الدواء بين سياط الغلاء والتوفّر!
رندا الحسين رندا الحسين

الدواء بين سياط الغلاء والتوفّر!

«لدينا دواء ويمكننا أن نقدّمه لك، ولكن سنضطر إلى رفع سعره (قليلاً) هذه المرة أيضاً»!

وكأن هذا هو لسان حال وزارة الصحة بعد قيامها بإصدار نشرات أسعار لبعض الأصناف الدوائية، تتضمن المزيد من الرفع السعري عليها، وليس آخرها النشرة الصادرة بتاريخ 22 من شهر شباط الجاري.
فقد شملت هذه النشرة الأخيرة بشكلٍ خاص الصادات الحيوية وأدوية الالتهاب، حيث ارتفعت أسعار هذه الأصناف بنسبة تتراوح بين 30– 40% علماً أنّها كانت قد ارتفعت مسبقاً مع زيادة أسعار الأدوية بنسبة 30%، والتي حدثت بتاريخ 16 كانون الأول من العام الحالي.
وكذلك تمّ رفع سعر بقيّة أصناف الحليب، التي لم يطلها الارتفاع الماضي، حيث وصل سعر حليب رينو بلس (400 غ) إلى 17500 ل.س، ورينو بلس (900 غ) إلى 36000 ل.س.
الزيادة شملت أدوية الالتهاب بمبالغ تراوحت بين 1500 و3000 ليرة، فارتفع سعر علبة حبوب «زدناد» من 6800 إلى 8800 ليرة، وسعر شراب الالتهاب «سيفيكسيم» من 2900 إلى 4500 ليرة، وحبوب «الأزيترومايسين» من 1600 إلى 2900 ليرة، وقد وصل سعر علبة «الأوغمنتين» عيار 1000 الحاوية على 14 حبة من حوالي 9000 إلى 12800 ليرة.
وقال بعض الصيادلة إن الارتفاع طال أدوية تعتبر نوعية ومطلوبة، لكنها مقطوعة، مثل: الزدناد، والأوغمنتين، وإبر اللينكومايسين، والأميكاسين، والروس بلس، والسيبروز، والأزيتروليد.

هل رفع الأسعار هو الحل لتأمين الأدوية المقطوعة؟

لم يهدأ مسلسل رفع أسعار الأدوية، حاله كحال بقية السلع الأساسية الأخرى التي تشكّل عصب الحياة للناس، والمبررات موجودة دائماً!
فالغرض الأساسي من رفع أسعار الأدوية هو تأمنيها، بحسب تصريحات نقيب صيادلة سورية وفاء كيشي لإذاعة شام إف إم، فقد قالت إنّه: «تمت مراسلة الوزارة لرفع السعر حتى يتوفر الدواء».
ولكن المستغرب وفق ما تقوله إحدى الصيدلانيات أن الدواء برغم ارتفاع سعره إلّا أنه لا يتوفّر بشكل مريح، كافٍ ومستمر، حيث يتوفّر مباشرة بعد عملية الرفع، ثم يعود بعد فترة إلى تواجده بشكل محدود ومقنّن.
تعزي نقابة الصيادلة سبب الارتفاع إلى «ارتفاع تكاليف تصنيع الأدوية»، إضافة إلى «ارتفاع تكاليف الشحن في استيراد المواد الأولية»، وذلك وفق ما جاء في تصريح جهاد وضيحي عضو مجلس نقابة الصيادلة لصحيفة الوطن، إضافةً إلى توقف بعض شركات الصرافة عن تمويل عمليات الاستيراد بالسعر المدعوم من قبل الحكومة. 
ولكن هل تسوّغ هذه المبررات الارتفاع المستمر واللامحدود للسّلع الدوائية؟ ولا سيّما في ظلّ الحديث عن انخفاض فعالية وجودة بعض الأدوية، أيّ: ارتفاع أسعار وانخفاض فعالية بالنتيجة!

التوجه نحو تحرير سعر الدواء؟!

أدّى صدور نشرة الأسعار الأخيرة إلى حدوث انفراجٍ نسبيّ ومؤقت بالنسبة لتوفّر بعض الأصناف، والتي كان الصيادلة يضطرون للجوء إلى السوق السوداء لشرائها بالسعر الحرّ!
وقد كان هذا أحد أهم أسباب اختلاف سعر بعض الأدوية من صيدلية إلى أخرى.
إذ تحوّلت السوق الدوائية إلى ساحة سمسرة ونهب من قِبل الشركات الدوائية والمستودعات على حد سواء، وكلّ ذلك يحدث في ظلّ صمت وزارة الصحة ونقابة الصيادلة عن كلّ هذه التجاوزات، وتوجّههما لكيل اللّوم على الصيدلاني وحده، مع عدم تبرئة البعض من هؤلاء طبعاً!
يقول أحد الصيادلة: «إنّ أزمة الدواء بين الانقطاع والارتفاع جعلت الخيارات أمامهم محدودة، فإما أن يلتزم الصيدلاني بالتسعيرات النظامية ويبتعد عن السوق السوداء، ممّا سيجعل صيدليته شبه فارغة، أو أن يلتزم بالحصص المقننة من الدواء التي توزعها المستودعات (علبة مثلاً كل أسبوع)، أو يحصل الصيدلاني على قطعة واحدة من دواء مقطوع بمقابل تحميل عدد كبير من القطع غير المرغوبة كثيراً، أو أن ينتظر ريثما تستجيب وزارة الصحة لطلب المعامل المستمر برفع الأسعار بغرض توفير الأصناف، ممّا سيؤدي إلى توقّفه عن العمل أو تسبّبه بالخسائر بسبب وجود طلب كبير على معظم الأدوية المقطوعة والمقنّنة، إذ إنّها أدوية أساسية لا يمكن التّخلي عن وجودها في الصيدلية»!
وينهي الصيدلاني حديثه بالقول: «لا تستبعد نوصّل لمكان يصير حتى الدوا كلّو عالحرّ.. وبالآخر ما حدا بياكلها غير هالمواطن الفقير».
لا غرابة في حديث الصيدلاني الواضح أعلاه، فكل المؤشرات تدل على أن السياسات الحكومية ماضية بهذا الاتجاه، بالنسبة للأدوية أو غيرها من السلع والمواد، بل والخدمات أيضاً!

لا نمرض يعني!

بهذه العبارة يدير رجلٌ ستينّي ظهره بعد خروجه من الصيدلية العاشرة بحثاً عن دوائه المقطوع!
فرغم التوفّر المحدود لبعض الأصناف إثر كل ارتفاع للأسعار، إلّا أن هناك أصنافاً دوائية أساسية، كأدوية الضغط والقلب والسكري والسرطانات، غير متوافرة، وإن توافرت فبأسعار باهظة تكسر الظهر!
تقول إحدى الصيدلانيات: بات من المحزن مشاهدة ما يعانيه الناس عن كثب في أزمة الدواء، ويبدو أنّ مقولة «درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج» قد أصبحت حاجةً ملّحة فعلاً في هكذا وضع!
ولكن أنّى للمواطن أن يحافظ على صحته، في ظروف معيشةٍ غير صحيّة ومزرية، في ظل استمرار أدوات الضغط عليه، استغلالاً ونهباً وفساداً، والمتمثلة بجملة السياسات الطبقية المتبعة، المنحازة بالضد من مصالحه على طول الخط؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1059