والحمراء، وبعض أصناف الفواكه والخضار، حيث أصبح الغلاء معمماً، وقد طال كافة أنواع السلع الغذائية وغيرها.

الأسعار.. والقادم أسوأ

استعراض أسعار بعض أصناف السلع الغذائية الأساسية يعطي فكرة عن الأجواء الرمضانية التي سيستقبل السوريون بها شهر الخير!
فعلى سبيل المثال: أصبح كيلو اللحمة الغنم يتراوح بين 40 إلى 45 ألف ليرة سورية، وكذلك كيلو شرحات الدجاج بـ 14500 ليرة، وهكذا نجد أن اللحوم باتت حكراً على موائد الأغنياء ومنذ فترة لا بأس بها.
صحن البيض تجاوز عتبة الـ 12 ألف، أي بمعدل 500 ليرة للبيضة، الجبنة شلل تجاوزت عتبة الـ 19 ألف، أما كيلو اللبن بـ 2500 ليرة، والحليب بواقع 2200 ليرة للكيلو.
الزيت النباتي وصل لعتبة 15 ألف ليرة، وكذلك السمنة نوع «الخير» بـ 15 ألف ليرة للكيلو، بالنسبة لسعر كيلو البرغل وصل إلى عتبة الـ 5500 ليرة، والعدس بواقع 6500 للكيلو، الفريكة 12 ألفاً، الرز بين 3500- 4000 آلاف ليرة، السكر أيضاً لم يسلم من حدة الارتفاعات ليصل سعره لـ 3500-3700 ليرة.
أما عن أسعار الخضار فوصل سعر كيلو البندورة إلى حدود الـ 3000 ليرة، والبطاطا إلى حدود 2200 وما فوق، البيتنجان وصل إلى حدود الـ 3500 ليرة!
وفق الجولة أعلاه على بعض أنواع السلع الغذائية الأساسية، نلمس واقع حال المواطنين الذي لم يعد بإمكانهم تحمل أعباء أبسط أنواع الأطعمة التي كانت عوناً لموائدهم الفقيرة، فكيف سيكون حالهم مع اقتراب شهر رمضان، الذي سيشهد جولة جديدة لارتفاعات أخرى كما كل عام؟!
خصوصاً أن التصريحات والعمل الحكومي قائم ويركز على توفير المواد والسلع الغذائية، دون أن يركز أو يتطرق حتى على كيفية الحفاظ على توازن الأسعار، والتخفيف من وطأة استغلال من يتحكمون بها بلا رقيب أو حسيب، على حساب ومن جيب المواطن المفقر، ليصف البعض تقاعس الحكومة عن فرض رقابة عالية على واقع الأسعار، أنها باتت تعمل لحماية مصالح كبار الحيتان والتجار من وراء الكواليس، أما المواطن المستهلك فينفع معه أسلوب «شم ولا تدوق»، فالسلع متوفرة في الأسواق ولكنها لمن يقوى على تسديد سعرها من القلة الثرية فقط!

تفاقم العجز

يتفاقم عجز المواطن عن تأمين قوت يومه، مع ازدياد منحنى أسعار «السلة الغذائية» تصاعداً يوماً بعد أخر.
ففوضى الأسعار الأخيرة، وانفلاتها في عموم المحافظات، والذي أصبح بلا رادع، أوصلت المواطنين إلى حالة من الغليان بسبب تدني في القدرة الشرائية غير المسبوقة، ومزيد من انخفاض في معدلات الاستهلاك، المنخفضة أصلاً، حتى أصبحت شكوى المواطنين لبعضهم البعض عادة رائجة في الشارع السوري أينما سنحت الفرصة، كنوع من التنفيس عن حالة العجز والقلق والغضب، عِبر الوقت المستقطع من حياتهم بانتظار رغيف الخبز على دور الأفران، أو بعد استراحة محارب من الانتظار الطويل في المواقف والطرقات والجري خلف وسيلة النقل، أو بعد حالة الذهول التي تصيبهم جراء التغير السعري لأحد أنواع السلع بين ليلة وضحاها خلال رحلة تبضعهم اليومية، لتنتهي حال الذهول برثاء حال بعضهم ببضع كلمات تختتم بقولهم «الله يجيرنا من الأعظم»، أو عبر طرح همومهم بأسلوب كوميدي، كنكتة قد تخفف من هول فاجعة الغلاء، وتبقى النكتة المضحكة المبكية تعبر عن لسان حال المواطن، الذي أُغرق في غياهب الجوع والعوز الشديد.

المعاناة بنكهة الذرائع

ترتفع أسعار السلع بشكل مطرد، لأسباب عدة تتم المناورة عليها من قبل حيتان الاستيراد وتجار الفساد والاستغلال النهبوي، عبر اللعب على أوتار ذرائعهم، غير متوانين عن استغلال ما تيسر لهم من أحداث، سواء على الساحة «المحلية- والإقليمية- والدولية».
فتارةً بسبب العقوبات والحصار، وتارةً أخرى بسبب ارتفاع أجور الشحن والنقل عالمياً التي شبع المواطن من سماعها، وتارة تنسب تلك الذرائع بسبب موجات الصقيع، أو الجفاف المحلية وما خلفته من تراجع على مستوى قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، فوق التراجع الذي تسبت به السياسات الليبرالية الحكومية.
أما آخر صيحات الاستغلال، هو ما يجري من فوضى هائلة على مستوى أسعار السلع الغذائية، وندرة بعضها، بسبب الأزمة الأوكرانية، والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا، وتأثيراتها الاقتصادية عالمياً، والملفت اليوم، أن فرصة رفع الأسعار الذهبية هذه جاءت على طبق من ذهب لحسن حظ مصاصي دماء المواطنين السوريين.
فترافق الحدث الأوكراني لهذه السنة كذريعة يغنموا منها ما تيسر من أرباح، بالإضافة لتصيّد فرصة ارتفاع الأسعار الثابت من كل عام والمترافق مع شهر رمضان.

تصريحات للتبرؤ من المسؤولية

التبرير الذي قدمه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، رداً على عدم تناسب الأسعار مع دخل المواطن، بقوله: إن «التاجر يستورد بناء على السعر العالمي وليس بناءً على دخل المواطن..»، يشير وكأن المواطن هو المسؤول الأول عن التشوه الحاصل في المعادلة بين الأجور والأسعار، لترفع الحكومة المسؤولية عن نفسها وعن سياساتها المجحفة التي أوصلت المواطن إلى هذا القدر الكبير من العجز وانعدام الامن الغذائي، ولترفع مسؤولية رقابة وضبط الأسعار عن نفسها، بل مع منح كامل المشروعية لفوضى الأسعار في الأسواق!
فرمضان جرى استنزاف خيره أيضاً من قبل حيتان المال والفساد، فمع الارتفاع المستمر للأسعار، المترافق بازدياد انخفاض معدلات الاستهلاك المرتبطة بالقدرة الشرائية، لا يمكن للمواطن الخروج من مستنقع الجوع الذي رمته به تلك السياسات الظالمة، سوى من خلال العمل الجدي، بعيداً عن التذرع بالعقوبات والارتفاعات العالمية والأزمة الأوكرانية وغيرها من الحجج الواهية، التي ما أنزل الله بها من سلطان، للتخلص من السياسات الليبرالية التي جرى تطبيقها على مدى عقود من الزمن، جملة وتفصيلاً، مع العمل الجدي على تصحيح التشوه الحاصل بين الأجور والأسعار، والذي معه تكتمل فقط دورة الإنتاج، مع أهمية إعادة الاعتبار للإنتاج الزراعي والصناعي عبر تقديم الدعم الحقيقي لوسائل الإنتاج، الأمر الذي ينعكس بشكل جدي على خفض فاتورة تكاليف الإنتاج، وبالتالي على جيب المستهلك بالمحصلة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1062