مشكلة الصّرافات المزمنة والحكومة المتفرجة
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

مشكلة الصّرافات المزمنة والحكومة المتفرجة

تعتبر مشكلة الصّرافات الآلية من المشاكل المزمنة التي لم توجد لها الحلول الشافية حتى الآن.

فالازدحام على كوات الصرافات العاملة وقيد التشغيل أصبح مستمراً طيلة أيام الشهر، لتتراكب عليها أزمات ومشاكل الكهرباء وشبكة النت، لتزيد طين الازدحام وساعات الانتظار عليها بلّة!

ازدحام وطوابير انتظار

تفاقمت مشكلة المواطنين مع الصّرافات الآلية خلال الأسابيع الأخيرة، سواء تلك التابعة للمصرف التجاري أو المصرف العقاري، وقد عمت المشكلة جميع المحافظات، وخاصة مع تزامن صرف الرواتب، والإعلان عن صرف المنحة النقدية، قبل العيد وخلاله.
فكل الحديث عن عمليات الصيانة، أو عن وضع صرّافات إضافية بالخدمة، لم تؤدّ إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين الذي يقفون على طوابير الصرّافات الموضوعة في الخدمة لعدة ساعات في بعض الأحيان، وأحياناً دون جدوى، حيث يعاودون الطوابير في اليوم التالي، وهكذا!

إجراء رسمي غير كافٍ

سعت إدارات العقاري والتجاري سابقاً، بالتعاون مع الجهات العامة والحكومية، إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين من أصحاب الأجور الموطّنة استحقاقاتهم في هذه المصارف، من خلال توزيع صرف الاستحقاقات الشهرية لهؤلاء على ثلاث شرائح بثلاث مراحل خلال الشهر، تخفيفاً للازدحام على الصّرافات.
الشريحة الأولى: العاملون في الجهات العامة القائمون على رأس عملهم، حيث تبدأ عمليات صرف استحقاقات هؤلاء من تاريخ 25 بنهاية كل شهر، بحسب مواعيد صرف الاستحقاقات في كل جهة عامة.
الشريحة الثانية: للمتقاعدين العسكريين والمدنيين المرتبطين بمؤسسة التأمين المعاشات، وتبدأ عمليات صرف استحقاقات هؤلاء اعتباراً من 10 من كل شهر، وبحسب الجداول المحولة من قبل مؤسسة التأمين والمعاشات للمصارف.
الشريحة الثالثة: للمتقاعدين المرتبطين بمؤسسة التأمينات الاجتماعية، وتبدأ عمليات صرف استحقاقات هؤلاء اعتباراً من 15 من كل شهر، وبحسب الجداول المحولة من قبل مؤسسة التأمينات الاجتماعية للمصارف أيضاً.
ولا تتوقف عمليات صرف الاستحقاقات لكل هذه الشرائح طيلة أيام الشهر طبعاً.
وتعتبر هذه العملية من التشريح مخففة للأعباء، وخاصة من الازدحام، بحال توفر عدد صرافات كافية موضوعة بالخدمة، تتناسب مع أعداد أصحاب الاستحقاقات للشرائح الثلاث أعلاه طيلة أيام الشهر، بحسب المواعيد المحددة، لكن الواقع ليس كذلك مع كل أسف!

الأرقام الرسمية تتحدث

في تصريح لمدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، عبر إحدى الإذاعات المحلية بتاريخ 11/5/2021، حول صرف المنحة النقدية الأخيرة، قال: «تقدر هذه المنحة تقريباً بقيمة 17 مليار ليرة للمواطنين المتقاعدين الذين يتقاضون معاشاتاهم من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية».
وبتفسير رقمي، كون مبلغ المنحة النقدية للمتقاعدين هو 40 ألف ليرة، فإن ذلك يعني أن عدد المستحقين من أصحاب المعاشات التقاعدية الذين يتقاضون أجورهم الشهرية من مؤسسة التأمينات الاجتماعية يقدر بحدود 425 ألف صاحب استحقاق بالحد الأدنى، وهناك مثل هذا العدد، عسكريين ومدنيين، يتقاضون أجورهم التقاعدية من مؤسسة التأمين والمعاش، أي: ما يعادل مليون صاحب استحقاق تقاعد شهرياً تقريباً، وربما هناك ما يعادل مجموع هؤلاء من العاملين القائمين على رأس عملهم الموطنة أجورهم في كل من المصرف التجاري والعقاري، أي: هناك ما يعادل مليوني صاحب أجر شهري مرتبط بالمصرفين العقاري والتجاري، والصّرافات الآلية التابعة لهما في جميع المحافظات، مع كتلة نقدية شهرية يجب أن تصرف لهؤلاء لا تقل عن 120 مليار ليرة، بوسطي الأجور البالغ 60 ألف ليرة.
وفي تصريح لمدير الدفع الإلكتروني في المصرف العقاري لأحد المواقع الإخبارية المحلية بتاريخ 9/5/2021 قال: «خلال العطلة الممتدة بين بداية الشهر الحالي وحتى البارحة (أي 8/5)، تم سحب حوالي مليار ونصف مليار ليرة سورية من صرافات دمشق، بعدد عمليات بلغ تعدادها 50 ألف و668 عملية سحب ناجحة.. مشيراً إلى أن صالتي الصرافات في الإدارة العامة وفرع المزة وضعتا في الخدمة منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الرابعة عصراً ولم تعطل إلا يوم الجمعة».
وبتفسير رقمي أيضاً، فإن عمل الصرافات الموضوعة في الخدمة والجاهزة فنياً من إجمالي عدد الصرافات في دمشق وخلال أسبوع واحد ولمدة 8 ساعات عمل يومياً قدم خدمة لما يعادل 50 ألف صاحب استحقاق، وبمبلغ يقارب ملياراً ونصف المليار.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كم هي المدة الزمنية، وعدد الصرافات بالخدمة الفعلية، المطلوبة لصرف استحقاقات مليون صاحب معاش تقاعدي، مع ما يقابله من أرقام لأصحاب الأجور من القائمين على رأس عملهم في الجهات العامة الموطنة رواتبهم في كل من المصرف العقاري والتجاري على مستوى المحافظات كافة، وبمبلغ إجمالي يقارب 120 مليار ليرة كل شهر، بدون منغصات وساعات انتظار طويلة؟!

المشكلة المزمنة

واقع الحال يقول: إن الصرافات الخارجة عن الخدمة كثيرة، سواء كان ذلك بسبب عدم صيانتها، لأسباب عديدة، أو بسبب إيقافها عن الخدمة وعدم تزويدها بالنقود، لأسباب مختلفة أيضاً، والنتيجة واحدة بالنهاية هي مزيد من المعاناة بالنسبة للمواطنين، وخاصة أصحاب الأجور، الباحثين عن صرافات عاملة تؤمن لهم الخدمة المطلوبة منها.
فالمشكلة الرئيسية تتمثل بقلة عدد الصرافات الآلية بشكل عام، وعدم توزيع العامل منها والموضوع بالخدمة في المحافظات بما يؤمن الخدمة المطلوبة منها، وبما يخفف من الازدحام عليها، وبالتالي من الأعباء على المواطنين.
والمشكلة بالنسبة للمواطنين لم تقف عند حدود نقص عدد الصرافات الموضوعة بالخدمة فقط، بل تتعداها إلى انقطاع التيار الكهربائي عن بعضها بحسب ساعات الوصل والقطع في منطقة تواجدها، أو بسبب انقطاع شبكة الإنترنت عنها في بعض الأحيان، وهذه وتلك تؤدي إلى خروجها المؤقت عن الخدمة، وطبعاً على حساب ساعات انتظار المواطنين وتعبهم.

أسباب إدارية وإهمال

إذا كان هناك بعض الأسباب التي يتم التذرع بها بين الحين والآخر عند الحديث عن الحالة الفنية للصرافات المتوقفة عن العمل، وعمليات الصيانة وقطع التبديل المطلوبة لها، ربطاً بالحصار والعقوبات والتكاليف المرتفعة وغيرها، فإن بعض هذه الذرائع تسقط عند الحديث عن الصرافات العاملة والموضوعة بالخدمة، والتي تتوقف بين الحين والآخر بسبب الإهمال، أو بناء على قرارات وتوجهات إدارية.
فبعض الصرافات الجاهزة فنياً تعمل لعدة أيام في الشهر فقط، وليس خلال كل أيامه، وبعضها يعمل خلال جزء من ساعات الدوام الرسمي فقط، وتتوقف عن العمل خارج هذه الساعات.
فانقطاع التيار الكهربائي مثلاً يجب ألّا يكون حائلاً، أو سبباً لتوقف بعض الصرافات عن العمل، أو الخروج المؤقت منه، فمن المفترض أن تعمل الصرافات على المدخرات بحال انقطاع التيار الكهربائي عنها، مع التذكير ببعض التصريحات الرسمية السابقة التي تحدثت عن تعميم الاعتماد على الطاقة الشمسية بهذا المجال أيضاً، وكذلك هي حال ذرائع شبكة الإنترنت، فهناك الكثير من الحلول الفنية التي تؤمن استمرار عمل شبكة الإنترنت دون توقف، ربما باستثناء حالة القطع العام للشبكة، وهي حالة استثنائية من كل بد.
أما السبب المضاف فقد تمثل بعدم وضع ما يجب من نقود في بعض الصرافات العاملة، كي تستمر في عملها دون توقف طيلة أيام الشهر، وعلى مدار ساعاته، مؤدية الخدمة المطلوبة منها للمواطنين.
وليس أدل على ذلك تلك الصرافات الموضوعة في بهو بناء المصرف العقاري في ساحة المحافظة في العاصمة دمشق مثلاً، والتي لا تعمل إلّا لمدة 8 ساعات عمل يومياً فقط، والتصريح أعلاه يؤكد ذلك.
فالصرافات الموجودة هناك عددها يعتبر كبيراً، ومع ذلك هناك بعضها خارج الخدمة دائماً، ليس بسبب الكهرباء أو شبكة النت بدليل استمرار عمل البقية، بل بسبب عدم تزويدها بالنقود، أو بسبب عدم صيانتها الدورية المفترضة ربما! ما يؤدي إلى زيادة الازدحام على الصرافات الأخرى بالنتيجة، وقس على ذلك في بقية الصرافات في العاصمة، أو في بقية الصرافات في المحافظات الأخرى.

تأكيد العجز الكبير

في تصريح لمدير الدفع الإلكتروني في المصرف العقاري نهاية كانون الثاني الماضي، عبر صحيفة الوطن، قال: «الحاجة الحقيقية لسورية من الصرافات الآلية هي 5 آلاف صراف على الأقل، وليس على الأكثر، وأشار إلى أن حاجة دمشق وريفها فقط لا تقل عن 2000 صراف، بينما هي في عموم سورية لا تتجاوز 700، ومعظمها خارج الخدمة».
التصريح أعلاه، مع الواقع المسجل يومياً عبر مشاهدات الازدحام على الصرافات، يؤكد أن المشكلة ربما أكبر من إمكانات المصرف التجاري والعقاري مجتمعين.
فالفارق بين العدد الموجود من الصرافات والحاجة الفعلية منها، بحسب التصريح السابق، كبير جداً، وهو مكلف من كل بد مع ما يتطلبه من استكمال على مستوى البنية التحتية والاحتياجات الفنية الأخرى، وكل ذلك بحاجة إلى مؤازرة حكومية جدية، على ما يبدو أنها غير متوفرة حتى الآن!
أما لماذا، وإلى متى، ولمصلحة مَن، فهذا ما لا يعلمه إلّا أولو الأمر من أصحاب القرار!؟

المنح المؤجل صرفها دائماً

بالحديث عن المنحة النقدية الأخيرة، مع ضآلتها، والتي جرى الوعد أن تصرف قبل العيد، ففي تصريح لمدير عام مؤسسة التأمين والمعاش عبر إحدى الإذاعات المحلية بتاريخ 11/5/2021 قال: «تم تحويل المنحة لجميع المتقاعدين عبر الصرفات الآلية والبنوك وسيبدأ التنفيذ اليوم.. حوالي 10% من المواطنين المتقاعدين ستوزع عليهم مستحقاتهم بعد العيد بـ 10 أيام».
بينما الواقع يؤكد عدم صرفها لأصحاب المعاشات التقاعدية قبل العيد، وتم صرفها لبعض القائمين على رأس عملهم من العاملين في الدولة فقط، وحتى هؤلاء لم يتسنَّ لهم أن يستلموها بسبب الازدحام على الصرافات خلال الأيام التي سبقت العيد وخلاله، وهذه المنحة لم تكن استثناءً بهذا المجال، فكل منحة سابقة كان يتم تأجيل صرفها لمستحقين المعاشات التقاعدية بشكل خاص، لتصرف مع موعد صرف استحقاقاتهم الشهرية التالية لتاريخ صدورها، وتراوحت هذه المدة بين 15 يوماً- وشهراً في بعض الأحيان.
ومع واقع التذبذب السعري على السلع والخدمات صعوداً، بالمقارنة مع القوة الشرائية لليرة وتراجعها، فإن أصحاب المعاشات التقاعدية خاصة يعتبرون خاسرين لجزء من القيمة الفعلية لهذه المنح النقدية بمرور تلك الفترة الزمنية، بين تاريخ صدورها وموعد صرفها الفعلي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1018