زيادة تكاليف التقاضي مقدمة لانتهاك المزيد من الحقوق..
بدأ العمل اعتباراً من تاريخ 1/1/2021 بتطبيق بعض القرارات الجديدة الخاصة بنقابة المحامين استناداً إلى مقررات المؤتمر العام للنقابة، وقد تضمنت القرارات زيادة في بعض الرسوم والحد الأدنى للأتعاب الواجب تسديدها، والنسبة المخصصة لصندوق التعاون منها، وحصة مؤسسة خزانة التقاعد وفروع النقابات في المحافظات كذلك.
مقررات المؤتمر العام بهذا السياق كانت مبوبة ضمن بعض المبررات العامة، مثل: (ضمان حقوق المحامين- تحسين موارد النقابة- التأمين الصحي- رفع الرواتب التقاعدية- زيادة إعانة الوفاة..) وجميعها مطالب مشروعة للمحامين، لكن النتيجة العملية: أن ذلك كله كان على حساب المواطنين المتخاصمين ومن جيوبهم بالنتيجة.
الرسوم والتكاليف الجديدة
بحسب ما تم تداوله عبر صفحات فروع نقابات المحامين في المحافظات، وبعض وسائل الإعلام، فقد تم إصدار نماذج جديدة لسندات التوكيل التي تتم بين المحامي والموكل، وهي غير قابلة للتزوير وغير قابلة للتداول بين الناس، وتصل تكلفة النموذج الجديد إلى 2000 ليرة سورية.
كذلك فقد صدرت عدة تعاميم من نقابة المحامين إلى فروعها في المحافظات، تتضمن تعديلات على بعض الرسوم، زيادةً، كما يلي: قيمة طابع المرافعة المحمول 2000 ليرة بدلاً من 1000 ليرة. - قيمة طابع المرافعة والأتعاب على الوكالة 2000 ليرة بدلاً من 1200 ليرة. - قيمة طابع المرافعة المحمول عن كل شخص إضافي في الوكالة 1000 ليرة بدلاً من 100 ليرة.
رفع الحد الأدنى للأتعاب الذي يجب تسديده وفق إشعار يوزع مناصفة بين مؤسسة خزانة التقاعد وفروع النقابة، حسب التالي:
الدعاوى الشرعية 4000 ليرة. - الدعاوى العمالية 2000 ليرة. - الدعاوى الصلحية 6000 ليرة. - قاضي الفرد العسكري 6000 ليرة. - الدعاوى البدائية المدنية الجزائية 7000 ليرة. - القضاء الإداري 7000 ليرة. - الادّعاء الجنائي 8000 ليرة.
ورفع الحد الأدنى من التعاون بحيث يوزع 50% لصندوق التعاون و50% يعود للمحامي.
كذلك تم زيادة الحد الأدنى للوكالة بحسب ما يلي: البدائية 10000 ليرة بدلاً من 5000 ليرة. - الصلحية 10000 ليرة بدلاً من 4000 ليرة. - الشرعية 5000 ليرة بدلاً من 2000 ليرة. - العمالية 2000 ليرة بقيت على حالها. - الجنائية 10000 ليرة بدلاً من 6000 ليرة. - الشركات المحلية 10000 ليرة بدلاً من 5000 ليرة. - الشركات الأجنبية 50000 ليرة بدلاً من 20000 ليرة.
كذلك جرى تعديل تكاليف سندات التوكيل على الشكل التالي:
وكالة بدائية عامة 22815 ليرة. - وكالة بدائية خاصه 22785 ليرة. - وكالة بدائية عمالية 14785 ليرة. - وكالة بدائية شرعية 17785 ليرة. - وكالة صلحية 22765 ليرة. - صورة مصدقة 20265 ليرة. - وكالة للتنفيذ 10565 ليرة. - صورة إنذار كاتب بالعدل 8765 ليرة. - صورة إدارية 8265 ليرة.
فوق القدرة وتتجاوز الإمكانات
لا شك أنه من حق نقابة المحامين أن تدافع عن حقوق ومصالح منتسبيها، وأن تزيد من مواردها لهذه الغاية، لكن المشكلة أن المصدر الرئيس لتحسين هذه الموارد كان جيوب المواطنين المنتهكة أصلاً على حساب معيشتهم وضروراتهم.
فالمبالغ أعلاه قد تعتبر مسايرة للمتغيرات الطارئة، وخاصة ما يتعلق بأسعار السلع والخدمات التي ارتفعت خلال السنين الماضية بشكل كبير، لكن هذا لا ينفي أن كل ذلك يعتبر متجاوزاً لعتبة وسطي دخول الغالبية من السوريين، التي لم ترتفع بما يوازي هذه الارتفاعات.
فأية وكالة قد يضطر المواطن لها ستكلفه بالحد الأدنى مبلغاً يتجاوز الـ20 ألف ليرة، وهي البدائية العمالية، وقد تصل إلى ما يتجاوز 50 ألف ليرة في غيرها من الوكالات مع التكاليف الخاصة ببقية الرسوم والطوابع، وهذه التكلفة هي البداية التي لا بد منها في مسار أية دعوى، والتي سيضاف إليها الكثير من النفقات والتكاليف خلال مسيرة التقاضي فيها، التي تطول بعضها في أروقة المحاكم لسنين، بالإضافة طبعاً إلى الأتعاب المتفق عليها مع المحامي، حيث تعتبر هذه التكاليف مرهقة وتتجاوز إمكانات المواطنين عملياً، وخاصة الغالبية المفقرة المنتهكة حقوقها.
فالقلة المحظية من الأثرياء والفاسدين لا حقوق منتهكة تعاني منها، إن لم نقل إنها هي المستفيدة من انتهاك حقوق الغالبية، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالنسبة لهذه الشريحة فإن التكاليف التي قد تتكبدها جراء تخاصمها في أروقة المحاكم، فيما بينها أو بمواجهة المفقرين، تعتبر «من طرف الجيبة» مهما بلغت.
مزيد من انتهاك الحقوق
إذا كانت بعض الوقائع قد فرضت على بعض المواطنين أن يتخلوا مرغمين عن بعض حقوقهم، نفوذاً وفساداً واستغلالاً، خلال السنين الماضية، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة وبسببها، فإن تكاليف التقاضي لاستعادة بعض الحقوق المنتهكة استناداً إلى ما سبق أعلاه أصبحت تحول دون التمكن من ذلك عملياً، وخاصة للغالبية المفقرة التي لا حول لها ولا قوة.
فموضوع تكاليف التقاضي لم تقتصر على ما أقرته نقابة المحامين بما يخص زيادة إيراداتها بحسب ما ورد أعلاه، ولا بأتعاب المحامين والنفقات الكثيرة الأخرى المترتبة على أية دعوى قضائية، بل سبق ذلك زيادة في الرسوم القضائية أيضاً، عبر ما يسمى «اللصاقة القضائية» التي ارتفت قيمتها، وتزايدت الورقيات والثبوتيات التي فرضت عليها هذه اللصاقة، وعدد اللصاقات على كل منها أيضاً، وبالتالي، فإن مزيداً من الحقوق ربما باتت قيد الانتهاك، فقط من بوابة التكاليف الرسمية المرتفعة جراء عملية التقاضي، فكيف ببقية عوامل الانتهاك الأخرى التي ما زالت تفعل فعلها؟!.
السياسات التمييزية والعدالة
ما يمكن استخلاصه، أن المواطنين الباحثين عن العدالة في أروقة المحاكم وعبر المحامين من أجل الحفاظ على حقوقهم أو استعادة ما فقدوه منها، ربما لم ولن تسعفهم أدوات العدالة المتاحة أمامهم، حتى قبل أن يطرقوا أبوابها، والتي لا تقف عند عائق ما قد يتكبدونه من تكاليف مرتفعة لهذه الغاية، لا من جانب نقابة المحامين الباحثة عن مواردها لمصلحة منتسبيها من جيوب هؤلاء، ولا من جانب وزارة العدل الباحثة عن موارد لتحسين مستوى معيشة القضاة من هذه الجيوب أيضاً، ولا من الحكومة التي تتعامل مع مسألة الأجور بكل برود وسلبية، بعيداً عن مستوى المعيشة بحدودها الدنيا ومتطلباتها.
وربما بكل اختصار يمكن القول: إن السياسات الليبرالية المتبعة، بجوهرها التمييزي المحابي لمصالح القلة المستغلة من أصحاب الأرباح والفاسدين على حساب مصالح الغالبية من أصحاب الأجور والمفقرين على طول الخط، تعتبر السبب الرئيس لانتهاك الحقوق، ولاستمرار هذا الانتهاك، ودون الانتهاء من هذا التمييز التعسفي والسافر، ربما من الصعب الحديث عن عدل وعدالة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 999