كيف تتخيل حياتك بدون كهرباء...؟!
«تخيل الحياة بدون كهرباء» الجملة الأكثر هزلية على الإطلاق، ورغم واقع الكهرباء الحرج، مازالت الوزارة تصدر الفواتير مع تلك العبارة الملازمة للوجه الخلفي لها!
فلا داعِي أن يتخيل المواطن حياته بلا كهرباء، بعدما تعايش مجبراً مكرهاً للتأقلم مع ساعات طوال محفوفة بالظلمة وانتظار ساعة الفرج الكهربائي، وإن أطلقنا على واقع الكهرباء عبارة «أكثر من متردّ» نجدها لا تصف حال المواطنين مع كم المعاناة والخسارة الجسيمة بعدما أصبحت الكهرباء خدمة حكومية نادرة الوجود، في ظل استمرار التحطيم الشامل لحق المواطنين بالحصول عليها، وعلى غيرها من الخدمات التي تعتبر حقاً من حقوقهم ولكنه مصادر...
الأمبيرات البديل المشوه عبر السوق السوداء
وفقاً للعادة التي باتت قانوناً يلازم الأفعال الحكومية: أنّ ما تسحب الحكومة يدها عنه، يأتي ليحل محله بديل مشوه، سواء كان قانونياً بعدما تشرعنه القرارات الحكومية أو غير القانوني، ليغطي الغياب الخدمي للقطاع الحكومي بعدما تنازلت عنه الحكومة طوعاً، وهذه التغطية ليست لوجه الله، بل لتصبح تجارةً احتكارية رابحة تدر المال الوفير للقائمين عليها، ومن خلفهم، بلا رقابة تكبح عن الناس الاستغلال!
طبعاً على حساب حاجة المواطنين للخدمات التي فُقِدَت، واحدة منها الكهرباء عصب الحياة وعماده، لا يمكن الاستمرار بدونها، فمع ساعات التقنين الطويلة تبقى الأمبيرات الحل الوحيد الذي فرض كحاجة خدمية ملحة، سواء للأعمال المنزلية أو لأصحاب المهن والمحال التجارية والخدمية، للاستمرار قدر المستطاع بحياة مشوهة شبه طبيعية.
الاستعانة بالأمبيرات خدمة ولدت حاجتها مع بداية الأزمة السورية، وكان منشؤها الأول في مدينة حلب ومناطق أخرى من محافظة ريف دمشق، بالإضافة إلى بعض المدن الأخرى، التي تضررت بنيتها التحتية جرّاء الأعمال العسكرية خلال سنوات الحرب السابقة، ومع ازدياد توحش التقنين الكهربائي، الذي تجاوز الـ20 ساعة وما فوق، باتت الحاجة ملحة لبديل ما، مهما كان شكله، لتسيير أعمال المواطنين، لنجد أن ظاهرة الأمبيرات امتدت لتغزو مدن أخرى.
أشكال تواجدها وتكلفتها بلا رقيب أو سلطان
يرى المستفيدون من خدمة الأمبيرات أنها البديل الأقل كلفة، مقارنةً مع تكاليف شراء مولدة ضخمة، وتبعات تأمين المازوت المجهدة، أو تكاليف ألواح الطاقة الشمسية.
وللاشتراك بهذه الخدمة على المواطن أن يتحمل تكاليف إيصال الشبكة إليه، بدءاً من عملية مد الكابلات الكهربائية، بالإضافة إلى عداد يحتسب كمية الاستهلاك لكل مشترك، ما يعني أن يتحمل تكاليف بمئات الألوف، ناهيك عن الفوضى الناتجة عن افتراش الكابلات على الطرقات والأرصفة وصولاً إلى المحال والمنازل...
وتبقى التكلفة رهن الاستهلاك الشهري الذي يسجله ذاك العداد، فلا كمية محددة لتوليد الكهرباء، وسعر الكيلو واط الساعي بحدود 2500 ل.س وفقاً لما ذكره أحد مالكي مولدات الأمبير لصحيفة محلية، وطبعاً لا رقابة أو مساءلة قانونية للقائمين على تلك التجارة.
تقاذف للمسؤوليات والمواطن هو الضحية
أما من الناحية العملية فلا يوجد قانون يشرع ظاهرة الأمبيرات، ولا حتى المرسوم التشريعي رقم 32 الذي تم تعديله يوم 28 تشرين الثاني من العام 2021، ومع ذلك تم التنويه خلال مادة سابقة بعنوان «الكهرباء.. خصخصة جزئية جديدة نحو الاستكمال» أن الأمبيرات ستجد لها ثغرة ضمن المرسوم 32 الذي تم تعديله، والذي ترجم على أرض الواقع بتوسع ظاهرة الأمبيرات لتشمل محافظة طرطوس، التي ستكون بداية التوسع فقط، حيث لاقت طريقها ضمن الأحياء والمنشآت ذات الطابع المهني والخدمي في محافظة، كما أكد مدير الشؤون الصحية في مجلس مدينة طرطوس أنه يوجد في مدينة طرطوس 10 مولدات أمبير تعمل دون إشراف ورقابة أية جهة رسمية، ودون رخص قانونية، حيث ترفض شركة الكهرباء إعطاءها أية تراخيص، أما بالنسبة لعمل مجلس المدينة فيقتصر على جباية رسم الأشغال وفق القانون المالي بقيمة 200 ل.س.
وعليه نجد أن كل جهة رسمية تتقاذف بالمسؤولية نحو الأخرى، لتبقى هذه الظاهرة التي بدأت تتفشى كبديل لغياب الكهرباء الرسمية، بلا رقابة رسمية تحمي المواطن من توحش الاستغلال السعري الفاحش على الأقل.
القطاعات الحكومية تستعين بالأمبيرات الخاصة
رئيس المجلس المحلي بمدينة دوما أوضح في تصريح لأحد الصحف المحلية «أن المدينة فيها 18 مولدة تعمل على توليد الكهرباء وتوزيعها للأهالي وفق نظام الكيلو واط الساعي المأجور وأن سعر الكيلو واط بألفي ليرة، مبيناً أن مولدات الكهرباء موزعة على مختلف قطاعات المدينة بما يلبي حاجة كل قطاع».
في ظل انعدام الكهرباء بشكل شبه كلي في مناطق ريف دمشق، اللهم إلا إذا استثنيت ساعة يومياً من ذلك التقنين المجحف، والمطبق بكل تأكيد على دوائر الدولة وقطاعها الخدمي من مشافٍ ومدارس... إلخ، فلا يبقى أمام هذه الدوائر حل سوى اللجوء كعامة الناس إلى مولدات الأمبير.
فقد أكد أحد مالكي مولدات الأمبير أنه يتم تخصيص 15 كيلو واط ساعي للدوائر الحكومية، فلا يمكن استمرار عمل تلك الدوائر بلا كهرباء خاصةً الدوائر ذات الطابع الخدمي، فلا يمكن أن يحصل المواطنون على الأوراق الرسمية بلا توفر الكهرباء أو الإنترنت، بدءاً من أبسط الأشياء كورقة غير الموظف أو غير المحكوم...
المازوت... من أين لهم هذا
الكميات التي تحتاجها مولدات الأمبير من مادة المازوت كبيرة جداً، ووفقاً لعملها الذي يعتبر غير مقونن فلا يمكن أن تحصل على مادة المازوت الصناعي نظراً لعدم توفر ترخيص صناعي لها، ما يعني أن القائمين على تلك العملية سيحصلون عليه عبر شبكات السوق السوداء، وتقدر الحاجة الشهرية لمدينة زملكا وحدها بحدود الـ 200 ألف لتر، ويمكن أن نتخيل حجم الاستهلاك الكبير.
ومع الأزمة الخانقة التي أدت إلى تخفيض الكميات المدعومة، سواء للمازوت المنزلي أو الصناعي، وارتفاع الأسعار المتكرر، وآخرها قرار إيقاف توزيع المازوت الصناعي بحجة تسريع توزيع المنزلي منه، الذي يعدّ تكثيفاً لعدم توفر كميات من المازوت بشكل كافٍ.
يبقى السؤال المحيّر أن مثل هذه الشبكات الاتجارية التي تستهلك كميات مهولة شهرياً من مادة المازوت، لتشغيل مولدات الأمبيرات في مناطق متفرقة من المحافظات، من أين يجري تأمين مخصصاتها، ومن الجهة الداعمة لاستمرار عملها هذا، ومن المستفيد من كل ذلك؟
من الواضح أن استمرار عمل هذه النخبة القائمة على عملية تأمين الكهرباء البديلة مرهون برضى الشريك الرسمي، ولكن من تحت الطاولة فساداً، وكم الفائدة التي يجنونها من مثل هذا العمل الاستثماري الاستغلالي المدفوع من جيوب المواطنين المجبرين على تلك التكاليف الإضافية!
وتبقى قضية مولدات الأمبيرات أحد نماذج الخصخصة الجزئية العديدة لقطاع الكهرباء، الذي لم يكن موجوداً لولا الرضى الحكومي الذي أعطى له الضوء الأخضر حتى استمر إلى هذا اليوم، بل ويتمدد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1051