سباقات حكومية نحو تخفيض دعم جديد؟!
عبير حداد عبير حداد

سباقات حكومية نحو تخفيض دعم جديد؟!

تصدّر مازوت التدفئة، نهاية الأسبوع الفائت 15 تموز، قائمة سباق التصريحات والقرارات الحكومية، بما يخص المواد التي تسمى «مدعومة»، وما يجري على هذا الدعم من تخفيض مستمر، وهذه المرة عن لسان مدير محروقات دمشق الذي مهد إلى تخفيض جديد على كمية المخصصات من هذه المادة لكل أسرة.

فقد ظهر مدير محروقات دمشق، ليخبرنا بنبأ عظيم، مفاده فشل عملية استكمال إدخال البيانات الخاصة بعملية توزيع مازوت التدفئة وفق نظام الرسائل ضمن وقته المحدد، والسبب ظهور صعوبات لوجستية، مما أدى للتأخير أو بتعبير أصح تأجيل موعد عملية التوزيع لأجل غير مسمى، بعدما كان محدداً مطلع شهر تموز الحالي.
طبعاً، ليست مستغربة عملية التأخير ضمن القطاعات الحكومية، وهذه إحدى ميزاتها التي تدرج تحت مسمى الطراز الرفيع! وبيت القصيد ليس هنا، فقد أكد مدير المحروقات وجود دراسة حالية لتحديد كمية الدفعة الأولى التي ربما ستكون 50 لتراً أو 100 لترٍ حسب توفر الكميات!

استنتاجات وبنهاية المطاف تخفيض الدعم

من التصريح أعلاه، نستنتج أن الصعوبات التي تحدث عنها مدير المحروقات، تختصر بصعوبة اتخاذ القرار لصالح المواطن، فالواضح أنّ الخلاف على الكمية التي ستوزع كمرحلة أولى، وأصبح من البديهي أن نستشف وجود جريمة جديدة ستطال مادة مازوت التدفئة عبر عملية تخفيض جديدة، تُدرس لتنفذ فيما بعد.
وإذا سلمنا بصدق التصريحات، وكانت عملية التوزيع ستتم وفق مرحلتين فعلاً كما تم التنويه لها سابقاً، وذلك حسب توفر الكميات، وإذا تم اعتماد اـلـ 50 لتراً كمرحلة أولى، فالمرحلة الثانية ستكون أيضاً 50 لتراً، ومن هذا نجد أن الحكومة ثبتت مخصصات الأسرة من هذه المادة المدعومة عند الـ 100 لتر كما السنة الفائتة، مع العلم أن الكثير من الأسر لم تستلم مخصصاتها عن السنة الماضية!
أما إذا عممنا تجارب السنتين السابقتين التي اعتمدت مرحلة واحدة لعملية التوزيع فقط، وبكمية 100 لتر، تصبح المصيبة هنا اعتماد الـ 50 لتراً للتوزيع، والذي يعني تخفيض دعم جديد، بعدما تم رفع تسعيرة اللتر الواحد من 180 ليرة إلى 500 ليرة سورية.
ووفق تلك الدراسة المجحفة فعلاً، فإن 50 لتراً من مازوت التدفئة لن تدرأ برد فصل شتوي كامل، طبعاً إذا كان المواطن قادراً على تأمين تكاليف التدفئة، التي أصبحت مع واقع الغلاء الفاحش رفاهية، مقارنة مع أجره الذي لم يعد يغطي تكاليف غذائه الضروري للبقاء على قيد الحياة، حتى بعد فقاعة تعديل الأجور بنتائجها السلبية.
وسيصبح مازوت السوق السوداء من المنسيات بالنسبة للمواطن، بعد هذا التسارع الجنوني بالقرارات التي قلبت واقع الأسعار، وجعلته غير قادر على الاستعانة بمازوت شبكات السوق السوداء، فمن يدري كم سيسعر لتر المازوت الحر بعد ارتفاع سعر المدعوم 278%، مع التنويه أنه كان سابقاً بين الـ 2500 والـ 3000 ليرة!

الصناعيون وواقعهم المر

الشق الأخر من التصريح، تحدث فيه مدير المحروقات عن المازوت الصناعي، حيث بيّن أن سعر اللتر الواحد متضمن أجور النقل 650 ليرة سورية، طبعاً وفق مخصصات شهرية، وكمية تحدد بعد الكشف عن المنشأة.
وما ننوه إليه دائماً، أهمية دعم القطاعين الصناعي والزراعي، اللذان يشكلان عصب الاقتصاد الوطني، ودعمهما يعني دفع عجلة الإنتاج، لكن ما يتم اليوم هو العكس تماماً! فرفع الدعم ما زال مستمراً، سواء عبر تخفيض الكميات كمخصصات، أو عبر زيادة الأسعار، وهذا له انعكاسه السلبي على واقع القطاعين ودعمهما للإنتاج الوطني.
فالصناعي يلجأ اليوم لشبكات السوق السوداء لتغطية ما ينقص عن حاجة منشأته، فالمازوت المدعوم وفقاً لكمية المخصصات لا يكفي لسد الحاجة الفعلية الكفيلة بسير العملية الإنتاجية كما يجب، ومع ارتفاع الأسعار لن يكون الصناعي قادراً على تأمين المازوت بسعره الحر، الذي سترتفع تكاليفه بعد قرار رفع سعر المازوت بنسبة 278%، وبالتالي، من المتوقع إغلاق العديد من الورش والمنشآت الصناعية، التي ستجد نفسها خاسرة مع الواقع السيء الذي آلت إليه الحال اليوم.

تخفيض الدعم والتجميل الحكومي!

بداية لا بد من القول: إن المواطن اعتاد على حالة الفصام الحكومي، لدرجة أن الأقوال شيء والأفعال تفعل أفعالها الأخرى على حساب جيبه المفرغة ومعيشته المتردية، لصالح المتنفذين وحيتان السوق.... ومن يوازيهم من النخب النهبوية، والحجج دائماً جاهزة ومنسوبة لواقع الحصار والعقوبات!
فمع التخفيض المستمر للمواد المدعومة، وانعكاس قرار رفع سعر لتر المازوت بنسبة 278% على واقع المعيشة السورية بشكل سلبي، يخرج رئيس الوزراء عبر جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي ليؤكد: أن القرارات المتخذة لهيكلة الدعم لا تعني إلغاءه إنما توجيهه نحو مستحقيه، والمرحلة القادمة ستشهد تباعاً قرارات مهمة لتنشط القطاعات الإنتاجية، وتحسن الواقع المعيشي لمختلف الشرائح، وفي مقدمتها شريحة العاملين في الدولة، والمتعطلين عن العمل حالما تسمح الظروف بذلك.
فمع كل ذلك الواقع السيء، والتخفيض المستمر على كافة المواد المدعومة، يُجَمل هذا التخفيض المجحف تحت كلمة «قرارات متخذة لهيكلة الدعم»!

تسارع خطى تخفيض الدعم

تسارعت خطى السباقات الحكومية على مستوى تخفيض الدعم خلال الأشهر الفائتة بمعدل تزايد ليس له مثيل بانعكاسه السلبي على المواطنين بكافة شرائحهم، وخاصة المفقرين، بمقابل الانعكاسات الإيجابية منقطعة النظير التي حصدتها قوى الفساد والنهب والمتنفذين، وما زالت، على طول الخط.
ونقول على طول الخط، كون هذه السباقات المحمومة مرتبطة بالسياسات الليبرالية الممنهجة المستمرة منذ ما يقارب العقدين، والتي تعمل وفق آليات ظهرت نتائجها الفاقعة بزيادة غنى الأغنياء وصولاً إلى درجات الفحش، مقابل المزيد من إفقار الغالبية، وعلى حساب الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية طبعاً.
أما الآن، فقد أصبحت سباقات التخفيض بوتيرة أكثر تسارعاً وكارثية على مستوى معيشة المواطن، وأمنه الغذائي بالدرجة الأولى، ناسفة معها ما تبقى من «خجل»، فأصبحت القرارات الحكومية على عينك يا تاجر، مفصلة على قياس النخب النهبوية ومافيات السوق وحيتان الاستيراد، خدمةً وتكريساً لمصالحهم التي من المحرم المساس بها، وبالمقابل، لا ضرر من عصر المواطن الذي يتحمل دائماً تبعات القرارات التدميرية وانعكاسها على واقع معيشته، التي أصبحت أكثر كارثية وسوداوية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1027