لمن القروض في ظل تدني مستويات الأجور؟
بعد طول انتظار، تم السماح باستئناف منح القروض من قبل المصارف كافة، وفقاً لبعض الشروط الموضوعة من قبل مصرف سورية المركزي، بما يخص الشرائح المستفيدة والسقوف والضمانات والتسهيلات.
وقد عكفت المصارف الحكومية على إصدار تعليماتها الخاصة بما يخص القروض الممنوحة من قبلها، استناداً للسماح لها باستئناف منح القروض، ووفقاً للشروط العامة الموضوعة من قبل المصرف المركزي، وكل بحسب طبيعة عمله.
وبهذا الصدد سنأخذ مثالاً المصرف التجاري، بحسب ما أعلنه حول إطلاقه لما سمي «القرض الشخصي» والذي يستهدف شرائح: العاملين في القطاع العام، والمتقاعدين، وموظفي القطاع الخاص، وأصحاب المنشآت والفعاليات والمهن الحرة، وأصحاب المهن العلمية، وأصحاب التراخيص الإدارية، على ضوء واقع مستويات الأجور في القطاع العام.
تفاصيل وشروط القرض الشخصي
بحسب الصفحة الرسمية للمصرف التجاري السوري بتاريخ 19/9/2020: «يتلاءم القرض الشخصي مع حاجاتك، لتمويل مشروع صغير أو عملية شراء أو لتغطية النفقات.. قرض سهل وميسر تم تصميمه خصيصاً ليمنحك مجموعة واسعة من المزايا».
الحد الأقصى للقرض 2 مليون ليرة بضمانة رواتب كفيلين موظفين لمدة خمس سنوات.
الحد الأقصى للقرض 15 مليون ليرة سورية لمدة عشر سنوات بضمانة عقارية تغطي 200% من القرض.
يمنح القرض بفائدة 12,5% سنوياً على الرصيد المتناقص.
يحق لأي مقترض من القطاع العام الاستفادة من القرض شريطة أن يكون مثبتاً على الملاك منذ سنة، أو المثبتين حديثاً على أن يكونوا متعاقدين مع القطاع العام لمدة ثلاث سنوات متتالية على الأقل.
يشترط بالمستفيد من موظفي القطاع الخاص أن يكون مسجلاً بالتأمينات لـ 5 سنوات متواصلة.
يحق للمتقاعد الاستفادة من القرض على أن يكون هو أو أحد كفلائه موطناً راتبه في المصرف التجاري السوري، الحد الأقصى لعمر المقترض المتقاعد 65 عاماً في نهاية مدة القرض.
بالإضافة إلى بعض التعليمات والشروط الأخرى.
المستفيدون فعلاً
بالتفسير العملي، إن القسط الشهري لقرض 2 مليون ليرة سيكون بحدود 33 ألف ليرة سورية، وبحسب التعليمات الناظمة للاقتطاعات على الأجور يجب ألّا تتجاوز نسبة الحسم على الأجر 40%، وهذا يعني: أن من سيحصل على سقف القرض من العاملين في القطاع العام يجب ألّا يقل أجره الشهري عن 82 ألف ليرة سورية، وكل من هم دون هذا الأجر فلن يحصلوا على سقف القرض، بل على نسبة منه تتناسب مع نسبة الاقتطاع البالغة 40%.
فمن يبلغ أجره الشهري 60 ألف ليرة مثلاً، فإن سقف القرض المتاح له لن يتجاوز مليون ونصف المليون ليرة، كي يتم تقسيطه بواقع أقساط متساوية تبلغ 24 ألف ليرة لمدة خمس سنوات، أي 60 شهراً، طبعاً في حال استطاع أن يؤمن الكفيلين، وحصل على موافقة المصرف، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفائدة السنوية المحسوبة بواقع 12,5% سنوياً على الرصيد المتناقص، يتم استيفائها سلفاً من القرض بعد احتسابه بحسب ما درجت عليه العادة، والتعليمات الناظمة لعمل المصارف على مستوى القروض، أي: إن مبلغ المليون ونصف المليون قد لا يصل إلى اليد إلّا بحدود المليون و200 ألف ليرة فقط.
أما القرض البالغ سقفه 15 مليون ليرة ولمدة 10 سنوات فإنه سيكون متاحاً لمن يبلغ أجره الشهري 300 ألف ليرة، كي يتم التمكن من اقتطاع نسبة 40% منه كقسط شهري لمدة 10 سنوات، بواقع 125 ألف ليرة، ولا ندري إن كان هناك أجر للعاملين في القطاع العام يبلغ هذا القدر؟!
شكل دعائي والمشكلة في الأجور
إذا كان ما سبق يمثل واقع إمكانية منح القروض المعلن عنها لمن هم على رأس عملهم من العاملين في القطاع العام، فكيف هو الحال بالنسبة للمتقاعدين من هؤلاء؟!
بمطلق الأحوال، إن الحسابات التقريبية بحسب ما ورد أعلاه تبين أن ما سمي بـ«القرض الشخصي», بحسب السقوف المعلنة، ربما يستهدف بعض الشرائح المذكورة فعلاً، لكنه دون أدنى شك يستثني عملياً شريحة العاملين في القطاع العام والمتقاعدين، بل إن ورودهم في المتن ربما لم يكن إلّا شكلاً دعائياً فقط لا غير، أو للمزاودة على هؤلاء تحت عبارة: «قرض سهل وميسر تم تصميمه خصيصاً ليمنحك مجموعة واسعة من المزايا»!
وبعيداً عن الخوض بالمزيد من التفاصيل، لا شك أن المشكلة بهذا الصدد تتمثل وبشكل أساس بضعف الأجور في القطاع العام، وبالنسبة للمتقاعدين، قبل أن تكون بالتعليمات الناظمة لمنح القروض بحسب ما وردت أعلاه، برغم فجاجتها!
فقط للمليئين وأصحاب الثروة
القروض المعلن عنها من قبل بقية المصارف الحكومية، ربما لم تكن بأفضل حال مما هي عليه في المصرف التجاري، بشروطها وسقوفها وضماناتها، وخاصة على مستوى الشرائح المستهدفة منها بالواقع العملي كنتيجة.
ليتبين أن قرار السماح باستئناف منح القروض من قبل المصرف المركزي بالواقع العملي، وبحسب طبيعة عمل كل مصرف، لم يكن في حال من الأحوال إلّا موجهاً لخدمة شريحة أصحاب المال والثروة والمليئين سلفاً، وتعميم مفردات مثل: (المواطنين- العاملين في القطاع العام- المتقاعدين- بل وحتى العاملين في القطاع الخاص) في متن الشرائح المستهدفة من القروض لم تكن إلّا لغايات دعائية وترويجية، وللتغطية عملياً عن الشرائح المستهدفة فعلاً، بل وبعضها لم يغفل استهدافه لهذه الشرائح دون غيرها، تحت مسميات تمويل المشاريع الصغيرة والاستثمارية والعقارية وغيرها.
أرصدة كبيرة يسيل من أجلها اللعاب
ربما لا غرابة في ذلك، فبعد الكثير من الأحاديث الرسمية التي أكدت على توفر مئات من المليارات من الليرات السورية كأرصدة غير مفعلة في المصارف الحكومية من أن تلهث خلف هذه المليارات شرائح المستغلين، ويسيل لعابها عليها ومن أجلها، كما جرت العادة خلال عقود طويلة، ولم لا طالما أن السياسات المحابية لمصالح هؤلاء على حساب غيرهم لم تتغير؟ بغض النظر عن كل ما قيل أو ما أعلن بشأن الضمانات والتسهيلات وغيرها.
فهل ستقع هذه المصارف لاحقاً بمطب الضمانات والتسويات، والمتاهات القانونية بما يخصها، والسنين الطويلة في معالجتها، بحيث تتآكل أصول القروض وضماناتها وفوائدها من خلال عامل الزمن، كما سبق أن جرى خلال السنين الماضية وحتى الآن مع قروض كبيرة سابقة؟!
المشكلة أننا قد نضطر للانتظار طويلاً كي نرى، لكن كما يقال «المكتوب مبين من عنوانه»!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 984