الفروج المجمد.. ضربة قاضية لقطاع الدواجن
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

الفروج المجمد.. ضربة قاضية لقطاع الدواجن

ضربة جديدة توجه لقطاع الدواجن، وقد تكون القاضية والأخيرة، وهذه المرة على يد مجلس محافظة دمشق، الذي أيد توجيه توصية إلى وزارة الاقتصاد مفادها السماح باستيراد الفروج المجمد.

المتتبع لواقع حال ومآل قطاع الدواجن، منذ سنين وحتى الآن، لن يستغرب ما وصل إليه من تراجع، والسبب الرئيس، المعاد والمكرر، هو ارتفاع التكاليف المتمثلة بشكل أساس بأسعار الأعلاف المتحكم بها من قبل المستوردين، بالإضافة إلى جملة من الصعوبات التي تعترض عمل المربين.

سياسات تقويض الإنتاج

لن نعيد الحديث عن أهمية قطاع الدواجن وحجمه ودوره وضرورته، فقد سبق أن تم إشباع هذا العنوان ومفرداته بالكثير من التفصيلات، كما سبق وأن عُقدت الاجتماعات، المتتالية والكثيرة، الرسمية وغير الرسمية، من أجل معالجة أسباب تراجعه، وتوقف بعض منشآته عن العمل، وخروج بعضها الآخر بشكل متتابع من الخدمة بشكل نهائي، وكيف انعكس ذلك سلباً على المربين والعاملين في هذا القطاع، وكذلك على المستهلكين، حيث تخلص هذه الاجتماعات بالعادة إلى مجموعة من القرارات والتوصيات والتوجيهات، لكن دون أن تجد لها صدى حقيقياً يُخرج هذا القطاع المنتج من محنته المستمرة.

ويمكن اختصار الأمر بالتالي: لم ولن يستعيد قطاع الدواجن عافيته طالما بقيت السياسات والتوجهات بما يتعلق بالإنتاج عموماً، إضعافاً وتقويضاً، على حالها، وطالما بقي حيتان الاستيراد وأشباههم يجدون ضالتهم ومصالحهم بهذه السياسات، كما يجدون من يسعى إلى توسيع حصتهم في السوق، ولتكبير نسب أرباحهم، على حساب الإنتاج والمنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني.

قاسيون نبهت

تجدر الإشارة الى أن قاسيون كانت قد أفردت الكثير من المواد المخصصة حول قطاع الدواجن عبر صفحاتها خلال السنوات الماضية، كما سبق لها أن نبهت من مساعي تقويض وإنهاء هذا القطاع، ومن الترويج لعمليات استيراد بدائل منتجاته.

ففي مادة سابقة بتاريخ 13/7/2020، بعنوان: «هل نتّجه نحو استيراد البيض والفروج؟»، ورد التالي:
«قطاع الدواجن من القطاعات المنتجة، على ذلك قد لا يكون بعيداً عن الاستهداف بغاية الإضعاف والتصفية، حاله كحال القطاعات المنتجة جميعها، زراعية أو صناعية أو حرفية، بغاية إخلاء الساحة الاقتصادية لعمليات الاستيراد على حسابها، وبما يحقق مصالح حيتان الاستيراد والفساد المحميين بالسياسات الحكومية المحابية لهم على طول الخط. فالمتتبع لواقع ومآل قطاع الدواجن، وما يتعرض له من صعوبات متراكبة ومتراكمة، وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، وصولاً إلى تقلصه وانكماشه وتوقف الكثير من منشآته عن العمل، بالتوازي مع تراجع دور الدولة على مستوى الدعم الحقيقي له، بالإضافة إلى إضعاف دور مؤسسة الأعلاف، ربما يصل إلى الاستنتاج: أن بعض الحيتان والفاسدين الكبار من مصلحتهم ضرب وتوقيف هذا القطاع الإنتاجي الكبير عن العمل أيضاً بغاية توسيع قاعدة عملهم، عبر استكمال استيراد الاحتياجات الغذائية للمواطنين، من البيض والفروج وأجزائه، من أجل الاستحواذ على المزيد من هوامش الربح لمصلحتهم، وهي لا شك كبيرة جداً ومغرية، ولو كان ذلك على حساب المواطن المستهلك، أو على حساب الأمن الغذائي».

وها هي محافظة دمشق تبدأ الخطوة الأولى بهذا الاتجاه عبر توصيتها باستيراد الفروج المجمد حالياً، طوعاً أو دفعاً أو شراكة، وربما لن نستغرب اعتماد توصية لاحقة باستيراد بيض المائدة أيضاً، ولم لا طالما ذريعة مصلحة المستهلك، المستهلكة رسمياً، تفعل فعلها بالمزاودة على المستهلكين والمنتجين معاً!

«شو جابرك ع المر»

المفروغ منه، أن المستهلك يفضل الفروج الطازج على المجمد، وقد سبق أن تم خوض تجربة بهذا السياق في مراحل زمنية سابقة، ولم يكتب لها النجاح المطلوب، وبالتالي لم تستمر، لكن مع استمرار تدهور الوضع المعيشي، وخروج الكثير من السلع الغذائية من سلة الاستهلاك اليومي لغالبية الأسر المفقرة، بما في ذلك الفروج والبيض مؤخراً، بسبب ارتفاعات أسعارها، قد يجد الفروج المجمد، الذي بدأ الترويج له، فرصة له للوصول إلى موائد الاستهلاك من خلال منافسته سعراً للمتوفر من الطازج في الأسواق، لكن ذلك لا يمكن أن يصاغ ضمن مقولة مصلحة المستهلك أبداً، فالحالة الاضطرارية بالنسبة للمستهلكين مرتبطة بالواقع الاقتصادي المعيشي الذي ينطبق عليه القول: «شو جابرك على المر إلا الأمر».

نحو استكمال عملية القتل الممنهج

لا شك أن قطاع الدواجن سيتجه نحو نهايته في القريب العاجل في حال تمت الموافقة على توصية مجلس محافظة دمشق باستيراد الفروج المجمد، وبدأ هذا الفروج يغزو الأسواق، فمن المؤكد أن بعض منشآته ستخرج عن الخدمة بشكل نهائي، ودون رجعة هذه المرة، فالمنافسة في السوق ستكون خاسرة من كل بد، وستضاف إلى الخسائر السابقة، ما يؤدي بالنتيجة إلى إنهاء هذا القطاع وتصفيته بشكل نهائي.

أما الحديث عن مصلحة المستهلك بهذا الصدد، فهي ليست أكثر من ذرّ للرماد في العيون، كما أسلفنا، غايتها تمرير الصفقات الرابحة حكماً، باسمه وبغاية المزيد من الضغط على القطاع لإنهائه، كي تخلو الأسواق من المنافسة لاحقاً لمصلحة كبار التجار والمستوردين، ومن خلفهم من الفاسدين طبعاً، ولا شك أنه بعد استكمال عملية القتل الممنهج لهذا القطاع ستستكمل حلقات الاستغلال للمواطنين المستهلكين بشكل أكبر وأوسع مجدداً، ليس على مستوى الأسعار فقط، بل وعلى مستوى المواصفة والجودة والمصدر أيضاً، فهذا ما عهدناه مع حيتان الفساد والاستغلال المنفلتين.

السياسات المجحفة وأطراف المعادلة

إذا كان جزء من المشكلة الخاصة والمزمنة بقطاع الدواجن مرتبطاً عضوياً بتكاليف الإنتاج المرتفعة على المربين، ودور حيتان استيراد الأعلاف بهذا السياق، بسبب تراجع وغياب دور الدولة بهذا الشأن، والنتيجة هي: ارتفاع أسعار منتجات هذا القطاع على المستهلكين في الأسواق، فإن الجزء الآخر والأهم مرتبط بضعف القوة الشرائية لليرة، وبتدني مستويات الأجور بشكل عام، وهذا الأمر ينعكس على المستوى المعيشي ومعدلات الاستهلاك عموماً، ولا يقتصر على منتجات قطاع الدواجن فقط.

فالحديث عن دعم القطاع بشكل جدي وحقيقي، واستعادة دور الدولة على مستوى استيراد الأعلاف لكسر حلقة التحكم والاستغلال، قد لا يحل مشكلة هذا القطاع الهام إلّا جزئياً، فاستكمال الحل يتطلب العمل على الطرف الآخر، والأهم من المعادلة المرتبط بالأجور وبالقوة الشرائية لليرة، كي يتحسن المستوى المعيشي للغالبية من السوريين، وهذا وذاك من الأجزاء المختلفة، بهذا القطاع أو غيره، مرتبطة ومترابطة مع جملة السياسات الليبرالية المعتمدة والمعمول بها منذ عقود، وبالتالي، نعود مجدداً للتأكيد على أنه لا حلول لأية مشكلة أو أزمة إلّا بالخلاص النهائي من جملة السياسات المجحفة بحق الإنتاج والمنتجين والمستهلكين على السواء.

لتحميل العدد 992 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
992
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين2/نوفمبر 2020 16:40