موسم الحمضيات ودفن معمل العصائر!؟
عبير حداد عبير حداد

موسم الحمضيات ودفن معمل العصائر!؟

قطاع الزراعة كغيره من القطاعات الإستراتيجية، التي تعاني من معيقات أدت وتؤدي إلى التراجع المستمر بالعملية الإنتاجية، وكل تلك الخسائر التي يتكبدها المزارع المنتج وحده.

ومن المعتاد دوماً خلال موسم الحمضيات، الذي أصبح على أعتاب قطافه وطرحه في الأسواق، أن نضيء على هذه المعاناة والصعوبات التي تتربص بالمزارعين، وعلى أسباب تراجع الإنتاج، وما سيؤول إليه من نتائج سلبية على قطاع زراعة الحمضيات...

موسم الحمضيات الحالي مقارنةً بموسم 2020-2021

بيّن مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة يوم 31 آب الماضي «أن تقديرات الإنتاج الأولية حسب الواقع الراهن لموسم الحمضيات2021- 2022، وبناءً على التعديلات التي تمت من خلال الجولات الإحصائية الواردة من مديريتي الزراعة في طرطوس واللاذقية، تبلغ حوالي 786,885 طن على مستوى سورية، منها 213,687 طن في طرطوس، و563,665 طن في اللاذقية، وبمساحة 41,575 هكتار، مزروعة بحوالي 14,5 مليون شجرة، منها 13,9 مليون شجرة مثمرة.»
ومقارنة مع الموسم السابق لعام 2020-2021 فقد بلغ إجمالي الإنتاج حسب التقديرات الإحصائية بحوالي 832,000 طن، أي تراجع الموسم الحالي عن السابق بحوالي5,4%.
وبالمقارنة بين الموسم الحالي والسابق من حيث مجموعة الحمضيات بأنواعها المختلفة محسوبة بـ الطن:

1034-i1

وبحسب مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، انخفض إنتاج الموسم الحالي عن المتوسط العام للإنتاج خلال فترة 2016- 2021 بنسبة 27,3%، حيث بلغ إنتاج موسم عام 2018 بما يقارب 1,2 مليون طن، أما موسم 2019 كان بحجم إنتاج 817 ألف طن، وللعام 2020 بحجم 832 ألف طن.

تحكم قوى النهب والفساد ومآلاته على العملية الإنتاجية

يتحمل المزارع أعباء تكاليف مستلزمات الإنتاج المرتفعة، من سماد وأدوية وحراثة وأجرة عمال لقطاف الموسم، وارتفاع تكاليف النقل «سواء بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، أو عبر البقشيش والإتاوات التي تفرضها الحواجز ونقاط التفتيش»، بالإضافة لتكاليف العناية بالأشجار من تقليم وتطعيم، والتي تحتاج لمختصين بتلك العملية، كل ذلك ارتفع خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، بالإضافة لتخفيض الدعم المتتالي عن السماد والأدوية الزراعية وارتفاع أسعار المحروقات، ما يعني استمرار تراجع دور الدولة المعني بدعم القطاعات كافة لتأمين استمرارها وتطورها.
مع الإشارة إلى أن أشجار الحمضيات تحتاج للري بكميات كبيرة، ما يعني تكاليف إضافية على المزارع، فاستجرار المياه يحتاج إلى المولدات التي تعمل على الوقود، وتكاليف الحصول على الوقود من السوق السوداء مرتفعة أيضاً، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على نمو وتطور ثمار شجرة الحمضيات، بالإضافة للتغيرات المناخية التي أصبحت تؤثر على المحاصيل الزراعية بشكل عام.
ولا ننسى أيضاً قوى النهب والفساد المتحكمة بالسوق، فهناك فارق كبير ليس لصالح المزارع، بين كلف الإنتاج الكبيرة التي يتكبدها، وسعر الشراء الذي يقدم له، فلا يغطي تكاليف الإنتاج حقيقةً.
فوفق التقديرات للمواسم الماضية، فإن ثلث كمية الإنتاج تطرح عبر الأسواق المحلية، وهذا الأمر يخلق فائضاً في الكميات، وثلثي الكميات المتبقية تصبح حكراً لجشع قوى الفساد والنهب القائمين والمتحكمين بأسواق التصدير والتهريب، ليتم شراء هذه الكميات بأسعار زهيدة لا تغطي التكاليف التي تكبدها المزارع، على مبدأ عليك القبول بتلك الأسعار حتى لا تكون الخسارة فادحة، والرابح من ذلك هم القلة القليلة من القائمين على عملية التصدير والتهريب، التي تعود عليهم بعوائد ربحية مهولة، وهنا يجدر الإشارة إلى غياب دور الرقابة الحقيقية على عملية التسعير والتسويق المتحكم بها من قبل التجار المتحكمين بالسوق.

النتائج كارثية

على ضوء عمليات النهب التي تتم على حساب المزارع وحده، فلابد أن النتائج ستكون كارثية عليه كما كل موسم، فقد باتت هذه العملية الإنتاجية خسارة له بالدرجة الأولى، ولم تعد تغطي تكاليف معيشته الأسرية، التي أصبحت مرتفعة بشكل جائر على عموم السوريين، كل ذلك يدفع المزارعين لهجرة أشجارهم والامتناع عن قطافها، فما عادت تعود عليهم بالخير المرجو، ويلجأ البعض منهم لقطع الأشجار واستبدالها بزراعة أقل ضرراً مادياً عليهم، ونتيجةً لغياب دور الرقابة الحقيقية لعمليات شراء التجار لفائض الكميات، وعدم التقدير الصحيح بين تكاليف إنتاج الكيلو من الحمضيات وتسعيرة الشراء المحددة من قبل دائرة التسويق، سيتم خسارة قطاع تصدير الحمضيات، الذي يعود بأرباح لا بأس بها، فالاستغلال سيؤدي إلى خروج المزارعين من قطاع زراعة الحمضيات، وهو ما يجري عملياً بدليل تراجع الإنتاج خلال السنوات القليلة الماضية.

معمل العصائر الأمل الأخير للمزارعين وقد دفن

معمل العصائر كان الرمق الأخير المرجو لاستمرار مزارعي الحمضيات بمهنتهم المتوارثة أباً عن جد، فخسائرهم كبيرة لقلة الحيلة بعمليات التسويق الداخلية والخارجية، وأما وعود دعم عمليات التسويق تبقى حبراً على ورق، موسماً وراء الآخر، ففائض الكميات لدى المزارع، يعد سمكة الربح الكبيرة التي يجني منها القائمين على عمليات التصدير والتهريب أرباحهم الوفيرة.
وهذا الرمق الأخير قد دفنه وزير الصناعة عبر تصريحه يوم 24 آب الماضي، وذلك خلال اللقاء الحكومي مع أعضاء المجلس المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال، مؤكداً عدم الجدوى الاقتصادية من إنشاء معمل العصائر الحكومي، والمبرر الذي أطلقه أن أغلب إنتاج الحمضيات في الساحل لا يصلح للعصر وإنما هو للمائدة فقط!
مع العلم أن آخر مشروع لمعمل العصائر الحكومي يعود لعام 2015، وكان قد سبقه عدة مشاريع منذ نهاية العقد الماضي، ومكان إنشاء المشروع قد حدد في محافظة اللاذقية موقع «الشركة العامة لصناعة الأخشاب» وبمساحة مقدرة بـ 40 دنماً، وبطاقة سنوية 50 ألف طن من العصائر والحمضيات، و200 طن مكثفات استوائية.
وللتذكير، فإن المشروع طُرح للاستثمار مرات عديدة، ولكن المتقدمين للعروض تقدموا بأسعار، رأت المؤسسة العامة لصناعات الغذائية أنها أسعار عالية وغير واقعية.
وخلال آذار من العام الحالي، كشفت المؤسسة نيتها لإحياء مشروع معمل تصنيع الحمضيات وإنتاج العصائر والمكثفات في الساحل السوري، موضحةً في حال لم يتم الوصول إلى النتائج المرجوة، سيتم استدراج عروض خارجية، وتم طرح المشروع على شركة إيرانية بحسب ما تم الإعلان عنه!
والمقصود افتراضاً بالدرجة الأولى من إقامة هذا المشروع هو الفلاح، وذلك لإيجاد قنوات تسويقية مستمرة له، وتأمين قنوات تصريف داخلية وخارجية لإنتاجه، تفادياً لحصاد المزيد من الخسائر بالحد الأدنى.

أما حول استنتاج وزير الصناعة من عدم جدوى ذاك المشروع، فقد رد عليه المتضررون من الفلاحين من خلال التساؤلات التالية:
ماذا عن الدراسة التفصيلية التي جرت عام 2015، أو غيرها من الدراسات التي سبقتها، هل تم اعتمادها في حينه من الفراغ؟
وماذا عن الطاقة الإنتاجية السنوية التي حددت بـ 50 ألف طن للعصائر والحمضيات، بالإضافة للمكثفات؟
والأهم، ماذا عن فائض الإنتاج السنوي من الحمضيات؟ وهل المطلوب دفنها مع مشروع المعمل، ليصار إلى وأد زراعة الحمضيات في البلد بشكل نهائي، ولمصلحة من ذلك؟
فعلى ما يبدو، وكما اعتدنا دائماً، فإن مصالح الطبقة المفقرة من المواطنين يجري دهسها، مقابل مصالح الطبقة الأقل عدداً، والأكثر نهباً ودلالاً، لدى الحكومة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1034
آخر تعديل على الأربعاء, 08 أيلول/سبتمبر 2021 23:55