المصرف المركزي وقرار ملتبس جديد؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

المصرف المركزي وقرار ملتبس جديد؟

أصدر المصرف المركزي بتاريخ 29/8/2021 تعميماً إلى كافة المؤسسات المالية المصرفية العاملة في سورية، يقضي «بعدم قبول تنفيذ عمليات السحوبات النقدية (تحديداً) من الحسابات المفتوحة لدى المصارف بموجب وكالة (عامة أو خاصة) لدى الكاتب بالعدل، مهما كانت صيغة الوكالة المذكورة ومضمون صلاحيات الوكيل فيها، وذلك اعتباراً من تاريخه، حيث تقتصر إمكانية تنفيذ عمليات السحوبات التي تتم من غير صاحب الحساب على تقديم وكالة مصرفية خاصة حسب النموذج المعتمد لدى كل مصرف، والمنظمة وفق السياسات والإجراءات المتبعة لديه. مع التأكيد على أن تتضمن إجراءات تنظيم الوكالة المصرفية الخاصة حداً أدنى حضور الموكل والوكيل أمام المصرف لمرة واحدة على الأقل عند اعتماد الوكالة المصرفية الخاصة، إضافة إلى الحصول على نموذج توقيع الوكيل أصولاً.»

وقد أعقب صدور التعميم الكثير من ردود الفعل المتباينة، وخاصة من قبل بعض القانونيين وأصحاب الاختصاص من الحقوقيين وبعض المتضررين من المواطنين، الأمر الذي اقتضى من المصرف المركزي إصدار توضيح على شكل «خبر صحفي» عبر الصفحة الرسمية للمصرف بتاريخ 4/9/2021.

مضمون التوضيح والمبررات

الخبر الصحفي للمصرف المركزي أتى على ما يلي كمبررات:
الإشكالات القانونية الحاصلة من جرّاء استخدام الوكالات المنظمة لدى الكاتب بالعدل في الأعمال المصرفية لا سيما تلك المتعلّقة بالتزوير، أو باستخدام الوكالات العامة.
المخاطر المرتفعة المترتبة على عمليات السحب النقدي من الحسابات المصرفية، واستغلال الأموال المسحوبة في تمويل العمليات المشبوهة، في ظل صعوبة رقابتها من قبل الجهات ذات الصلة، لا سيما عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
القانون السوري أجاز التوكيل بالأعمال المصرفية بموجب سند عادي منظم أمام المعنيين لدى المصارف، وذلك نظراً لخصوصية وحساسية عملها وحمايةً لأموال المودعين.
مصرف سورية المركزي هو الجهة صاحبة الاختصاص بالرقابة والإشراف على القطاع المصرفي العامل بموجب أحكام القوانين والأنظمة النافذة، ويقع لزاماً عليه العمل المستمر للحفاظ على استقرار التعاملات في ذلك القطاع، وتعزيز الثقة به، إضافة إلى ضرورة قيامه باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أموال المودعين والمتعاملين مع المصارف.

أما التوضيح فقد تضمن التالي: أن صدور التعميم رقم (4964/16/ص) تاريخ 29/8/2021، جاء سنداً للمعطيات التالية:
متطلبات الحيطة والحذر، التي تمّ التأكيد على مراعاتها سابقاً من قبل مصرف سورية المركزي في التعاميم الموجّهة لكافة لمؤسسات المصرفية والخاصة بالوكالات، لا سيما لجهة التأكد من الموكل والوكيل، وأهمية الحصول على نموذج حي ومعتمد لتوقيع الوكيل، إضافةً إلى أن الوكالة المصرفية «بنماذجها المختلفة» ستحدد على سبيل الحصر كافة الأعمال المصرفية التي تتيح أحكامها القيام بها من قبل الوكيل، وهو ما يظهر أهمية تفعيل تلك الوكالات وزيادة الاعتماد عليها كونها أكثر ملائمة لعمل المؤسسات المصرفية؛ الأمر الذي سيسهم بالضرورة في توفير الحماية القانونية المناسبة لكل من المصرف وعملائه على حدٍ سواء.
تلافي الآثار السلبية المترتبة على الإشكالات القانونية التي ترتبت على استخدام الوكالات المنظمة لدى الكاتب بالعدل لا سيما العامة منها.
وقد اختتم الخبر الصحفي بالتنويه إلى أن «أحكام التعميم اقتصرت على عملية واحدة من العمليات المصرفية، ألا وهي عمليات السحب النقدي من الحسابات نظراً للمخاطر المرتفعة المترتبة عليها وفق ما سلف بيانه، حيث تبقى الوكالات المصرفية الأصولية المنظمة لدى الكاتب بالعدل فعّالة فيما تبقى من عمليات مصرفية».

آراء قانونية وتساؤلات

في البداية أشار البعض إلى نقطة هامة تساءلوا فيها: أيهما أقوى القرار الإداري أم القانون؟ فالوكالة لدى الكاتب بالعدل يحكمها القانون المدني، بينما قرارات المصرف المركزي وتعاميمه تعتبر من الأوامر الإدارية التي من المفروض ألا تتعارض مع القوانين النافذة!
أحد المحامين أشار مستغرباً إلى أن الوكالة العدلية تسمح ببيع عقار بالمليارات، لكن بموجب التعميم الجديد تُمنع من سحب رصيد مصرفي بالآلاف أو بالملايين بذريعة الحرص على مصلحة الموكل!
فيما أشار قانوني آخر إلى أن قانون التجارة رقم ٣٣ لعام ٢٠٠٧ أجاز التوكيل بالأعمال المصرفية بسند عادي يوقع أمام المصرف، وهذه الجوازية غير ملزمة، ولا تلغي الوكالة العدلية!
فيما تساءل أحد المواطنين: هل العاملين في المصارف وموظفيها، والمصرف المركزي، أكثر ائتماناً من الكاتب بالعدل؟
كذلك فقد عقب الكثيرون حول التعاميم والقرارات الصادرة عن المصرف المركزي مؤخراً، والتي تقيد حركة الأموال مقابل فقد الثقة بالعمل المصرفي عموماً، فالتقييد مع جملة الإجراءات الأخرى فرضت على المواطنين مجدداً اكتناز أية سيولة نقدية لديهم، باستثناء ما تم الإجبار عليه بما يخص عمليات البيع والشراء.
أما البعض المتضرر من حيثيات مضمون التعميم الأخير فقد تساءلوا: ماذا يفعل صاحب الحساب المصرفي الموجود خارج القطر أو أهله الذين يعيشون على أمواله المودعة بموجب الوكالة لدى الكاتب بالعدل؟
أما أكثر ما طرحه البعض من خشية، استناداً لما صدر حتى الآن من قرارات تقييدية عن المصرف المركزي، أن يصدر مثلاً قرارٌ يقضي بعدم قبول الوكالات في عمليات البيع والشراء، فكل شيء أصبح جائزاً على ما يبدو!

آثار سلبية

بكل اختصار، ومع عدم نفي بعض الحالات السلبية جراء التزوير أو غيره، بما يخص الوكالات، أو غيرها من الوثائق الرسمية وغير الرسمية الأخرى، وبحسب آراء الكثير من القانونيين والحقوقيين، فإن تعميم المصرف المركزي فيه الكثير من أوجه مخالفة القانون، ناهيك عن آثاره السلبية الأخرى، وخاصة ما يتعلق بالثقة بالتعاملات المصرفية، التي أشار إليها التعميم نفسه، والتوضيح الذي صدر بعده، على أنها مبرر وسبب وغاية.
أما أخطر ما تضمنه التعميم والتوضيح، فهو التشكيك بالوكالات المنظمة لدى الكاتب بالعدل، وصولاً إلى عدم الاعتراف بها في عمليات السحب المصرفية النقدية، مع ترجيح آليات الحيطة والحذر المتخذة من قبل المصرف المركزي فقط لا غير، عبر تعميمه أعلاه على ما عداها بموجب القوانين النافذة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1034
آخر تعديل على الأربعاء, 08 أيلول/سبتمبر 2021 23:54