تجويع مع سبق الإصرار..
سمير علي سمير علي

تجويع مع سبق الإصرار..

مشكلة رغيف الخبز لم تصل إلى نهايتها مع المسؤولين الرسميين عنه على ما يبدو، فالأمر بما يخص القرارات الصادرة باسمه، وتحت عنوان «إيصال الدعم لمستحقيه» لم يعد بالإمكان اعتبارها تخبطاً أو عشوائية وارتجالاً، على الرغم من تناقضها في بعض الأحيان، فقد بات من الواضح أن المستهدف من الإجراءات لم يعد «الدعم» بذاته، بل المواطن نفسه، ودفعه نحو الجوع والعوز الغذائي أكثر فأكثر!

فتخفيض الدعم المتتالي على مادة الخبز لم يطل السعر فقط، بل تجاوزه إلى الكميات المخصصة لكل فرد، وبما لا يكفي الحاجة الفعلية له كمصدر غذائي رئيسي للغالبية المفقرة عملياً!

إجراءات تطفيشية..

الإجراءات التي طالت الدعم تخفيضاً خلال السنوات السابقة على رغيف الخبز، كانت كثيرة ومتتابعة دون توقف، وخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية من هذا العام.
فمنها ما كان على شكل رفع سعري مباشر لكل ربطة، ومنها ما كان من خلال تخفيض وزن الربطة وتقليل عدد الأرغفة فيها، ومنها ما كان على مستوى تخفيض المخصصات لكل أسرة وفرد فيها، وكل من هذه الإجراءات سبقها الكثير من التهليل والترويج عن «فوائدها»، وما تحققه من «وفر»، والكثير الكثير عن الحديث عن «إيصال الدعم لمستحقيه»!
والغائب الحاضر على مستوى تخفيض الدعم أيضاً، هو واقع المواصفة والجودة، التي أصبحت أكثر تردياً مما سبق بكثير، فسوء وتردي المواصفة هي نموذج تطفيشي لاستهلاك رغيف الخبز «المدعوم» بشكل غير مباشر رسمياً، لكنه معروف ومدرك ومسكوت عنه من قبل القائمين عليه والمسؤولين عنه.
وعلى المستوى العملي، لم يحصد المواطن أية فوائد من كل تلك الإجراءات المتخذة رسمياً، بل على العكس زادت عليه الأعباء وصولاً إلى مرحلة العوز لرغيف الخبز، وبالتالي، الجوع للطبقات المعدمة، التي لا إمكانية لديها للاعتماد على البدائل، سواء كانت باللجوء إلى السوق السوداء على الرغيف «المدعوم»، التي ما زالت شبكاتها تسرح وتمرح فارضة وجودها وأسعارها الاحتكارية على المضطرين، أو من خلال اللجوء إلى الخبز السياحي بأسعاره الكاوية.

اجتماعات وورشات عمل ودراسات!

مع كل إجراء تخفيضي وتطفيشي كان يتم الحديث عن اجتماع سابق مدعم بالدراسات والإحصاءات، لم يكن آخرها الاجتماع الذي حضره وزير التجارة الداخلية في حماة بتاريخ 24/7/2021، والذي تناول الآلية الجديدة المعتمدة لتوزيع الخبز، وفقاً لجداول المخصصات المسقوفة لكل أسرة بحسب عدد أفرادها.
فقد بين الوزير: أن «الغاية الأساسية من تطبيق الآلية الجديدة هي الحرص على وصول الاحتياجات الأساسية من مادة الخبز لمستحقيها بالكميات المحددة وفق المعايير التي وضعت، وبحسب التوزع السكاني، وضمان وصول الخبز لمستحقيه».. وأنه: «أُخذت بعين الاعتبار الهواجس والملاحظات والآراء التي طُرحت خلال ورشات العمل، بخصوص كميات الخبز الموزعة للشرائح، حيث تقرر اعتماد توزيع ربطة خبز للفرد الواحد كل يومين ومراعاة عدد أفراد الأسرة في عدد الربطات التي تحصل عليها يومياً».

نحو الجوع سر..

يُشار إلى أن القرار الصادر وزارياً يتضمن تخصيص كل فرد بربطة خبز كل ثلاثة أيام، أي أقل من رغيف لكل وجبة طعام، بينما أصبحت الكمية بعد تصريح الوزير أعلاه بواقع رغيف خبز لكل وجبة طعام! لكن لم يصدر أي تعديل للقرار بشكل رسمي حتى الآن!
وربما غفلت الدراسات الرسمية الوزارية أن الغالبية من المفقرين أصبحت وجباتهم الغذائية مقتصرة على رغيف الخبز فقط لا غير، وربما بحالات استثنائية يكون بجانبه بعض «الإدام» غير المغذي، في ظل تراجع سلة الاستهلاك الغذائي إلى الحدود الدنيا، وإلى درجة العوز الغذائي والجوع!
على الجانب الآخر، لم يتم لحظ أي إجراء بما يخص شبكات الفساد التي ما زالت تعمل بعمق رغيف الخبز ومكوناته، مستفيدة من كل إجراء وقرار، ومُجيّرة فوائده لحساباتها الخاصة، وليس أدل على ذلك من شبكات السوق السوداء التي تعمل أمام المخابز والأفران حتى تاريخه، وعلى مرأى ومسمع كل من له آذان، وكل من له عيون، باستثناء الجهات الرسمية التي عمت أبصارها وصمت آذانها عنها!
والسؤال الذي يفرض نفسه: ألم يصدر القرار بناءً على دراسات وإحصاءات، أم إنه كان ارتجالياً؟
وهل إعادة النظر بالكمية المخصصة لكل فرد كانت بناء على دراسات جديدة، أم إنها نوع من أنواع الاحتواء، بحيث يبدو تحديد كمية الاستهلاك ووضع سقف لها أمراً مفروغاً منه؟
بجميع الأحوال، من الواضح أن سيرورة تخفيض الدعم على رغيف الخبز مستمرة بجميع أشكالها، ومن المفروغ منه أن المتضررين من ذلك، المفقرون والمعدمون والجائعون، يتم دفعهم رويداً رويداً نحو المزيد من العوز والجوع!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028