المازوت صدمة مؤلمة على واقع الأسعار والصناعات!
عبير حداد عبير حداد

المازوت صدمة مؤلمة على واقع الأسعار والصناعات!

نذهب اليوم بالاتجاه الأكثر رعباً، المواطن على أبواب مجاعة حقيقية، ولن يملك القدرة على أن يؤمن قوت يومه بعد موجة القرارات الأعنف على الإطلاق التي بدأت تشتد خلال الأشهر الماضية، والمستمرة بالمضي قدماً نحو تكريس الوضع الأكثر من الكارثي على المواطن، فالأوضاع المعيشية من سيء إلى أسوأ ووفق مُنحنٍ فعلاً يمكن وصفه بالمهول، ولم تنتهِ بعد الحكاية!

جملة من القرارات الجديدة التي تم إنزالها كالمصيبة على رؤوس المواطنين المتعبين، بدأت بتعديل آلية توزيع الخبز التي طبقت بتاريخ 7 تموز على بعض المحافظات وما رافقها من تخفيض دعم لتصبح حصة المواطن رغيفين وثلث يومياً، والتي سيتم تعميمها على باقي المحافظات خلال شهر آب القادم، ليتلوها بتاريخ 27 حزيران، قرار رفع سعر السكر بنسبة 100% والرز 66,6%، بالإضافة لرفع سعر البنزين أوكتان عدة مرات خلال فترات قصيرة، ليصبح بتكلفة 3 آلاف للتر الواحد، وآخر هذه القرارات الكارثية التي تم إقرارها بتاريخ 11 تموز الحالي، حيث تم رفع سعر ربطة الخبز 100% ليصبح سعرها 200 ليرة، ورافق القرار رفع سعر المازوت بنسبة 278% لكل القطاعات العامة والخاصة، بحيث أصبح اللتر الواحد بسعر500 ليرة سورية، كل ذلك تبرره الحكومة لسد العجز الحاصل بالموازنة.... فماذا ينتظرنا بعد؟

المازوت الصدمة الأكثر ألماً!

خلال الفترة الماضية، تداولت بعض الصحف المحلية توقعات برفع سعر مادة المازوت لأكثر من 100% للحد من عجز موازنة الدولة، مع التبريرات، المصدر المصرح «أن السعر الذي تباع وفقه مادة المازوت لا تغطي أكثر من 20% من إجمالي التكلفة الملقاة على عاتق الدولة، وأن الدولة لا تزال توفر المازوت للمخابز العامة والخاصة بسعر 135 ليرة، وهو أقل من السعر المخصص لأغراض التدفئة، كما ذكر المصدر أن دعم مادة المازوت يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة، لاسيما مع ضخ حوالي 5 مليون ليتر مازوت يومياً إلى مختلف القطاعات والاحتياجات اليومية بسبب الفرق بين تكلفة الليتر الواحد البالغة حوالي 1600 ليرة ومبيعه البالغ 180 ليرة، وهو الأمر الذي يزيد من عجز الموازنة سنوياً بمئات المليارات..
وأكد المصدر أن رفع سعر الليتر المدعوم من مادة المازوت إلى 500 ليرة في حال حصل سيقلل من هذا العجز».
طبعاً، أكدت التجربة السورية أن كل الإشاعات السابقة للقرارات في الفترة الماضية أصبحت واقعاً أدى لإفقار المواطن ومستمرة بذلك، ولا يوجد دخان بلا نار، وكانت بمثابة ممهد لتلك العملية النهبوية.

ماذا يعني رفع سعر مادة المازوت بنسبة 278%؟

يعني أن هذا الارتفاع الصادم، لأكثر من ضعفي السعر السابق الذي كان 180 ليرة، وباعتبار مادة المازوت تشكل عصب الحياة الاقتصادية، فإن هذا التضاعف سينعكس على كافة مناحي المعيشة، سلعاً وخدمات، ابتداءً من واقع المواصلات وما سيؤول إليه من ارتفاع بتسعيرة النقل.
فمن المؤكد أنه لن يتم الالتزام بتسعيرة المكتب التنفيذي في محافظة دمشق التي صدرت بتاريخ 11 تموز الحالي، حيث عدلت أسعار تعرفة الركوب لخطوط النقل الداخلي، للمسافة حتى 10 كم بتكلفة 100 ليرة سورية وما يزيد عن ذلك بـ 130 ليرة سورية، ونعلم جميعاً أن سائقي الباصات لم يلتزموا بتعرفة الركوب الملزمين بها سابقاً، فكانت تسعيرة الركوب لأغلب وسائل النقل 200 ليرة سورية، وأما الآن فالتسعيرة أصبحت لأقرب مسافة 200 ليرة، أما المناطق البعيدة فقد أصبحت بتكلفة 500 ليرة، والمواطن مضطر على الموافقة فلا يتحمل حر الشمس لساعات حتى يعترض على التعرفة الجديدة!
فسائق السرفيس «أحمد» يبرر ذلك بعدد ساعات الوقوف الطويلة على محطات الوقود والتي لم تحل بعد ذلك الكم الهائل من الآليات المبتدعة من قبل الجهات المعنية لتخفف من الازدحام على الكازيات، بالإضافة أن الكميات المخصصة لا تكفي وإذا لجأ لشبكات السوق السوداء سيثقل كاهله وكاهل المواطن المستهلك للمواصلات، الذي يجد تعرفة الركوب هذه أرحم بكثير من أسعار سيارات الأجرة التي لم يعد يستوعبها العقل، لذلك يفضل أن يعمل بما خصص له من مادة مدعومة، وإلا فهو يجلس في البيت!.

تذكير بواقع الشتاء القادم وفقاعة زيادة الأجور

ونذكر أن توزيع مادة مازوت التدفئة سيتم خلال الشهر الحالي، وكمرحلة أولى 100 لتر، وتم ذكر ذلك تفصيلياً بمادة سابقة، وللتذكير فقط أن ذلك يعد تخفيض دعم مبطن تماماً كما حصل خلال السنة الفائتة، وما سيزيد الطين بلة قرار رفع سعر اللتر إلى 500 ليرة، ما يعني أن الكثير من المواطنين المفقرين سيستبعدوا فكرة التدفئة بالمازوت لهذه السنة سواء بشكله شبه المدعوم أو الحر، فتكلفة المئة لتر المدعوم لهذه السنة ستكون بحدود 50 ألف ليرة، وطبعاً لا تكفي لدرء برد فصل شتوي كامل، والمازوت بشكله الحر لا يمكن التوقع كم ستحلق أسعاره بعد زيادة السعر الأخيرة.
وأما بيت القصيد، فهو راتب الموظف الذي لن يغطي التكاليف التي أصبحت فاقعة، وحتى بعد فقاعة زيادة الأجور التي تم إقرارها بتاريخ 11 تموز الحالي، وخصوصاً أن الزيادة لا تتجاوز الـ 50%، فنسبة الغلاء التي سيحدثها قرار رفع سعر المازوت سيفوق ما تم زيادته على الأجور وذلك أضعاف مضاعفة، والخاسر الأكبر هو المواطن دائماً وأبداً.

واقع الأسعار سيحلق وصناعات ستتوقف

من المؤكد أن القرار سينعكس بشكل سيء على واقع أسعار السلع الأساسية من خضار وفواكه ومواد تموينية وغيرها من المواد الأساسية التي تشكل احتياج يومي للمواطن، بالإضافة للواقع الخدمي الذي سيتأثر كما غيره، طبعاً مع الإشارة أن المواطن المغلوب على أمره قبل هذا الارتفاع الجنوني بسعر المازوت كان غير قادر على تأمين الاحتياجات الأساسية، ومع مثل هذا القرار سيدخل المواطن بحالة مجاعة تفتك به وبأسرته.
والمتضرر الأكبر من كل تلك العملية التدميرية، القطاعات الصناعية فمخصصاتها من مادة المازوت تعتبر قليلة مقارنة بحجم الكمية التي تحتاجها لاستمرار العملية الانتاجية، وإذا أراد هذا الصناعي اللجوء لشبكات السوق السوداء لسد النقص من مادة المازوت فالأمر سيكون نكبة بعد زيادة الأسعار بنسبة 278%، حيث سابقاً أي قبل صدور القرار كان سعر لتر المازوت ضمن السوق سوداء يتراوح بين2500 و3000 ليرة سورية، أما الآن لا يمكن تخيل كم سيحلق، وهذا بالنتيجة سينعكس على واقع القطاعات الصناعية ويجهز عليها.
وما يزيدك غيظاً أن كل ما نسمع به من مواد مدعومة يُرفع الدعم عنها، سواء بالكم كمخصصات أو بالأسعار، وبحجة عجز موازنة الدولة والعقوبات والحصار، ولا نجد مسؤول حكومي يسأل المواطن من أين تؤمن قوت يومك؟، أو طرح دراسة جدية لواقع الأجور وربطها بواقع تكاليف المعيشة الباهظة، عبر ابتداع حلول تحرك عجلة الإنتاج وتوقف معاناة المواطن الذي يتحمل تداعيات سوء التقدير والتخبط الحاصل ضمن الإدارة الحاكمة وما يجري ضمنها من عمليات تحاصص، والفساد المستشري داخل أجهزة الدولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1026