السلع الأساسية ومتاهة التسعير المركزي والمكاني
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

السلع الأساسية ومتاهة التسعير المركزي والمكاني

يعتبر الخبز السياحي من السلع المسعرة مكانياً وليس مركزياً، وهو ما يبرر التباين السعري النسبي له بين محافظة وأخرى أحياناً، على العكس مثلاً من الخبز التمويني «المدعوم» المسعر مركزياً حتى الآن، بغض النظر عن سعره الاستغلالي عبر شبكات السوق السوداء.

الحديث الرسمي يقول: إن هناك بعض السلع الأساسية التي يتم تسعيرها مركزياً، ومنها طبعاً: السلع «المدعومة» (الخبز- المحروقات- المواد المقننة)، بينما يتم تسعير بعض السلع مكانياً.
كذلك يتم التفريق أحياناً بين السلع المستوردة الممولة بالقطع الأجنبي عن غيرها بما يخص التسعير أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار تعدد جهات التسعير الرسمية المعتمدة وكثرتها، بما في ذلك جهات القطاع الخاص، وبأن تحرير الأسعار لم يقف عند حدود السلع والمواد فقط، بل كذلك تسعير الخدمات أيضاً.

السياحي ارتفع.. ماذا عن التمويني؟

مؤخراً، أصبح سعر ربطة الخبز السياحي رسمياً، بوزن 1 كغ، 2200 ليرة في دمشق، وذلك بناءً على قرار المكتب التنفيذي لمحافظة مدينة دمشق الصادر نهاية الأسبوع الماضي.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخبز السياحي والكعك والصمون كانت تصدر بها نشرات أسعار مركزية فيما سبق، بينما أصبحت لاحقاً كل محافظة تصدر نشرتها السعرية الخاصة بهذه المواد.
فهل هذه المواد (الخبز السياحي- الكعك- الصمون..) تعتبر من السلع الأساسية أم من غير الأساسية بحسب التصنيفات الرسمية؟
وما هو مآل بعض المواد والسلع الأخرى لاحقاً، في ظل تباين تعريف الأساسي من غير الأساسي منها، وفي ظل تخفيض الدعم الجاري تباعاً على المواد والسلع «المدعومة»، بما في ذلك الخبز التمويني أو المحروقات مثلاً، تماشياً مع سياسات تحرير الأسعار التي تسير على قدم وساق؟

السعر مستوفى سلفاً

من الناحية العملية، فإن السعر الرسمي الجديد للخبز السياحي في دمشق لم يكن مفاجئاً، فقد سبق أن فرض الارتفاع السعري نفسه على المستهلكين في السوق، وإن بشكل متباين، على مرأى ومسمع الجهات الرسمية المخولة بالتسعير والرقابة.
فالخبز السياحي والصمون والكعك لم تعد هذه من ضمن السلع التي تصدر بها نشرات أسعار مركزية، ما أدى إلى تباين واختلاف أسعارها.
فربطة الخبز السياحي تباع في السوق، وعبر المحال التجارية، بهذا السعر تقريباً (2200 ليرة)، وبأعلى منه في بعض الأحيان، حسب المكان والزمان ودرجة الاضطرار.

وقد سبق أن طالبت الجمعية الحرفية لصناعة الخبز والكعك والمعجنات في دمشق وريفها، بتعديل أسعار كل من الخبز السياحي والصمون والكعك والمعجنات، وذلك بسبب ارتفاع أسعار مدخلات ومستلزمات إنتاج هذه المواد، وخاصة الطحين والمحروقات، وقد أكد على ذلك مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق خلال تصريح صحفي نهاية شباط الماضي، والقرار الجديد أعلاه بما يخص الخبز السياحي هو أحد الأشكال التنفيذية لذلك حتى الآن.
ومن المتوقع أن تصدر نشرات أسعار شبيهة للخبز السياحي من قبل المكاتب التنفيذية في بقية المحافظات تباعاً، وكذلك للخبز الصمون والكعك وبقية المعجنات.

التسعير وجهاته المتعددة

التسعير المركزي للسلع الأساسية تصدر نشراته السعرية من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك كجهة مخولة حكومياً وفقاً لمهامها المنصوص عنها قانوناً، وقد تم تفويض مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات، بالتعاون والتنسيق مع المكاتب التنفيذية في المحافظات، بإصدار نشرات تسعير بعض السلع الأساسية أيضاً، إضافة إلى مهامها على مستوى إصدار نشرات التسعير المكاني لبعض المواد والسلع.
كذلك تدخل على خط التسعير الرسمي عشرات الجهات الحكومية الأخرى، فكل جهة تصدر نشرات أسعار بعض المواد والسلع التي تنتجها أو تتعامل بها، مثل: الغزول والخيوط والسجاد والإسمنت و....
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن التسعير المكاني في المحافظات يعتمد عملياً على ما يقدمه القطاع الخاص (منتجاً أو مستورداً) من تكاليف، تضاف إليها هوامش الربح المعتمدة كنسب، بحسب حلقات التجارة والتوزيع وصولاً إلى المستهلك، سواء كانت ممولة أو غير ممولة بالقطع.

السلع الأساسية وتحرير الأسعار

التمويل بالقطع الأجنبي للمستوردين من القطاع الخاص بالسعر الرسمي للمصرف المركزي توقف عملياً، باستثناء تمويل استيراد بعض المواد المدعومة والأدوية، وبعض مستلزمات القطاع العام، لكن ذلك لا يعني أن السلع الأساسية التي كانت ممولة وتوقف تمويلها لم تعد أساسية، فتكريس تحرير الأسعار لا يعني بحال من الأحوال تغيير طبيعة وأهمية المادة أو السلعة.
فقد جرى تحديد المواد والسلع الأساسية سابقاً بالتالي: (السكر، الرز، الزيوت، السمون بكل أنواعها، الشاي، المتة، البن بكل أنواعه، الحليب المجفف، الطحين، معلبات الطون والسردين...). وقد كان ذلك مرتبطاً بما يقدم من تمويل بالقطع الأجنبي، بالسعر الرسمي المعتمد من قبل المصرف المركزي، لقاء إجازات استيراد هذه المواد، واعتبار ذلك جزءاً من «الدعم» المقدم لهذه المواد، والذي لم يحصد نتائجه الإيجابية المرقومة إلّا بعض حيتان الاستيراد، وما زالوا، فمع ذريعة الحرب والحصار والعقوبات تزايدت معدلات هوامش ربح هؤلاء على حساب الخزينة العامة والمواطنين والاقتصاد الوطني.

متاهة الرقابة على الجودة والمواصفة

واقع الحال يقول: إن كافة السلع والمواد والخدمات في السوق يتم تسعيرها عملياً من قبل بعض حيتان القطاع الخاص ولمصلحتهم، بما في ذلك المواد والسلع المدعومة، والنشرات الصادرة رسمياً، مركزية أو مكانية، أو من أية جهة رسمية كانت، ما هي إلّا صكوك لشرعنة الأسعار المحررة في الأسواق، مع هوامش ربحها.
فكثرة جهات التسعير الرسمي وتعددها، والمتاهة بين التسعير المركزي والمكاني وفقاً للآلية المعمول بها، لم تكن إلّا وبالاً على المستهلكين وطالبي الخدمات في النتيجة، وقد تاهت بهذه المتاهة أيضاً كل عوامل وفرص الرقابة والمتابعة، على الرغم من كثرة جهاتها الرسمية أيضاً، ليس على الأسعار فقط، بل وعلى الجودة والمواصفة أيضاً.
وبكل اختصار، يمكن القول: إن ما يتم اعتبارها سلعاً أساسية رسمياً لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بمصلحة المستهلكين وحاجاتهم، بل بما يرتبط بمصلحة بعض كبار الحيتان من أصحاب الأرباح فقط لا غير، وبما يتوافق مع تكريس سياسات تحرير الأسعار الليبرالية على السلع والخدمات، التي تصب بمصلحة هؤلاء على حساب الغالبية المهمشة والمفقرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1010
آخر تعديل على الإثنين, 22 آذار/مارس 2021 00:37