الحُر يبتلع المدعوم
في آخر مستجدات واقع مادة السكر في الأسواق أنها ما زالت شبه مفقودة، وما زال سعرها مرتفعاً، يتجاوز 3000 ليرة لكل كيلوغرام (إن وجد)، بمقابل طرحها عبر السورية للتجارة بسعر حُر يبلغ 2200 ليرة بموجب البطاقة الذكية، وهو سعر مرتفع أيضاً، وقد كان بواقع 3 كغ لكل بطاقة، وأصبح مع مطلع تشرين الأول بواقع 4 كغ لكل بطاقة، بحسب ما تم إعلانه عبر السورية للتجارة مؤخراً.
الملفت، هو عودة الازدحام على الصالات التي تتوفر لديها هذه المادة بالسعر الحر، بعد أن اختفى نسبياً وبشكل مُتحكم به، من خلال الاعتماد على الرسائل لاستلام المخصصات التموينية «المدعومة»، وفصل رسائل السكر عن رسائل الرز، فيما تعتذر بعض الصالات لعدم توفر المادة لديها بسعرها الحر، برغم حديث الوزير الذي قال «لدينا مخزون هائل من السكّر».
ازدحام اضطراري
الازدحام على الصالات التي تبيع مادة السكر بالسعر الحر هو ازدحام اضطراري لعدة أسباب، منها:
- إن الكميات المخصصة بالسعر المدعوم عبر البطاقة الذكية غير كافية بما يتناسب مع الحاجة الفعلية لكل أسرة.
-التأخر بوصول رسالة الاستلام، وتراكم التأخر بتسليم المخصصات بالسعر المدعوم لمدة ٣ أشهر حتى الآن.
- ارتفاع سعر المادة في الأسواق، حيث تجاوز ٣٠٠٠ ليرة.
- غياب المادة عن الأسواق وندرتها، للاحتكار والتحكم بالسعر، وللتهرب من استحقاق المخالفة، بسبب ارتفاع سعر السوق عن السعر الرسمي تموينياً.
- عدم توفر المادة بالسعر الحر في جميع صالات السورية للتجارة، بل في بعضها فقط.
فالازدحام على الصالات سببه اضطرار المواطنين لتأمين حاجتهم من مادة السكر، ولو كان بالسعر الحُر المرتفع، والنتيجة بحسب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 29/9/2021 عبر صفحته الشخصية: «رغم محاولة المحتكرين ومن يدعمهم التي تهدف إلى إثارة القلق لدى المواطنين حول السكر الحُر، فإننا قد بدأنا توزيع السكر الحُر على البطاقة الذكية منذ عشرة أيام، أي في ١٩ من هذا الشهر.. وقد اشترى المواطنون هذا السكر الحُر بسعر ٢٢٠٠ ليرة.. وقد بلغ عدد البطاقات التي اشترت هذا السكر حوالي ٤٥٠ ألف بطاقة، أي ٤٥٠ ألف عائلة في عشرة أيام اشترت ما يقارب ١٥٠٠ طن سكر حر، إضافةً إلى السكر والأرز المدعوم».
فهل يمكن اعتبار اضطرار 450 ألف عائلة لشراء مادة السكر بالسعر الحُر إنجازاً يسجل للوزارة وللسورية للتجارة؟
وهل القلق لدى المواطنين مصدره المحتكرين فقط، أم تقصير الوزارة والسورية للتجارة، وسياسات تخفيض الدعم المتتالي، وصولاً لتكريس الاعتماد على تأمين الحاجة عبر الشراء بالسعر الحُر كبديل عن المخصصات بالسعر المدعوم؟
مخزون هائل للحُر فقط
سبق لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن قال عبر صفحته بتاريخ 19/9/2021 «سنستمر ببيع المدعوم للانتهاء من التراكم والتقصير وسيبقى مدعوماً». وقد أكد لاحقاً «لدينا مخزون هائل من السكّر».
مقابل ذلك، قال أحد المواطنين متسائلاً: لي بذمة السورية للتجارة مخصصات ثلاثة أشهر بالسعر المدعوم 1000 ليرة لكل كيلو بموجب البطاقة الذكية لم يتم تسليمها حتى الآن عن أشهر (تموز- آب- أيلول)، ونحن ثلاثة أشخاص، أي إن مستحقاتي المتراكمة هي 9 كغ سكر بمبلغ 9000 ليرة، فلماذا أضطر إلى تأمين حاجتي عبر السورية للتجارة بالسعر الحر البالغ 2200 ليرة، أي بمبلغ 19800 ليرة، أو أجبر على الشراء من السوق بسعرها الاحتكاري المرتفع؟ ألست أحق مع أسرتي بهذا الفارق السعري!؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
المؤشرات تقول: إن المخزون لدى السورية للتجارة من مادة السكر متوفر وبكميات جيدة حتى الآن، لكن هذا المخزون يبدو أنه مخصص للبيع بالسعر الحُر فقط، ومن خلال بعض الصالات فقط أيضاً، مع بقاء تراكم المخصصات المستحقة غير المسلمة للمواطنين بالسعر المدعوم على حالها، بدليل زيادة كمية البيع بالسعر الحُر بموجب كل بطاقة من واقع 3 كغ الى 4 كغ، مع استمرار عدم فتح دورة جديدة لتسليم المخصصات بالسعر المدعوم!
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا استمرار هذا التراكم في المستحقات المخصصة بالسعر المدعوم غير المسلمة للمواطنين، طالما هناك مخزون هائل من السكر؟
إنهاء الدعم
من الواضح أن تكريس البيع بالسعر الحُر لمادة السكر بواقع 2200 ليرة للكلغ، وزيادة الكمية المباعة منه لكل أسرة بموجب البطاقة الذكية عبر صالات السورية للتجارة الآن، الغاية منه تكريس الاعتماد على تأمين الحاجة من هذه المادة بهذا السعر وبهذا الشكل، أي إنهاء الدعم على مادة السكر عملياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه عند استقرار سعر السوق بما يقارب هذا السعر- باعتباره سعراً مجزياً للتجار متضمناً هامش الربح طبعاً، بدليل ما تم إعلانه عن استعداد بعضهم للالتزام بهذا السعر، بل والاستعداد لتزويد السورية للتجارة بكميات منه، بحسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام خلال الفترة القريبة الماضية- سيستنكف المواطنون الاضطرار للجوء إلى صالات السورية للتجارة، ويعتمدون مجدداً على السوق لتأمين حاجاتهم، وهذا من مصلحة كبار حيتان التجارة والاستيراد طبعاً، المتحكمين بالأسواق.
وبما يخص مادة الرز «المدعوم» فيبدو أنها ستمضي بنفس المسار، فالكميات المخصصة غير المسلمة بالسعر المدعوم متراكمة لمدة ثلاثة أشهر أيضاً، مما اضطر، ويضطر، المواطنون لتأمين حاجتهم من هذه المادة عبر السوق وبسعرها المتحكم به عملياً، وقد سبق أن تم الترويج رسمياً لطرحها بالسعر الحر عبر الصالات عند توفر مخزون منها، أسوة بمادة السكر.
وسيصبح موضوع «الدعم» على ما تبقى من المواد التموينية وفقاً لهذا السيناريو المطبق أمراً مقضياً، فهو ما يتم تنفيذه حتى الآن، وبخطوات ثابتة!
فهل من مبرر لإعادة الحديث عن موبقات السياسات الليبرالية المطبقة، ومحاباتها لمصالح كبار الحيتان على حساب مصالح الغالبية المفقرة؟
يبدو لا داعٍ لذلك!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1038