جديد الحكومة.. استعراض بانورامي غير جديد
أفردت صفحة رئاسة مجلس الوزراء الرسمية على «فيسبوك» مجموعة من «البوستات» في نهاية العام كبانوراما تستعرض من خلالها، وبشكل مكثف، «إنجازات» بعض الوزارات خلال عام 2021 كل على حدة.
فهل كان اتباع هذا الشكل من الاستعراض بغاية الوضوح والمكاشفة، أم لسد ثغرة في الاعلام الرسمي، الحكومي وغير الحكومي، أم لتسجيل بعض النقاط الإضافية على المواطنين، أم لاستثمار تلك «الإنجازات» إعلامياً وسياسياً؟!
أسلوب جديد ولكن!
لا شك أن الأسلوب البانورامي في استعراض الإنجازات السنوية عبر «فيسبوك» لكل وزارة يعتبر جديداً بالنسبة للأداء الحكومي، وبهذا الصدد ربما تسجل نقطة لصالح العمل الإعلامي الحكومي، مع التأكيد على ضرورة مواصلة هذا الأسلوب في الاستعراض، المكثف أو الواسع، شكلاً ومضموناً، ومع أهمية تسليط الضوء على مكامن الضعف والقوة في أداء كل وزارة، والعمل الحكومي عموماً، فقد كان هذا الشق غائباً عن البانوراما الاستعراضية.
فالاستعراض البانورامي الوزاري جرى التركيز فيه على ما تم اعتباره إيجابيات في عمل كل وزارة خلال العام 2021، دون المقارنة لا مع برنامج وخطة عمل الحكومة، ولا مع النتائج الفعلية لهذه الإنجازات، بإيجابياتها وسلبياتها، كمقياس حد أدنى يمكن الاستعانة به والبناء عليه، لتصويب ما يجب تصويبه من ممارسات تنفيذية، ولتجاوز ما يجب تجاوزه من سلبيات، وتكريس ما يجب من إيجابيات (إن وجدت طبعاً)، وذلك بحال افتراض أن الغاية هي تطوير العمل الحكومي!
فهل كان ذلك هو الغاية؟!
الوقائع أكثر وضوحاً وقسوةً
الوزارات التي جرى استعراض بانوراماها السنوية على صفحة الحكومة الرسمية كانت التالية: (الشؤون الاجتماعية والعمل- الموارد المائية- النقل- الأشغال العامة والإسكان- السياحة- الاتصالات والتقانة- الإدارة المحلية والبيئة- الصناعة- الاقتصاد والتجارة الخارجية)، أما بقية الوزارات فلم يتم إدراج بانورامها حتى لحظة الانتهاء من إعداد هذه المادة.
وربما لا داعي للخوض في تفاصيل ما جرى عرضه واستعراضه من «إنجازات» وزارية جرى تسليط الضوء الحكومي عليها إعلامياً، مع التأكيد على أهمية بعض البيانات فيها طبعاً.
فالوقائع الملموسة على الأرض من السياسات الحكومية وممارساتها التنفيذية كانت أكثر وضوحاً وقسوةً بما لا يقاس، وخاصة الانعكاسات السلبية العميقة والواسعة التي حصد نتائجها اليومية الغالبية المفقرة من السوريين، وخاصة على المستوى المعيشي والخدمي.
فجميع المؤشرات والنتائج تؤكد على تسجيل المزيد من التراجع على المستوى المعيشي، والمزيد من الترهل على المستوى الخدمي، خلال العام المنصرم، ليضاف ذلك إلى كل ما جرى تسجيله من تراجع على هذين المستويين فقط خلال السنوات السابقة.
وربما يكفي التذكير، وتسليط الضوء بالمقابل، على ما جرى العام الفائت من قضم كبير إضافي للدعم على أسعار المواد الأساسية وحوامل الطاقة (خبز- سكر- رز- مازوت التدفئة- المازوت الصناعي- البنزين- الغاز المنزلي والصناعي- الكهرباء)، والتي انعكست سلباً على المعيشة والخدمات والإنتاج على حد سواء.
وكنتيجة لمجمل السياسات الحكومية وعملها خلال العام الماضي ربما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن وسطي تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد كان مطلع العام 2021 يقدر بـ732 ألف ليرة، ليرتفع مع نهاية العام الى ما يقارب مليوني ليرة، كمؤشر شديد الوضوح على ما تم إنجازه حقيقة من قبل الحكومة بوزاراتها المختلفة، وعبر سياساتها المجحفة، خلال العام الفائت فقط على المستوى المعيشي للغالبية المفقرة أصلاً.
لا مكاشفة ولا من يحزنون!
يبقى أن نبحث عن أسباب اتباع الأسلوب البانورامي في استعراض «الإنجازات» الوزارية «المنتقاة»؟!
فمن المؤكد أن المكاشفة والوضوح ليست هي الغاية، حيث تم التركيز فقط على ما تم اعتباره «إيجابيات» في عمل كل وزارة، دون أي رصد للنتائج السلبية الملموسة من عمل هذه الوزارات، وما أكثرها!
كذلك لا يمكن اعتبار تلك البانوراما لسد ثغرة إعلامية في التغطية التي تقوم بها وسائل الإعلام الحكومي، الرسمي وغير الرسمي، فغالبية هذه الوسائل كانت طوال العام تسلط الضوء على «الإنجازات» الحكومية، مع جرعات تسويقية وترويجية لمجمل العمل الحكومي والسياسات المتبعة، بل وصل بعضها إلى درجة المزاودة على المواطنين المطحونين تماشياً مع الركب الحكومي بهذا الصدد!
أو ربما تكون الغاية هي تسجيل بعض النقاط على المواطنين بأن الوزارات تقوم بمسؤولياتها وتنجز مهامها تجاههم، مع مساعٍ لتأبيد هذا النهج المتبع، ما يفسح المجال لمزيد من جرعات التيئيس المنظم من أي تغيير، لكن ذلك لن يفلح مع هؤلاء.
فالوقائع كما أسلفنا بالنسبة للمواطنين أهم من كل البيانات الإعلامية الحكومية التي تروج لسياساتها المجحفة بحقهم، والتغيير بات، بالإضافة إلى كونه ضرورة واستحقاقاً، مطلباً للغالبية من السوريين!
بين الداخل والخارج..
حيتان الداخل هم الأهم
ليبقى ربما الاستثمار الاعلامي والسياسي لما جرى سرده من «إنجازات» وزارية، وهذا الاستثمار الترويجي قد يكون موجهاً بداية للخارج بأن العمل الحكومي وفقاً للسياسات المتبعة يسير على أتم وجه، بدليل ما جرى عرضه من «إنجازات» وزارية، وخاصة على مستوى بعض القوانين والتشريعات الصادرة خلال العام الفائت، وربما أهمها على الإطلاق كان قانون الاستثمار الجديد، الذي منح ميزات واستثناءات إضافية واسعة لكل الباحثين عن المزيد من الأرباح السهلة والسريعة، داخلاً وخارجاً، من الحيتان المحليين والدوليين، ولو كان ذلك على حساب الخزينة العامة، والغالبية المطحونة، والمصلحة الوطنية، ولكن هيهات، فالعمل الاستثماري واستقطاب رؤوس الأموال، لا يقتصر على ما يتم وضعه وإصداره من التشريعات، ولا يعتمد على الحملات الإعلامية والتسويقية.
وربما تالياً قد يكون الغالب أن الاستعراض كان موجهاً للداخل، وتحديداً للمنتفعين من مجمل السياسات الليبرالية الرسمية، حيتان المال والفساد والنفوذ والنهب، الذين حصدوا فعلاً إيجابيات تلك السياسات والممارسات التنفيذية الحكومية وحدهم، على حساب الغالبية المفقرة، كما على حساب الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية، كدليل إضافي على حسن النوايا بالتمسك بتلك السياسات التمييزية والطبقية، بما يحافظ على مصالح هؤلاء الحيتان على طول الخط.
لن يصلح العطار ما أفسده الدهر!
ختاماً نستعير مقولة «لن يصلح العطار ما أفسده الدهر»، فموبقات السياسات والممارسات الحكومية أكبر من أن تتم تغطيتها ببوستات ترويجية، أو بحملات دعائية وتسويقية، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي!
فمن الاستحالة الاستمرار بتلك السياسات التمييزية والمجحفة، والتي وصلت إلى مرحلة التوحش بحق الغالبية المفقرة كما بحق الوطن، فالحياة أصبحت شبه متوقفة، والبلد عموماً بات بحال من الشلل والتمزق، والأزمة الوطنية تزداد اتساعاً وتعمقاً وشمولاً، لا يمكن معها الاستمرار بنفس السياسات الطبقية المجحفة، وبنفس النهج التوحشي المتشدد والمتعنت!
فالتغيير، الجذري والعميق والشامل، بات استحقاقاً تفرضه الضرورات الحياتية والطبقية والوطنية، منذ أكثر من عقد، وهو بحاجة إلى مزيد من شحذ الهمم الوطنية لإنجازه بأسرع وقت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1051