كهرباء جرمانا ووهمية الامتيازات

كهرباء جرمانا ووهمية الامتيازات

تقع جرمانا ضمن الغوطة الشرقية- في محافظة ريف دمشق- هي مدينة صغيرة بالمساحة (6 كم مربع تقريباً) وهي مرعبة بالكثافة السكانية (تتجاوز المليون ونصف نسمة) ضمن عشوائيات، يتراوح ارتفاع أبنيتها من 4- 6 إلى 9 طوابق، في السواد الأعظم من المدينة.

عانت المدينة مما عانته كافة أنحاء البلاد من موضوع التقنين الكهربائي، ولكن الأزمة الكبرى كانت بارتباط ملف المياه بملف الكهرباء، فتدفق المياه إلى الشبكة من الآبار يترافق في معظم الأحيان مع انقطاع التيار الكهربائي، والعكس صحيح، وذلك نتيجة تقسيم المدينة إلى عدة قطاعات، وتناوب وصل التيار الكهربائي وفصلة على هذه القطاعات، وبالتالي ارتفاع احتمال انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع الذي يحوي مضخة بئر معين مغذٍ لأحد الأحياء التي يتم فيها وصل الكهرباء بخلاف خط البئر!

المعجزة المطلوبة

المعجزة المطلوبة في محصلة القول: هي تناسب وصل التيار الكهربائي للأحياء مع وصل التيار للقطاعات التي تحوي آبار المياه والمضخات.
فانقطاع المياه يجبر السكان على ملء الخزانات بصهاريج المياه المتنقلة التي تصل كلفة الـ 5 براميل عبرها إلى 25000 ل. س في بعض الأحيان استغلالاً ونهباً، والتي لا تكفي العائلة أكثر من يومين أو ثلاثة، في حال التقنين الأعظمي، أي عشرات الآلاف شهرياً لاستخدام المياه!

حلول بديلة

بما أن المعجزة لم تتحقق فلنبحث بالحلول البديلة: إما أن يمتلك الناس مولدات كهربائية تعمل على الوقود غير الموجود أساساً إلّا في السوق السوداء، أو امتلاك منظومة من الطاقة البديلة التي تحتاج إلى مساحة كبيرة على سطح البناء، والذي أساساً هو ملك فردي، وليس لجميع سكان البناء بسبب نظام العشوائيات، أو امتلاك مجموعة من المدخرات (البطاريات) مع رافعات الجهد (الانفيرتر) ذوات المواصفات الخاصة لتستطيع القيام بعملية تأمين التيار الكهربائي لمضخات المياه المنزلية، وتكاليف جميع هذه الخيارات الفاشلة (مقارنة بخصوصية جرمانا) تعتبر فلكية مقارنة بالدخل شبه المعدوم للسوريين، فأنت تحتاج بالحد الأدنى لادخار راتب موظف لمدة عامين على الأقل للقيام بأبسط خيار من الخيارات السابقة!.

مطالبات مكررة

لم تتوقف مطالبات أهالي المدينة لإيجاد حلول عملية لهذه المعاناة، إما بإيجاد حل لعمل المضخات على مدار الساعة دون توقف، أو من خلال المطالبة بفترة وصل ليلية لكافة أحياء المدينة تسمح لجميع السكان بملء خزاناتهم!
فتارة عن طريق لجان الأحياء والوجهاء بالذهاب إلى المسؤولين ضمن مديريات الكهرباء والماء، والتي تنتهي بفنجان قهوة ووعود وتسويف، وتارة أخرى عن طريق الاحتجاج والاعتصام أمام المديريات المعنية، ومركز البلدية، وفي الشارع، لإيجاد الحلول اللازمة والعملية.

الحل العبقري

خلال الفترة السابقة، وبعد سجال طويل، توصل المعنيون للحل العبقري التالي: توحيد نظام التقنين في جميع أحياء جرمانا (اعتبار جرمانا كاملة قطاعاً واحداً) وإلغاء العمل بتقسيم جرمانا إلى قطاعات، وبالتالي حرمان السكان المستفيدين من عملية التبادل الشائعة (تبادل خطوط الكهرباء بين القطاعات)، وهي عملية غير قانونية، بالرغم من أنها كانت تخفف بعض الأعباء عن السكان.
فكانت خطوط التبادل تستخدم للإنارة، وتشغيل مضخات المياه، وبالتالي لا تشكل ضغطاً كبيراً على الشبكة كما يدعي بعض المسؤولين!
وبمطلق الأحوال، نحن لسنا في صدد النقاش عن شرعية ذلك من عدمه، فالجميع يعلم أن القانون يُفصّل على مقاس مصلحة القلة من الكبار، وعلى حساب مصالح الغالبية من الصغار غالباً!

للحكاية تتمة.. جرمانا والرفاهية!

نكمل في الحل العبقري الذي يسمح بالوصل المستمر للتيار من2:30 ليلاً حتى 8:30 صباحاً، أما المقابل، فهو تعديل التقنين ليصبح 2 وصل بـ 4 قطع، طيلة ساعات النهار، وهذا يعني وصل الكهرباء لـ 4 ساعات فقط من8:30 صباحاً حتى 10:30 مساءً، وبالتالي، تعطيل أعمال جميع المصالح والورشات والمحال التي تحتاج للكهرباء، وقطع شبه كامل لوسائل معيشتهم، وبالمختصر تدمير كامل لآلاف العائلات!
فمن يستطيع إنجاز عمله خلال 4 ساعات من أصل 14 ساعة عمل؟ من حدادين ونجارين ومحلات الألبان والأجبان واللحوم و....... إلخ، وأكياس المونة المنزلية المخزنة في البرادات أصبحت في عداد التالف!
كل هذا الإهمال وأكثر يحدث في هذه المدينة، مع الكثير من التطبيل والتزمير بأن جرمانا تعيش في رفاهية كهربائية!

ملف النهب الملياري

من المعلوم أن ملف الطاقة الكهربائية بشكل عام هو أحد أبرز الملفات التي يعاني منها الشعب السوري عموماً، إذا استثنينا القلة القليلة التي يشكل قوامها حفنة من كبار الناهبين والفاسدين، التي تحيا على مصّ دماء السوريين واستغلال حاجاتهم ومعاناتهم أبشع استغلال، وكأنها من خارج الإحداثيات السورية، على مستوى المعاناة!
فمن واقع تردي وسوء الشبكة والتيار الكهربائي، وتكاليف صيانة محطات التوليد وخطوط النقل ومراكز التحويل المليارية سنوياً من خزينة الدولة، وبالتالي، من جيوب المواطنين، إلى أمبيرات حلب وكلفة الـ 1 أمبير أسبوعيا بحدود 8000 ل.س، والتي بالكاد تكفي بعض الإنارة مع تشغيل جهاز التلفزيون، مروراً بالبدائل الكهربائية (البطاريات والليدات والشواحن و..) والتي تقدر تكاليفها بـ 70000 ل.س لكل منزل، بالحد الأدنى، وهي بحاجة للتجديد بين الحين والآخر، والتي تستخدم للإنارة فقط، ولساعات محدودة يومياً، وليس انتهاء بخيارات الطاقة البديلة الأخرى (صديقة البيئة) باهظة الثمن والتي تقدر تكلفتها بـ 5 ملايين ل. س بالحد الأدنى، باستثناء كلفة البطاريات للحصول على طاقة كهربائية تعادل 3000 واط ساعي، خلال فترة الإشعاع الشمسي، وهي تكلفة مرتفعة على الغالبية المفقرة من كل بد!
مليارات المليارات يتم صرفها ونهب بعضها عن طريق حلقات الفساد والنهب المتشابكة سنوياً، والمبرر الدائم شماعة الحرب والحصار والعقوبات و...، أما صمّ الآذان وإغلاق العيون عن الحلول البديلة التي تؤدي إلى ضرب مصالح مصاصي الدماء لمصلحة عموم المفقرين من السوريين، فمن المحرم التعاطي بها!.
هذا واقع البلاد المرير، وهذه هي جرمانا، لا مكان للطاقة البديلة، لا وقود للمولدات، ولا أموال للبطاريات ورافعات الجهد، ومئات الآلاف من العائلات المتضررة، بمقابل عشرات المستفيدين!
ونختم أخيراً بمجموعة من الأسئلة التي وجهها بعض أهالي جرمانا للمسؤولين والناهبين والفاسدين:
هل عجزتم عن تأمين الطاقة لمضخات الآبار؟
هل عجزتهم عن تأمين 7 ساعات تغذية لأصحاب المهن؟
هل أنتم سعيدون في جلوسكم في مكاتبكم؟
ألم تمتلئ بطونكم بعد؟
الى متى ستستمرون في التسويف والمماطلة والوعود الخلبية؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1026