قرارات حكومية بين العدالة والإجحاف
عبير حداد عبير حداد

قرارات حكومية بين العدالة والإجحاف

أصبح همّ المسؤولين مؤخراً «ابتكار» حلول للأزمات، المفتعلة والمستعصية، وليس ذلك فقط، بل وفق «أعلى عدالة اجتماعية» بين المواطنين تحت عنوان «الدّعم لمستحقيه»، وذلك عبر جملة من القرارات، ميزتها أنها تحتوي على تغذية راجعة لتصحيح الأخطاء، وتحقيق العدالة التي يزعمون، ولكنها بالعمق تخدم مصالح شبكات الفساد والسوق السوداء أكثر فأكثر.

فقد استمرت سلسلة الأزمات التي لم نشهد لها مثيلاً، والتي كان أهمها وأعقدها: أزمة المشتقات النفطية، والتي قيدت حركة المواطنين والنشاط الاقتصادي، حتى كادت أن تشل حركة البلاد بشكل كامل نتيجة تشعبها وارتباطها بكافة الخدمات ومفاصل الحياة الأخرى.
وبمحاولة لإدارة الأزمة رسمياً بغاية حلها، تم تطبيق آلية توزيع مادة المحروقات في محطات الوقود عبر الرسائل النصية، والتي كما ذكرنا في مادة سابقة أنها أخفت الأزمة عن السطح، فلم تتعدّ حلولها إلغاء مظاهر الوقوف لساعات أمام المحطات فقط لا غير.
فالمواطن، بعد تطبيق الآلية الجديدة لتوزيع المحروقات، مُخيّر بين انتظار الرسالة لمدة تتعدى التسعة أيام أو أكثر، وبين التوجه إلى السوق السوداء بأسعارها المرتفعة، وتبقى درجة الاضطرار هي العامل الحاسم في ذلك.

رؤية حكومية عادلة؟!

لم يمضِ الكثير على اعتماد الرسالة النصية كآلية لتوزيع البنزين على المواطنين، حتى تم تعديل تلك الآلية وفق رؤية حكومية تعتبرها عادلة.
فقد أعلنت الصفحة الرسمية لوزارة النفط والثروة المعدنية عن اجتماع ضم وزير النفط مع المدراء المعنيين في شركة المحروقات لمعالجة كافة الملاحظات التي ظهرت بعد تطبيق الآلية الجديدة لتوزيع المحروقات، ومن مخرجات ذلك الاجتماع، تم الاتفاق على توحيد الدور على مستوى المحافظة بشكل يماثل آلية توزيع الغاز المنزلي، مؤكدين أن مدة صلاحية الرسالة هي 24 ساعة كما السابق، معللين أن التعديل جاء نتيجةً لوجود محطات تحصل على كميات أكثر من محطات أخرى، وبالتالي لا تتحقق العدالة بين المواطنين.
وعلى الرغم من ذلك، فما زالت الرسائل متأخرة والمواطن قيد الانتظار!

قرارات وإبرة البنج

اعتاد المواطن بالنتيجة أنه مهما صدر من قرارات، فإن ذلك لا يُغير من واقع الحال الذي يعيشه، فتطبيق آلية الرسائل النصية مثلاً لم تحل جذر المشكلة المتمثلة بتخفيض الكميات لـ 20 ليتراً أسبوعياً، وهي دون مستوى الحاجة الفعلية، إنما أخفت ظاهرة الطوابير الممتدة لعدة كيلو مترات فقط، والتأخير باستلام المخصصات بقي قائماً، فالرسالة تتأخر لما يتعدى المدة المحددة بأسبوع، والتي هي أصلا مُجحفة بحق المواطن.
سائق تكسي تحدث عن معاناته، لم يستلم الرسالة منذ أسبوع، ويحتاج يومياً عشرة ليترات، يشتريها بـ 4 آلاف ليرة للتر الواحد من إحدى المحطات التي تبيع البنزين الحر.
وبعدما طال التقنين كافة نواحي حياة المواطن، فقد وصل ذلك التقنين حتى على المشاوير الضرورية، فأصبح الخروج من المنزل نقمة، فمواصلات النقل العامة من سيءٍ إلى أسوأ، وخاصة بعد عودة طلاب الجامعات رسمياً للدوام، وأصحاب السيارات الخاصة أيضاً أصابهم التقنين، كون الكميات «المدعومة» لا تكفي عدة مشاوير ضرورية، وأما إذا فكر بالحصول على البنزين أوكتان 95 فالطوابير تمتد على مدّ العين والنظر، بالرغم من أسعارها المرتفعة.

سقف طموحات مشوهة تشبه سابقاتها

أصبح حلم المواطن اليوم أن تعود الكميات «المدعومة» لتوزيع 30 أو 40 ليتراً أسبوعياً، وكذلك حال المسؤولين الرسميين بسقف طموحات إنجازاتهم المستقبلية التي يعِدوننا بها.
فإذا كان ذلك التعديل الأخير بقرار توزيع الكميات أصبح مماثلاً لآلية الغاز المنزلي، والتي يشتكي كثيرون من تأخر دورهم لما يقارب الشهرين لاستلام مخصصاتهم من الغاز المنزلي، يصبح من الجدير طرح السؤال: هل سنشهد تأخيراً باستلام الرسائل يُحاكي ذلك التأخير؟
وعلى الطرف المقابل، المستفيد من كل ذلك هم القائمون على شبكات السوق السوداء، فهذه السوق توسعت طرداً مع توسع وازياد الأزمة اختناقاً، كما أن الطلب ازداد عليها للضرورة، كونه يوجد شحّ غير مقبول بالكميات المدعومة، حيث يصل سعر الليتر فيها إلى حدود أربعة ألاف ليرة.
فهناك وعود قد سمعناها بأن الكميات المدعومة ستعود 40 ليتراً أسبوعياً بعدما تتم زيادة الكميات المخصصة على مستوى المحافظات، وكأنهم نسوا أن هذه الكميات هي منخفضة ولا تكفي الحاجة الفعلية أصلاً، وبجوهرها تعتبر تخفيضاً للدعم المقدم للمشتقات النفطية عما كانت عليه سابقاً، والتي يتم الزعم أنها تُكلف مبالغ طائلة على خزينة الدولة سنوياً، في الوقت الذي فنّد فيه البعض التكاليف والأسعار الرسمية المعلنة مؤخراً، واتضح أنها تفتقد لجوهر الدعم للمواطن بالنتيجة، بل العملية بمجملها لم تكن إلّا عملية نهبوية كبيرة باسم الدّعم، تستفيد منها شبكات وقوى النهب والفساد، سواء على حساب خزينة الدولة أو من جيوب المواطنين، والدليل على ذلك هو تكريس عمليات تهريب المشتقات النفطية من لبنان إلى سورية وتزايدها، لأن سعرها هناك أرخص، والحاجة الاستهلاكية في السوق السورية أعلى نظراً لندرة المادة وتقنينها لدرجة الاختناق بما يحقق مصلحة السوق السوداء وكبار الناهبين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1015