التعليم الوجداني والاجتماعي.. الصف الثالث نموذجاً
صدرت مؤخراً النسخ الإلكترونية لمادة التعليم الوجداني والاجتماعي من المركز الوطني لتطوير المناهج، ومنها للصف الثالث الابتدائي، والتي سنتناولها اليوم خلال مقالنا، وقد أسلفنا في مقال سابق الحديث عن هذه المادة التي اقتحمت مدارسنا من دون استئذان أو استطلاع لآراء المعلمين في الميدان على الأقل.
لا شك أن الاهتمام بشخصية الطفل وتكوينه النفسي تكويناً صحياً هو شيء إيجابي وضروري، بل ويجب العمل على ذلك بكل السبل والطرق وهذا يحتاج إلى جهد طويل ومتسلسل، مراعياً الأولويات المادية لتحقيق هذا الهدف.
فما هي خطة هذا الكُتيّب في سبيل هذا الهدف المنشود؟
محتويات نظرية
عالج هذا الكتاب ثلاثة مجالات: 1- مجال الإدراك 2- المجال الاجتماعي 3- المجال العاطفي، ثم بعد ذلك نرى في محتويات الكتاب أنّ تقسيم المجالات يبدأ بخطة مجدولة عنوانها المهارات الحياتية مؤلفة من تمكين الذات، والتوظيف والتعلّم والمواطنة الفعّالة. أما المجال الثاني فهو المشروعات، والمجال الثالث هو المبادرات، ثم ألحق بقوائم لرصد المهارات الحياتية.
الواقع الميداني
من المعروف أن المهارات الحياتية في سلوك الأطفال تكتسب اكتساباً عن طريق التعلم والتجربة أولاً، وهي انعكاس لواقعه المعاش في المدرسة والمنزل، وهي أيضاً مرهونة بالثقافة الاجتماعية ككل، عبر إرث طويل من التقاليد والحياة الاقتصادية، وليست مهارة تكتسب من خلال تدريب الطفل من خلال كُتيّب نظري خلال العام الدراسي!
ونلاحظ من خلال الاطلاع على الكتيب، أنه يتطلب من المعلم مهارات تربوية عالية، ووقتاً كبيراً، ووسائل مادية متنوعة، بالإضافة إلى مساحة وقت كبيرة لا تنسجم مع الخطة الدراسية ككل، ولا تنسجم أبداً مع واقع الصف الذي يحوي أحياناً 60 طالباً.
فكيف سيتم تنفيذ هذه المشروعات في هذا الواقع؟
أم إن لجنة الإشراف هي من كوكب آخر لم تسمع أو تشاهد الواقع في الميدان؟
فتنفيذ هذه الدروس قائم على إستراتيجية المجموعات، وتحتاج إلى مساحة مكانية مناسبة، وبيئة مدرسية لا أعتقد أنها في بلدنا، أو إنها موجودة فعلاً ولكن في المدارس النموذجية المعدة مسبقاً للتصوير والإعلام.
كما أن المشاريع المعدة للتنفيذ في الكتاب من قبل الطلاب والمعلم تحتاج إلى وسائل مادية مختلفة، من أوراق وكرتون ولواصق، ومدة زمنية لتنفيذها غير متاحة بالطبع لدى الكثير منهم.
ومما استوقفنا في الكتاب، أنّ إحدى المبادرات كانت بعنوان (حديقتي الجميلة) مدعومة برسومات تصور التلاميذ وهم يتعاونون لإنجاز عمل زراعي، سواء كان في المدرسة أو في حديقة المنزل، وكأن لجنة التأليف والإشراف لا يعلمون أنّ القسم الأكبر من المدارس لا توجد فيها حدائق، بل إن بعضها لا توجد فيها باحات تتسع للطلاب!
انفصال عن الواقع
ما سبق، إن دل على شيء إنما يدل على انفصال المسؤولين ولجنة الإشراف على الكتاب عن واقعهم، أو أنهم تلقفوه جاهزاً وهو معد لبيئة غير بيئتنا، وواقع غير واقعنا المأساوي الذي تفتقد فيه المدارس لأصغر مستلزماتها، وهي القرطاسية والكتب!
ومما استوقفنا أيضاً من المشروعات المعدة للتلاميذ وهم في أعمار الثماني سنوات، وهي كيفية ترتيب الأولويات عن طريق استخدام أوراق نقدية مصنوعة لتأمين مستلزمات المدرسة، وطريقة استخلاص الحلول أثناء ظهور المشكلة في التسوق!
من أهم ما أثار استغراب المعلمين المتخصصين في التربية أن كثيراً من العناوين والمواضيع هي من ضمن منهاج التربية الاجتماعية في كل المراحل، حتى في مادة اللغة العربية أوردوا بعض الدروس بعنوان حل المشكلات.
الخلاصة في الموضوع، أن وزارة التربية على ما يبدوا تريد أن تغطي عجزها عن النهوض بالواقع التعليمي بكافة مجالاته ومستوياته عن طريق عملها بطرح المزيد من الكتب فقط، لتلميع عملها أمام الرأي العام.
فهل هذا مجدٍ في إخراج هذا الجيل من أزمته الحقيقية؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1038