مزيد من التمنين على الحقوق
باسل ياسين باسل ياسين

مزيد من التمنين على الحقوق

اعتاد المواطن السوري، بعد كل تصريح لأحد المسؤولين عن المبالغ التي تتكلّفها هذه المؤسسة أو تلك سنوياً، أن ينتظر قرارات تهدف إلى سد العجز في هذه المؤسسات، من جيبه وعلى حساب قوت عياله غالباً.

فما كان للحكومة بعد تصريحاتها المتتالية عن تكاليف الدعم، مثلاً، إلّا أن رفعت الدعم عمّا يقارب من نصف مليون أسرة سورية، تحت مسمى «إيصال الدعم إلى مستحقيه».
فها هو مدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يصرح لوكالة سانا بتاريخ 16/2/2022، أن: «عدد المتقاعدين بلغ 680 ألف متقاعد من مختلف المحافظات السورية حتى بداية العام الجاري، وقد صرفت منذ العام 2011 وحتى نهاية العام الماضي نحو 1,3 تريليون ليرة سورية، ما بين تعويضات ومعاشات للمتقاعدين منها 355 مليار ليرة تم صرفها العام الماضي».
فهل يمكن اعتبار تصريح مدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ضمن السياق أعلاه، اعتيادياً، أم يحق لنا أن نتوجس منه؟!

حسبة بسيطة

بحسبة بسيطة، اعتماداً على الأرقام أعلاه، يتضح أن المتقاعدين قد حصلوا على ما يقارب 43,5 ألف ليرة سورية (ما بين تعويضات ومعاشات شهرية) خلال العام الماضي لكل منهم.
وعلى مدار العشر سنوات الماضية حصل كل من هؤلاء وسطياً على 11,5 ألف ليرة سورية (ما بين تعويضات ومعاشات شهرية).
فهل يمثل هذا المبلغ الهزيل ما يكفي للمتقاعد لضمان معيشة كريمة، بعد الجهد الذي بذله خلال سني شبابه، وصولاً إلى شيخوخته، في العمل الوظيفي؟
أم أنه بالكاد يعتبر أقل صدقة؟

نصف الحقيقة

تجدر الإشارة هنا إلى أن المبالغ الذي أفصح عنها مدير المؤسسة يمكن اعتبارها نصف الحقيقة فقط، حيث من المفترض بالمقابل أن يتم الإفصاح عن المبالغ الواردة لحسابات المؤسسة، سواء كانت هذه الإيرادات على شكل اقتطاعات شهرية من حسابات العاملين والجهات التي يعملون بها، أو كانت الإيرادات والعوائد من المشاريع التي تم استثمار هذه الاقتطاعات فيها، بالحد الأدنى ليتبين وضع المؤسسة المالي، وكي يتعزز الدور الرقابي للمواطن صاحب الحقوق في هذه المؤسسة، التي تعتبر المظلة التأمينية له، والتي من المفروض أن تعينه في معيشته بعد تقاعده!

مشكلة أم أزمة مستعصية

في تصريح سابق لمدير المؤسسة في عام 2020، عن المعاناة التي تكابدها المؤسسة في تحصيل الديون العامة للمؤسسة، كان تمديد العمل بالقانون رقم 4 الصادر في كانون الثاني لعام 2016، كل عام، والذي تضمن إعفاء أصحاب الأعمال من الفوائد والمبالغ الإضافية المترتبة عليهم، وكل الفئات المدينة للمؤسسة، في حال تسديد الاشتراكات التأمينية والمبالغ المترتبة عليهم، الأمر الذي شكّل بالواقع العملي دعماً لأصحاب العمل (عام أو خاص) على حساب أموال المؤسسة وأموال المتقاعدين على حد سواء.
ففي تصريح لصحيفة الوطن مطلع 2020، أشار مدير المؤسسة إلى أن: «المؤسسة حصلت من ديونها نحو 90 مليار ليرة لغاية شهر تشرين الثاني من عام 2019، بعد أن كانت 210 مليارات في نهاية عام 2018، كما حصلت المؤسسة من القطاع الخاص نحو 19 مليار ليرة في عام 2019، من أصل المديونية البالغة 90 ملياراً لذات الفترة، لافتاً إلى أنه تم مخاطبة الجهات الوصائية بضرورة تسديد الديون المترتبة للتأمينات الاجتماعية، كي تقوم بالوفاء بالتزاماتها من دفع رواتب شهرية، وغير ذلك».
وبحسب المدير العام، فقد وجه مجلس الوزراء: «بتحصيل المديونية إما من خلال الدفع النقدي، وإما عن طريق استملاك عقارات أو ممتلكات قابلة للاستثمار لدى الجهات المدينة، بشرط أن يكون العرض مناسباً للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وأن تستفيد المؤسسة من ذلك، وإلا فستكون عملية التملك ليس لها أية فائدة».
النقطة الأخرى التي أثارها مدير عام المؤسسة، فيما يخص استثمار أموال المؤسسة، أن: «المؤسسة أودعت زهاء 26 مليار ليرة في البنوك الخاصة تعود عليها بمبالغ جيدة، لافتاً إلى أن البنوك العامة رفضت استقبال ودائع من المؤسسة خلال العامين الماضيين، مشيراً إلى أن هذه البنوك لو وافقت على الإيداع لتحققت عوائد أكبر».
التصريح أعلاه يعني أن المؤسسة ما زالت تبحث عن سبل لتحصيل الذمم المالية المستحقة لها على الجهات العامة والخاصة، وكذلك يعني عدم وجود استثمارات حقيقية لأموالها المودعة في المصارف!

قروض للأكل

جاء أيضاً في التصريحات الأخيرة لمدير المؤسسة أنه من ضمن الخدمات المقدمة للمتقاعدين، القروض التي تم رفع سقفها مع بداية العام الجاري من 700 ألف ليرة إلى مليون ليرة سورية، بعد صدور عدة مراسيم تتضمن زيادة الرواتب للمتقاعدين، لافتاً إلى أنه تم أيضاً رفع سقف القرض للعاملين في المؤسسة من مليون ونصف إلى مليوني ليرة سورية، بفائدة تصل إلى 6% تضاف إلى مبلغ القرض، لمدة 3 أو 5 سنوات، بضمان معاش المقترض وكفالة شخصين مؤمن عليهما.
ومن المفروغ منه أن سوء وتردي الوضع الاقتصادي الذي تمر فيه البلاد يجعل من هذه القروض ما يشبه الإعانة، فهي لا تسمن ولا تغني من جوع، فهي لا تصل إلى تغطية المصروف الشهري على ضرورات الحياة المعيشية لعائلة من خمسة أفراد فقط!

مظلة مهترئة

من المفترض أن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تعتبر المظلة التي تكفل لأصحاب الحقوق فيها، وخاصة المتقاعدين، العيش الكريم الذي يقيهم الحاجة والعوز في نهاية سني عمرهم الذي قدموه جهداً وعملاً خلال مسيرة عملهم، لكن مع بساطة ما تقدمه المؤسسة للمتقاعدين كأجور شهرية لا تغطي قيمة الوصفات الطبية لهؤلاء، يبدو أن الحديث عن كتلة الإنفاق العام، بحسب التصريحات أعلاه، وكأنها تدخل في سياق «المنّيات»!
فأموال المؤسسة بالأصل هي أموال هؤلاء المتقاعدين، ومع ذلك تمننهم بالأجر الشهري «الصدقة»، المرتبط أصلاً بسياسات الأجور المطبقة، والتي لا يمكن اعتبارها إلا أنها مبالغ شهرية رمزية، لا تكفي احتياجات عدة أيام فقط لا غير!
وبهذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى أن كتلة الاقتطاعات التي تمت من أجور العاملين خلال السنين الماضية، والمسددة في حسابات المؤسسة، بالإضافة إلى حصة أرباب العمل، بالمقارنة مع القيمة الشرائية لليرة خلال هذه السنين، كانت قد تآكلت بسبب جملة من العوامل، أهمها السياسات المالية والنقدية المتبعة، وصولاً إلى حال التضخم الحالي، ولم يتم ربط استحقاقات المتقاعدين طيلة هذه السنوات بما يوازي عوامل التضخم تلك، أو عوامل تآكل القيمة الشرائية لليرة بالنتيجة، وطبعاً كل ذلك على حساب معيشة أصحاب الحقوق!
أما عن الإجراءات الرسمية تجاه هذه المؤسسة، والتي ذكر بعضها أعلاه، فتشي وكأن هناك توجهاً لإفشالها، أو لعرقلة مسيرة عملها بالحد الأدنى، سواء من خلال عدم التمكن من استثمار أموالها بمشاريع منتجة حقيقية، أو من خلال عدم تمكنها من تحصيل ديونها، والأهم الاستمرار بالسياسات الأجرية المجحفة، والاستمرار بسياسات الإعفاءات التي تصب بمصلحة أصحاب الأرباح.
فهل من المستغرب أن نتوقع الأسوأ، الذي يمكن أن يتمثل بعدم تمكن هذه المؤسسة من الإيفاء بواجباتها ومسؤولياتها تجاه أصحاب الحقوق لديها مستقبلاً؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1058