دير الزور.. الترسيم والترفيق فرصة نهب وفساد
فرضت آليات الترسيم والترفيق مبالغ مالية على أي غرض أو مادة وسلعة، حتى اللوازم الشخصية التي تأتي مع الأشخاص العائدين من شرقي الفرات، بعد عملية تطهير غرب الفرات من «داعش» وسيطرة الجيش عليه، وما زالت مستمرة.
هذه الآليات في الترسيم المفروضة على السلع والبضائع، صارت شبيهة بآليات فرض الضريبة المالية جراء عمليات الاستيراد والتصدير، لكن داخل الوطن، فهي فرصة «شبه رسمية» للنهب والفساد وتكديس الثروات، تماماً كحال آليات الاستيراد والتصدير بين الوطن والخارج، مع فارق جوهري أن عمليات التصدير والاستيراد، وبغض النظر عما يعتريها من أوجه نهب وفساد، تنتفع منها الخزينة العامة بشكل أو بآخر، لكن عمليات الترسيم والترفيق لا منافع منها، ومثالنا التالي عن الشعير ربما يوضح حجم المشكلة.
الشعير بين شرق الفرات وغربه
مثال حي على ما سبق مادة الشعير، فهي تباع إلى التاجر من الطرف الأول (شرق الفرات) إلى الطرف الثاني (غرب الفرات) بسعر الكيلو 280 ليرة سورية، ويتم نقله عن طريق عبّارة نهرية من ضفة الفرات الشرقية، وأجور هذه الناقلة أو العبارة تتراوح من 4 إلى 5 ليرات على كل كيلو غرام، ليصل سعر كيلو الشعير بعد نقله 285 ليرة، وأجور عمال العتالة والتنزيل والتحميل أيضا تتراوح من 4 إلى 5 ليرات على الكيلو، ليصبح الكيلو بعد تعبئته في الشاحنة 290 ليرة، والشاحنة التي تشحن إلى الداخل السوري تحمل ما يقارب 65 طناً من الشعير، وحسب آليات الترسيم يفرض عليها مبلغ يتراوح بين مليون ونصف إلى مليوني ليرة بعد تقسيمه على الأطنان المحملة، ليصبح الكيلو بـ 321 ليرة سورية تقريباً، ثم تأتي من بعد ذلك المبلغ الكبير من خلال عملية الترفيق، أي: مرافقة الحمولة إلى الداخل والتي تقدر بحدود 7 ملايين ونصف المليون للشاحنة الواحدة، لقاء تمريرها على الحواجز المتواجدة على الطريق، ليصبح من بعدها الكيلو بـ 436 ليرة ، تأتي من بعدها أجور سيارة الشحن الناقلة، ما يقارب مليون ونصف حسب الاتفاق، ليصل سعر الكيلو إلى 459 ليرة ، وبعد إضافة حوالي 40 ليرة على كل كغ ربح الوكيل المتواجد من منطلق الحمولة إلى التاجر المتواجد في دمشق، أو غيرها من المحافظات السورية يصبح سعر كيلو الشعير حوالي 500 ليرة سورية تقريباً، فمن الطبيعي أن التاجر سيضيف كافة نفقاته وتكاليفه على السعر النهائي، مع هامش ربحه طبعاً.
أسعار خارج حدود المنطق
بحسب مثالنا أعلاه، فإن المبالغ المضافة كترسيم وترفيق كانت بحدود 9 ملايين ليرة لكل شاحنة تحمل بحدود 65 طناً من الشعير، أي بواقع 130 ليرة تقريباً على كل كيلو غرام من هذه المادة، وبنسبة هامش مضاف إلى السعر يتجاوز 45%.
فإذا كانت المبالغ المضافة كهامش على شاحنة واحدة تقدر بحدود 9 ملايين ليرة، فلكم أن تتخيلوا حجم النهب والفساد الكبير، بالمقارنة مع حجم التبادل السلعي والبضاعي المنقول عبر الشاحنات، يومياً وشهرياً بين مناطق ومحافظات القطر.
فالمواد التي تنقل بين مناطق محافظة دير الزور، والتي تأتي كأنها من الطرف الثاني للوطن، أي شرق الفرات، أصبحت غاية وفرصة لتجار الأزمة والفاسدين للنهب واستغلال المواطن، المنتج والمستهلك، وبالتالي على حساب مصلحة الشعب والوطن عموماً، ويتم ذلك علناً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المبلغ المقتطع والمفروض كترسيم وترفيق يتغير حسب نوع المادة والسلعة أو الغرض أو الشيء، لنصل في نهاية المطاف إلى المواد الأساسية التي تأتي من الطرف الثاني، وصولاً إلى أي مكان في الداخل السوري، مثل: (القمح والشعير) وغيرها من مواد، فبعد التكلفة والترسيم وتعب العمال أو العتالة، وعملية النقل والترفيق تصل إلى المواطن بأسعار غير عادية وتتجاوز حدود أي منطق.
إن هذه العملية، مع تعميمها على كافة السلع والمواد، ليست مصدر نهب وفساد فقط، فهي تساهم تماماً بغلاء المواد وتجويع الشعب بالنهاية، بل وتؤثر على الاقتصاد الوطني من خلال التوزيع غير العادل لثروة مهمة من ثروات البلاد، التي يستحوذ عليها قلّة من تجار الأزمة والفاسدين (الكبار والصغار)، حالها كحال بقية الثروات عبر الوساطة بين الخارج والداخل، أو في الداخل بين مناطق الوطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 990