مخالفات البناء والاستفاقات المتأخرة والمزاجية
سمير علي سمير علي

مخالفات البناء والاستفاقات المتأخرة والمزاجية

أن يتم هدم بناء مخالف في منطقة ما يعتبر في أحد جوانبه تغليباً للقانون على المصلحة الخاصة، ومؤشراً على نفاذ سلطة الدولة ضمن حدود تنفيذ النصوص القانونية، بما يضمن عدم التعدي على الحقوق المصانة.

لكن مع كل أسف، إن ما يجري على مستوى غالبية مخالفات البناء أنها غائبة وبعيدة عن نفاذ سلطة القانون بشأنها، فمناطق المخالفات والعشوائيات، من حيث المساحة والاكتظاظ السكاني، أكبر بكثير من المناطق العمرانية المنظمة.

العام والاستثنائي

على الرغم من كثرة النصوص القانونية المتعلقة بمخالفات البناء، وكثرة التعليمات والتوجيهات بشأنها، وكثرة الجهات المسؤولة عن ضبطها، إلّا أن الواقع اليومي يقول: إن مخالفات البناء مستمرة ومتزايدة ومتسعة، وبعض الحالات المسجلة على شكل تنظيم ضبوط مخالفات بها، أو هدم بعض أجزائها، ما هي إلا حالات استثنائية ونادرة جداً، ولا يقاس عليها.
المثال على ذلك مؤخراً، هو الخبر المتداول عن هدم بناء مخالف مؤلف من أربع طوابق في طرطوس، والذي لا يمكن اعتباره إلّا أنه استفاقة متأخرة جداً على هذه المخالفة، مع الإشارة إلى أنها واحدة من عشرات المخالفات المشادة والمستمرة، والحديث هنا ليس على مستوى طرطوس فقط، فجميع المحافظات والمدن والبلدات مكتظة بمخالفات الأبنية، وعلى عينك يا بلديات ومحافظات!

أسباب ومستفيدون

من المعروف أن استطالة المخالفات واتساع رقعتها ما كان لها أن تتم لولا توفر شرطين:
الأول: مرتبط بسياسات السكن والإسكان المتبعة منذ عقود وحتى الآن، والتي لم تصل في عام من الأعوام السابقة لتسد الحاجات المتنامية للسكن ولو بحدودها الدنيا، مما برر، بشكل رسمي وغير رسمي- معلن أو مبطن- هذه الاستطالات من المخالفات.
والثاني: هو عامل الفساد الذي يغطي على المخالفات باستطالاتها وتوسعها، أي غض الطرف عن النصوص القانونية، وإبعاد لسلطة إنفاذها من أن تقوم بواجباتها، بمعنى أكثر وضوحاً: ابتلاع لسلطة الدولة نفسها بهذا المجال!
بقي أن نشير إلى أن هذا الواقع كان وما زال فرصة ذهبية بالنسبة لتجار وسماسرة العقارات والأراضي، فهؤلاء استفادوا من تغييب دور الدولة على مستوى مسؤولياتها تجاه الحاجات المتنامية للسكن، وابتلاع هذا الدور على أيدي الفاسدين، ليحصدوا في جيوبهم أرباحاً مضاعفة من خلال مخالفات البناء، على حساب ما يجب أن تكون عليه المخططات العمرانية النظامية، وعلى حساب سلطة القانون وإنفاذه، والأهم، على حساب المحتاجين للسكن، ليس على مستوى الأسعار الباهظة فقط، بل على مستوى المواصفة والسلامة الإنشائية، وهو الأخطر!

لمصلحة الحيتان وعلى حساب المحتاجين!

كي لا يتم استمرار تبرير المخالفات والصمت عليها، وليّ أذرع سلطات إنفاذ القانون بشأنها فساداً، كما هو سائد ومستمر حتى الآن، ولكيلا تكون عمليات ضبط المخالفات عبارة عن حالات استثنائية ومزاجية وانتقائية، لها ما لها وعليها ما عليها من ملاحظات، فإنه من المفترض أن تقوم الدولة بواجباتها ومسؤولياتها ضمن إطار الشرطين أعلاه.
فكل ما عدا ذلك يؤكد أن الواقع والحاجة سيستمران في فرض توسيع رقعة المخالفات والعشوائيات إلى أمد غير منظور، لمصلحة حيتان تجار العقارات طبعاً، وعلى حساب المواطنين المحتاجين للسكن من كل بد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1059